قطار بايدن الدبلوماسي انطلق إلى طهران ولن يتوقف في إسرائيل22
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • "إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات، سنتراجع فوراً عن الخطوات التي اتخذناها". الكلمة الأساسية في التصريح الذي أدلى به أول أمس (الجمعة) وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف كانت كلمة "إذا" التي قالها في البداية. في الأيام الثلاثة الأخيرة جرت نقاشات حثيثة في هذا الشأن في الإدارة الأميركية، وبينها وبين الشركاء الأوروبيين الذين وقعوا الاتفاق النووي مع طهران في سنة 2015. الموقف المعلن للرئيس الأميركي جو بايدن، يحدد أن العقوبات لن تُرفع قبل أن تتوقف إيران عن انتهاكاتها للاتفاق وتعود إلى الوضع المحدد فيه أصلاً. إيران من جهتها تطالب برفع العقوبات كشرط مسبق لاستئناف الاتصالات بين الطرفين.
  • ما مقدار المساحة المتبقية للتفاوض بين هذين الموقفين الصارمين، اللذين يفتحان طريق "الدبلوماسية الحذرة" - كما وصف بايدن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي؟ فرضية العمل أن الطرفين مهتمان بإحياء الاتفاق الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في سنة 2018. بايدن أوضح خلال حملته الانتخابية أن هذه هي نيته، وهذا هو الموضوع الأول في جدول أعماله السياسي. إيران لم تتوقف خلال العامين الأخيرين عن المطالبة بتطبيق الاتفاق النووي. وانتظرت سنة قبل أن تبدأ بخرق بنوده، والآن أيضاً تعلن أن كل "ما تطالب به هو أن تنفّذ الولايات المتحدة تعهداتها في الاتفاق".
  • الجدول الزمني ضاغط ومهدد. إيران أعلنت أنه بدءاً من يوم الثلاثاء لن تسمح بمواصلة عمل مراقبي وكالة الطاقة النووية الدولية في معظم المنشآت النووية- باستثناء نتانز وفوردو، حيث ستستمر الرقابة كالعادة، بحسب التزامها في ملحق الاتفاق. من أجل تحسين فرص الجهد الدبلوماسي قرر بايدن التراجع عن المطالبة، التي قدمها الرئيس السابق دونالد ترامب إلى مجلس الأمن في الأمم المتحدة على خلفية الانتهاكات الإيرانية، بالعودة الفورية إلى كل العقوبات الدولية التي فُرضت على إيران. هذا بالإضافة إلى قرار رفع جزء من القيود التي فُرضت على حركة الدبلوماسيين في الوفد الإيراني في الأمم المتحدة.
  • في المقابل وافقت إيران على البحث مع مدير الطاقة النووية الدولية رافائيل غروسي عن حل لمشكلة الرقابة. هذه طبعاً ليست خطوات دراماتيكية وليست منعطفاً، بل تدل على نية الطرفين إيجاد جو إيجابي تمهيداً للمحادثات. غروسي اجتمع اليوم في طهران برئيس وكالة الطاقة النووية الإيرانية علي أكبر صلاحي، وأيضاً بالوزير ظريف - لكن ليس واضحاً ماذا يتوقع أن يحققه من زيارته. لقد تحدث بحذر عن نيته "إيجاد حل متفق عليه يتطابق مع القانون الإيراني"، ومن الصعب رؤية كيف ستتحول هذه الدائرة إلى مربع.
  • على أي حال، أوضحت إيران أنها ستوقف ما تسميه "رقابة طوعية كجزء من إظهار شفافية المشروع النووي". هذا البند يسمح بالوصول العشوائي إلى منشآت عسكرية غير نووية. وهو موجود في البروتوكول الذي أُضيف إلى الاتفاق النووي، ويوسّع بصورة غير مسبوقة من قدرة مراقبي الأمم المتحدة على فحص منشآت مشبوهة في إيران. [تجدر الإشارة إلى أن إيران وافقت على تمديد عمل المراقبين الدوليين لوكالة الطاقة النووية لمدة ثلاثة أشهر أُخرى].

ضوء أخضر

  • الخطوة الأهم هي الرسالة التي نقلها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى نظرائه في فرنسا وألمانيا وبريطانيا- ومفادها أن الولايات المتحدة ستوافق على أي وساطة أوروبية تدفع قدماً بالمفاوضات على الاتفاق النووي، من دون شروط مسبقة. وبذلك أعطى بلينكن ضوءاً أخضر علنياً ورسمياً لتحريك الاتصالات. وزارة الخارجية الأميركية تهربت من الإجابة عما إذا كانت الاتصالات بدأت فعلاً بين مندوبين أميركيين وإيرانيين، لكن التقدير أن مثل هذه الاتصالات حدث، والآن ينتظرون الرد الإيراني الرسمي بشأن استعداد إيران للانضمام إلى المفاوضات.
  • تلميح عن طبيعة الرد المتوقع وصل من الناطق بلسان الحكومة الإيرانية علي ربيعي الذي قال إن طهران "واثقة بأن المبادرة الدبلوماسية ستصل إلى الهدف المنشود." وأضاف "السير إلى الأمام والخلف على المستوى الدبلوماسي هي مقدمة لعودة كل الأطراف إلى التزاماتهم بالاتفاق، بما فيها رفع العقوبات في المستقبل القريب." إذا كان كلام الربيعي يعكس موقفاً إيرانياً متفقاً عليه، يمكن حينئذ الوصول إلى استنتاج أن إيران لا تنوي انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية [الإيرانية] في حزيران/يونيو المقبل، وهي مستعدة لتسريع النقاشات واستغلال الزخم الذي أوجده بايدن.
  • في الوقت عينه، تعرّض الرئيس الأميركي لانتقادات حادة من طرف أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين قالوا إن البادرات الحسنة التي قدمها هي تنازلات من دون مقابل. بالإضافة إلى الرسالة التي سيرسلها 113 عضواً في الكونغرس تطالبه بعدم العودة إلى الاتفاق النووي. مسؤول كبير في الخارجية الأميركية في واشنطن رد على هذه الانتقادات قائلاً إنها "تنازلات منطقية" هدفها إزالة العقبات التي تعترض الجهود الدبلوماسية. والسؤال الأساسي هو كيف يمكن أن يحدث هذا من دون أن يبدو أي طرف أنه تنازل أولاً.
  • أحد الاقتراحات هو البدء في مسار المفاوضات، وتطبيق سلسلة خطوات مرحلية في وقت واحد. اقتراح آخر هو التوصل إلى اتفاقات كاملة وتطبيقها دفعة واحدة. هذه الاقتراحات كلها من المتوقع أن تناقَش في الأيام المقبلة بين ممثلي الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، الذين سيقومون بالوساطة مع إيران.

أطراف أُخرى

  • لا تشارك إسرائيل والسعودية والإمارات في هذه النقاشات. وعلى الرغم من مطالبتها بالمشاركة، أو على الأقل بأن تكون مراقِبة فيها، لم يجر التوصل إلى اتفاق على ذلك- في الأساس بسبب معارضة إيران لأن تشارك في المفاوضات أطراف لم توقّع الاتفاق الأصلي. وفي الواقع تعهدت الولايات المتحدة لإسرائيل أنها ستتشاور معها وستضعها في مستجدات الاتصالات، لكن كما هو معروف لم يقدم تعهد أميركي بمنح إسرائيل حق الفيتو على مضمون النقاشات، فكم بالأحرى على نتائجها.
  • مصدر دبلوماسي أوروبي قال لـ"هآرتس" إن النقاشات في هذه المرحلة "تقنية وهدفها إعداد الأرضية تمهيداً للقاء مشترك بين الوفد الإيراني والدول الموقعة على الاتفاق النووي، والتوصل إلى اتفاق على مكان الاجتماع وموعده، وعلى مستوى المشاركين فيه." مع ذلك، من الواضح أن "النقاشات التقنية" لا يمكن أن تحدث من دون تفاهمات واتفاقات مبدئية مسبقة على مضمون النقاش. وأضاف المصدر: "ليس للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أي نية للمس بمصالح إسرائيل أو الدول الصديقة لهما  في الشرق الأوسط، بل نحن نؤمن بأن الاتفاق النووي يستجيب بصورة ملائمة لمطالب إسرائيل، لذلك يجب أن تكون معنية بنجاح المفاوضات."
  • هذا طبعاً ليس موقف إسرائيل التي عارضت الاتفاق النووي بشدة منذ البداية، وعملت على إحباطه قبل توقيعه، وكانت من الدول الأكثر تأثيراً في الرئيس ترامب للانسحاب منه. الآن تجد إسرائيل نفسها في وضع قدرتها فيه على توجيه خطوات بايدن محدودة، وأي خيار للسير على مسار الاشتباك مع الإدارة الأميركية لا يبدو فعلاً واقعياً. يجب أن تكون فرضية عمل إسرائيل أن الرئيس الأميركي لن يوقف العملية إزاء إيران ما دامت الأخيرة مهتمة بها.
  • تستطيع إسرائيل التمسك بنافذة الفرص التي قدمها بايدن الذي رأى في العودة إلى الاتفاق النووي مرحلة فقط في سلسلة اتفاقات مستقبلية يأمل بتوقيعها مع إيران، تتضمن قضايا الصواريخ الباليستية ودعم إيران للإرهاب. هذا الوعد ليس كافياً لإسرائيل، لكن يبدو أن طمأنتها حالياً ليست في رأس اهتمامات مَن يجلس في الغرفة البيضاوية في البيت الأبيض.