المفاوضات على الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان: جوانب خاصة
المصدر
مركز القدس للشؤون العامة والسياسة

تأسس المعهد في سنة 1976، وهو متخصص في الدراسات السياسية والدبلوماسية والاستراتيجية. يترأس المعهد، حالياً، السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة دوري غولد. ينشر المركز مقالات يومية يمكن الاطلاع عليها باللغتين العبرية والإنكليزية على موقعه الإلكتروني. كما تصدر عنه سلسلة من الكتب، ويمتاز بمواقفه التي تتماهى مع اليمين في إسرائيل.

المؤلف
  • بعد خلاف دام أكثر من ثلاثين عاماً منذ إجراء آخر مفاوضات مهمة بين لبنان وإسرائيل، وافقت الدولتان الآن على العودة إلى التفاوض وإجراء مفاوضات مباشرة على الحدود البحرية المشتركة بينهما.
  • في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2020 أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو التوصل إلى اتفاق بين الدولتين على "إطار مشترك للنقاشات البحرية" من أجل إجراء مفاوضات بينهما لحل النزاع على الحدود البحرية المشتركة، التي تشكل موضع خلاف، في مياه البحر المتوسط. كما جرى الاتفاق على مشاركة الولايات المتحدة كوسيط وموجّه، وأن تجري المحادثات في الناقورة في لبنان، تحت علَم الأمم المتحدة، وبضيافة فريق مكتب المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان.
  • المفاوضات ستشمل منطقة هي موضع خلاف تبلغ مساحتها 860 كيلومتراً مربعاً، تمتد على مساحة الحدود البحرية بينهما في شرقي البحر المتوسط. هذه المنطقة البحرية غنية بحقول الغاز الطبيعي. يدّعي كلٌّ من الدولتين أن هذه المنطقة تقع داخل حدود "المياه الاقتصادية الخالصة" و"الجرف البري" التابع لها، وهي مناطق بحرية نظرية واقعة قبالة شواطئهما، وبحسب الاتفاقية الدولية لقانون البحار (UNCLOS) تتمتع الدول الساحلية بحقوق حصرية لاستغلال الموارد الطبيعية والاستفادة منها، مثل الأسماك والنفط ورواسب معدنية أًخرى على الشاطىء أو تحت مياه البحر.
  • وبينما لبنان من موقّعي اتفاقية قانون البحار، فإن إسرائيل لم توقّعها ولم تنضم إليها على الرغم من مشاركتها الفاعلة في المفاوضات، وفي صوغ الاتفاقية. مع ذلك اعترفت إسرائيل بأن أحكام الاتفاقية تعكس القانون الدولي المتعارف عليه وهي ملزمة بالنسبة إلى إسرائيل.
  • بناء على ذلك، يبدو أن المفاوضات المتوقعة على الحدود البحرية هي مفاوضات معيارية وعادية لحل خلاف على الحدود البحرية بين دولتين متجاورتين، مثل نزاعات كثيرة بين دول مطلة على البحر.

خصوصية الاتفاق مع لبنان

  • قبل كل شيء، ومع الأخذ في الحسبان التاريخ بين الدولتين والواقع الحالي في المنطقة، فإن العامل الأهم الذي يمكن أن يقود الدولتين إلى وضع تفاوضي هو الفوائد الاقتصادية المحتملة للبنان وإسرائيل، وأيضاً لكل دول المنطقة، من التعاون في استخراج وتسويق الغاز الطبيعي وموارد طبيعية أُخرى.
  • من الواضح أن ميزات إقليمية جوهرية كهذه ناجمة عن تعاون وتنسيق لا يمكن أن تتحقق في أجواء من التردد والعداء وفقدان الثقة، والكامنة في كل شبكة علاقات سلبية تفتقر إلى علاقات مدنية وحُسن جوار.
  • كل هذا يتضح أكثر عندما تتردد شركات دولية، لها علاقة باستثمار أموال في استخراج الغاز وتسويقه، في استثمار موارد مالية في منطقة نزاع تفتقر إلى استقرار سياسي وعسكري.
  • في الوقت عينه، ثمة ميزات أوسع لتعاون بين الدول الإقليمية ذات العلاقة - إسرائيل، لبنان، قبرص، مصر، وحتى سورية وتركيا – إذ إنه يمكن أن يؤدي إلى الدفع قدماً بمشاريع إقليمية، مثل نقل الغاز إلى أوروبا وأبعد منها، واستغلال موارد طبيعية وإدارتها والمحافظة عليها، مثل الأسماك، والتعاون في محاربة التلوث والحفاظ على البيئة البحرية، وطبعاً تشجيع سياحة تربط شرقي البحر المتوسط بأوروبا.
  • في وثيقة بحث مفصل يتناول إمكانات استفادة لبنان من الموارد الغازية تحت البحر نشره في سنة 2012 "صندوق أورينت مونت - بلرين" من أجل تشجيع السلام والتفاهم بين أوروبا والشرق الأوسط، بعنوان "الإطار القانوني للحدود البحرية للبنان: المنطقة الاقتصادية الخالصة وموارد الكربون البحري"، كُتب التالي: "بحسب تقدير المسح الجيولوجي الذي قامت به الولايات المتحدة ونُشر في آذار/مارس 2010، توجد مخزونات محتملة لم تُستخرج في الحوض الشرقي تقدر بـ1.7 مليار برميل نفط و122 تريليون قدماً مكعباً من الغاز، وهذه تشكل أضخم اكتشافات للغاز في العالم منذ عشرات السنوات. اكتشاف النفط في هذه المنطقة يمنح أملاً كبيراً للبنان. المداخيل من استخراج النفط والانتقال إلى الغاز الطبيعي كمصدر مستقل للطاقة يقدم فوائد كثيرة للشعب اللبناني: فهو سيساعد مساعدة كبيرة في تمويل الدين العام الكبير للبنان، ويقدم جواباً لمشكلة الكهرباء القاسية التي يواجهها هذا البلد، ويساعده على أن يكون أقل اعتماداً على مصادر خارجية في إنتاجه للطاقة، وسيكون لذلك تأثير إيجابي على البيئة."
  • "منذ سنة 2004 دعا البنك الدولي الحكومة اللبنانية إلى الانتقال إلى الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة من أجل تخفيض الارتفاع الكبير في تكلفة توليد الكهرباء، بذريعة أن لبنان سيحقق مدخرات سنوية ضخمة، ويمنع الإضرار بالصحة العامة للجمهور. وإذا أداروا موارد النفط والغاز بمسؤولية فإن هذا سيوفر وظائف، ويزيد الدخل ويرفع مستوى الحياة. باختصار استغلال الثروة النفطية والغازية سيغير المشهد الاقتصادي في الدولة."
  • نظراً إلى قرب لبنان الجغرافي من إسرائيل كدولتين متجاورتين - من الواضح أن هذه التوقعات الاقتصادية لا تقل أهمية بالنسبة إلى إسرائيل. وفي ضوء المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية المتعلقة بالمفاوضات المتوقعة، وعلى أمل أن تجري المفاوضات بحسن نية، من المعقول الافتراض أن الطرفين سيحاولان التوصل إلى تسوية جوهرية محددة تأخذ في الاعتبار الاعتبارات الثنائية والإقليمية الأوسع، مع الافتراض أن أي تسوية سلمية بينهما ستسمح بالتنسيق والتعاون الثنائي والإقليمي المستمر.

أساليب متنازَع عليها في ترسيم الخط البحري

  • ثمة عامل جوهري آخر يساهم في خصوصية مشكلة الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، هو فارق تقني لكنه جوهري بين البلدين فيما يتعلق بأسلوب ترسيم الحدود البحرية بينهما.
  • من جهة، تفضّل إسرائيل ترسيم الحدود بواسطة رسم خط بزاوية بسيطة قريبة من الحد البري، مقدارها 90 درجة. من جهة ثانية، يفضّل لبنان رسم خط مستقيم مباشر للحدود البرية. الفارق في ترسيم الحدود البحرية ليس تقنياً فقط بل جوهرياً لكل من الطرفين اللذين يحاولان من خلال أسلوب ترسيمهما المفضل الحصول على أكبر قدر من الأراضي البحرية مع كل ميزاتها الاقتصادية على حساب الطرف الآخر.
  • في حال عدم وجود اتفاق بين الدول المتجاورة، تنص اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحر على أنه في حالات المطالب المتداخلة المتعلقة بالجرف القاري أو المنطقة الاقتصادية... يجب أن يكون الترسيم نتيجة "اتفاق بالاستناد إلى القانون الدولي... من أجل التوصل إلى حل عادل." ولدى غياب مثل هذا الاتفاق، يجب أن ينفَّذ الترسيم على أساس خط الوسط بين نقاط متساوية على طول  الخطوط الأساسية للساحل.

تأثير "اتفاقات أبراهام"

  • عنصر إضافي مهم يجعل المفاوضات المنتظَرة مع لبنان ذات خصوصية هو حقيقة أنها تأتي بعد توقيع "اتفاقات أبراهام" في 15 أيلول/سبتمبر 2020، في واشنطن من طرف إسرائيل، والإمارات، والبحرين، والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
  • توقيع الاتفاقات بحد ذاته يبشر بعهد جديد من القبول والاعتراف وتطوير تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي، الأمر الذي لا يستطيع لبنان أن يتجاهله لدى دخوله إلى مفاوضات جديدة مع إسرائيل على الحدود البحرية المشتركة بينهما، نأمل بأن تكون أكثر نجاحاً.