نتنياهو حوّل اللقاحات إلى ورقة مقايضة وهذه السابقة ستلاحقه إزاء "حماس"
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- بعد إنكار استمر أياماًـ تراجعت الرقابة العسكرية هذا الصباح (السبت) في إسرائيل ووافقت على نشر البند السري في الصفقة التي سمحت بإعادة الشابة الإسرائيلية التي اجتازت الحدود إلى سورية. بالإضافة إلى إعادة راعييْن سوريين وتقصير مدة عقوبة مواطنة درزية من سكان هضبة الجولان، قدمت إسرائيل ثمناً آخر بناء على اقتراح روسي: تمويل شراء عدد كبير من اللقاحات ضد الكورونا (على ما يبدو مئات الآلاف) من صنع روسي، سبوتنيك، الذي لا تبدو أغلبية دول المنطقة متحمسة للحصول عليه وتفضّل اللقاحات الغربية.
- قرار رفع منع الرقابة جاء بعد أن بدأت تفصيلات الاتفاق بالتسرب إلى وسائل إعلامية ومواقع الإنترنت الأجنبية، في أعقاب نشر "هآرتس" وجود بند سري في الاتفاق. الذريعة الرسمية لمنع الخبر هي أن هذا ما طلبه الروس من إسرائيل - وجرى التعهد في الاتفاق أن يبقى الموضوع سرياً. لكن ليس من المستبعد أنه كان هناك اعتبار إضافي. لقد فهم السوريون بسرعة أن الشابة الدرزية التي اعتقلوها في قرية الخضر الدرزية، في الهضاب الجنوبية - الشرقية لجبل الشيخ ليست جاسوسة، بل شخصاً لديه ظروف شخصية معقدة. مع ذلك حاولوا أن يبتزوا من الرصيد الذي وقع بين أيديهم أقصى فائدة ممكنة. إسرائيل لملمت مقابلاً من هنا وهناك، لكن حينئذ سعت دمشق للحصول أيضاً على تمويل للقاحات - وإسرائيل استجابت، لكن الأمر سبّب إحراجاً لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
- الحل لدى نتنياهو كان بسيطاً - تعتيم على النشرـ أيضاً الأمر الذي سمح له بذلك هو الطلب الروسي بالحفاظ على السرية. في الواقع يوجد هنا تلاقي مصالح بين نظامين ديكتاتوريين وبين دولة ديمقراطية في حالة تراجع، وكلهم لديهم مصلحة في إخفاء حدوث عملية ابتزاز محرجة. من حظ الشابة أنها قامت بمغامرتها غير المسؤولة في فترة انتخابات. روسيا زودت نتنياهو بمبادرتين إنسانيتين في ذروة معركتين انتخابيتين من ثلاث أخيرة - إعادة رفاة الجندي زكريا باومال من سورية في سنة 2019، وفي السنة الماضية إطلاق سراح شابة إسرائيلية أُخرى، نعمة يسسخار، التي أوقفت في مطار موسكو وفي حوزتها كمية صغيرة من المخدرات.
- لكن الإنجاز الحالي لنتنياهو الذي يعتمد، كما تباهى، على علاقاته الجيدة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، له علاقة أيضاً بالتنازل في موضوع اللقاحات. وهذه قضية مشحونة سياسياً وتسبب له عدم الارتياح. في اليمين الإسرائيلي ليسوا متحمسين لشراء إسرائيل لقاحات لمواطني دولة عربية. وهناك مَن يدّعي أن نتنياهو لم ينجح حتى الساعة في إنهاء قضية المخطوفين الإسرائيليين واستعادة جثمانيْ جندييْن إسرائيليين تحتفظ بهما "حماس" في قطاع غزة منذ أكثر من 6 سنوات.
- تدّعي إسرائيل أنها ليس ملزمة بتزويد السلطة الفلسطينية أو حكومة "حماس" باللقاحات. من جهة أُخرى، هي لم تعرقل حتى الآن بصورة واضحة وصول اللقاحات إليهما من الخارج. لكن عائلتيْ الجندييْن تطالب نتنياهو باستخدام اللقاحات كورقة مقايضة في المفاوضات، والقضية سبق أن طُرحت على المحكمة العليا.
- نتنياهو واقع في ورطة في هذه المسألة لأنه، بعكس أزمات إنسانية أُخرى، لم ينجح في تقديم المطلوب. الثمن الذي تطلبه "حماس" أكبر بكثير من المقابل الذي حصلت عليه روسيا أو سورية. ورطته هذه واضحة إلى درجة أنه قلّل في السنوات الأخيرة من ظهوره في الذكرى السنوية لقتلى الجيش الذين لا يعرف مكان دفنهم، بسبب تظاهرات العائلات. هذا الأسبوع ظهر في الذكرى وتباهى بعلاقته ببوتين.
- الصفقة الأخيرة تعرض خطاً يميز أداءه كرئيس للحكومة في هذه الأيام التي يخوض فيها معركة بقاء سياسي وقانوني: حتى عندما يعمل من أجل هدف جيد ومحق (إنقاذ المواطنة) فإنه يستغل خبرته السياسية الكبيرة (هذه المرة علاقته ببوتين)، ولسبب ما تبدو الأمور مشوهة عبر دفع ثمن هو موضع خلاف وبالتستر على جهود إخفاء خرقاء. وهذا ينبع من سلسلة مشكلات - تداخُل اعتبارات انتخابية، إقصاء الجهات المهنية، وحقيقة أن نتنياهو اضطر إلى العمل مع مجموعة خبراء ومساعدين أقل خبرة ومهارة من الأشخاص الذين أحاطوا به قبل نحو عشر سنوات.
- في النهاية يوجد هنا مزيج من سطحية وسرية تمس أيضاً بثقة الجمهور بخطوات الحكومة. من المؤسف أن الطريقة المشوهة تطمس النتيجة الإيجابية للصفقة. نتنياهو الذي شدد على تصوير اللقاحات كمخرج وحيد لإسرائيل من أزمة الكورونا، يقود الآن حملة لقاحات بوتيرة سريعة، وهي أسرع من سائر الدول الغربية. الآن هو أيضاً يستخدم دبلوماسية اللقاحات كـ"قوة لينة"، تساعده على تحقيق أهداف إسرائيلية (أيضاً الصين وروسيا تفعلان ذلك بحجم أكبر بكثير). وبصورة ما فإن تقصيره المستمر تقريباً، من خلال الإخفاء والتضليل، يؤذي النتائج.