- كما في السنوات الأخيرة، شهدت الجبهتان في سورية وغزة أمس (الأربعاء) نشاطين عسكريين غير أن نهاية كل منهما تدل على الفجوات القائمة بينهما. فبينما أكدت تقارير وسائل الإعلام الأجنبية أن الجيش الإسرائيلي يعرف كيف يقوم بشن هجمات دقيقة في عمق الأراضي السورية من دون أي حاجة إلى مساعدة الاستخبارات الأميركية، فإنه يقوم بالردّ بشكل متردّد وضعيف على تحرّش ناشطين من قطاع غزة، الأمر الذي يدل على وجود مشكلة جوهرية في السياسة العامة ويمس الردع.
- نبدأ بسورية: في الليلة قبل الماضية شُنّ هجوم رابع منسوب إلى إسرائيل خلال الفترة القليلة الماضية ضد التموضع العسكري الإيراني، لكن هذه المرة لم يتم في مناطق قريبة، مثل منطقة الحدود في الجولان أو دمشق بل في شرق البلد، في منطقة البوكمال بمحاذاة الحدود مع العراق على بعد 600 كيلومتر. وتداولت وسائل الإعلام خبرين غير صحيحين، الأول أن الهجوم تسبب بمقتل عشرات الأشخاص في حين أنه انتهى بعدد محدود من الإصابات. والثاني أن المعلومات الاستخباراتية وصلت إلى إسرائيل في الاجتماع الذي عقده رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في واشنطن. وهذا غير صحيح أيضاً. ويمكن الافتراض أن التخطيط لهذا الهجوم جرى منذ فترة طويلة، كما أن الجيش الإسرائيلي ليس بحاجة إلى الاستخبارات الأميركية في هذه المنطقة بل على العكس.
- شمل الهجوم الإسرائيلي منطقتين هما البوكمال ودير الزور. ومنطقة البوكمال موجودة في الحدود العراقية - السورية، وتُعتبر ممراً لوجستياً برياً تنقل إيران عبره أسلحة إلى سورية ولبنان. وفي منطقة دير الزور تتواجد ميليشيات موالية لإيران. وقام الإيرانيون بنقل قواعدهم إلى هاتين المنطقتين بعد أن تم تدمير معظم القواعد في المناطق القريبة من إسرائيل وكذلك تدمير شحنات الأسلحة.
- ما يمكن افتراضه هو أن هذا الهجوم استهدف صواريخ طويلة المدى كانت في طريقها إلى حزب الله. وفي سورية لا ينجح الإيرانيون في تطبيق برنامجهم منذ عملية اغتيال قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
يمكن القول إن هذا الهجوم كان متميزاً ومهماً، وهو يُظهر قدرات عملانية مثيرة للانطباع لدى الاستخبارات وسلاح الجو في إسرائيل. في المقابل لم ينجح الجيش الإسرائيلي مرة أُخرى في مواجهة خلايا ناشطين في قطاع غزة. فيوم أمس (الأربعاء) أعلن أن آلية هندسية كانت تعمل في الجهة الغربية من السياج الأمني المحيط بقطاع غزة تعرضت لإطلاق نار من القطاع يبدو أن حركة "حماس" تقف وراءه. فماذا كانت ردة فعل الجيش الإسرائيلي؟ قامت دبابة إسرائيلية باستهداف 3 مواقع خالية لـ"حماس" بمحاذاة منطقة إطلاق النار. ولا شك في أن هذا الرد ضعيف ويبعث إلى الجانب الآخر برسالة فحواها أن ما حدث شرعي وفي نطاق أصول اللعب المقبولة على إسرائيل، وهو يضع صعوبات حتى على المستوى الاستراتيجي أمام إمكان التوصل إلى تسوية طويلة الأمد، لأنه من دون ردع سيكون من الصعب التوصل إلى تفاهمات يمكن أن تصمد.