إسرائيل تنتظر ترامب
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • إسرائيل تنتظر دونالد ترامب. بحسب حسابات نتنياهو، كان من المفترض أن يتوصل الرئيس الأميركي إلى قرار بشأن حجم المنطقة الذي "سيسمح" صاحب العظمة لإسرائيل بضمها، كأنه قيصر روماني وإسرائيل دولة تحت وصايته. اعتقد نتنياهو أن تاريخ الأول من تموز/يوليو يبدو معقولاً، لكنه لم يأخذ في حسابه، لأنه لم يكن في مقدوره أن يعرف أن ترامب سيدخل في دوامة، ومكانته ستنخفض إلى الحضيض، وفرص انتخابه مرة أُخرى ستضعف، والنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني لن يعود معنياً به.
  • الرئيس لا يركز في هذه الأيام، كما يعترف مستشاروه. هو محاط بفضائح جديدة وقديمة، ووباء الكورونا يهدد بدهورته إلى الهاوية. صحيح أن ترامب احتفل، وعن حق، بالأرقام الإيجابية التي نُشرت في الأمس عن نمو العمالة وانخفاض البطالة، لكن الخبراء أوضحوا أن هذه الأرقام جُمعت قبل الانتشار الجديد وغير المسيطر عليه للوباء الذي سيؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد من جديد وسيمحو إنجاز الرئيس.
  • بهذا، بالطبع، لم تنتهِ مصائب الرئيس. فقط في الأسبوع الماضي تورط ترامب في قضية روسية جديدة، ربما هي الأخطر، بدايتها كانت مع الخبر الذي نشرته النيويورك تايمز عن كشف الاستخبارات الأميركية اقتراحاً روسياً للتنظيمات التي لها علاقة بطالبان في أفغانستان بتقديم مكافأة مالية في مقابل قتل أي جندي أميركي. رداً على ذلك، أصدر البيت الأبيض مجموعة إنكارات كاذبة جرى الكشف عنها فوراً عبر تسريبات من جهاز الاستخبارات. وخلافاً للإنكارات، اتضح أن المعلومة الحساسة كانت موجودة في العرض الموجز الاستخباراتي الذي يُقدَّم إلى الرئيس يومياً، وعلى ما يبدو، يتقاعس ترامب عن قراءتها، وامتنع واضعو الموجز من لفت انتباه الرئيس إلى المعلومة، لأنهم تعلموا أن الرئيس لا يحب سماع أخبار سيئة عن روسيا.
  • الاستنتاج الواضح، على الأقل لدى منتقدي الرئيس، هو أنه منذ بداية 2019 - عندما وصل خبر المكافأة المالية التي يقترحها الروس إلى طاولته - تجاهل ترامب تهديداً واضحاً ومباشراً للجنود الأميركيين. هو فضّل الامتناع عن إثارة توتر مع روسيا، وواصل توجيه الثناء إلى الرئيس فلاديمير بوتين كلما شاء. الشك أحيا من جديد قضية تدخّل روسيا في انتخابات 2016، والتي اعتقد ترامب أنها أصبحت وراءه.
  • هذه المرة، الفضيحة زعزعت أيضاً مسؤولين جمهوريين كباراً، يعتبرون أنفسهم الرعاة الوطنيين للجيش الأميركي، وضبطوا أنفسهم حتى الآن إزاء الهجوم المركّز الذي شنّه مسؤولون كبار سابقين في الإدارة ضد الرئيس، وبينهم جايمس ماتيس وجون بولتون. دعوة أعضاء في مجلس الشيوخ ونواب جمهوريين إلى إجراء توضيح شامل للقضية الجديدة، أُضيفت إلى مؤشرات متزايدة تدل على أن السيطرة المطلقة لترامب على الحزب آخذة في التراجع.
  • يتخوف كبار مسؤولي الحزب من أن يشكل تراجُع ترامب في استطلاعات الرأي خطراً على مرشحي الحزب في ولايات أساسية ليست جمهورية، ويمكن أن يجر الحزب إلى إحدى أقسى الهزائم في تاريخه. لم يرتح كبار مسؤولي الحزب من تهديدات ترامب بوضع فيتو على ميزانية الأمن، وتغيير أسماء عشرات من القواعد العسكرية بحيث تصبح مسمّاة بأسماء جنرالات خدموا في الجيش الجنوبي خلال الحرب الأهلية. تصريح ترامب ربما أفرح النواة الصلبة والعنصرية في قاعدته، لكنه يتعارض مع شعور كثيرين من الجمهوريين الذين، بعكس ترامب، يدركون بأنه حدث تغيّر تكتيكي لدى الرأي العام الأميركي في الأسابيع الماضية منذ مقتل جورج فلويد.
  • وسواء كان التصريح نتيجة عنصرية مطبوعة في دمه كما يدّعي كثيرون، أم تكتيكاً ينمّ عن استخفاف هدفه تحصين قاعدته، فإن دفاع ترامب الصارم عن إرث جنرالات يرمزون إلى استعباد ملايين السود تثير استهجان الرأي العام، وخصوصاً في الولايات الأساسية. الدليل على أن ترامب يسبح ضد التيار، كان السرعة التي قرر بها مشرعو ولاية مسيسيبي وحاكمها، وهي الولاية الأكثر تماهياً مع العنصرية البيضاء، إزالة رمز الفيدرالية الجنوبية من علَم الولاية هذا الأسبوع. حالياً بقي خمس ولايات هي، ألاباما، أركنساس، فلوريدا، وجورجيا وتنيسي، لا تزال على أعلامها رموز تعود إلى الجيش الجنوبي.
  • مؤيدو ترامب الكثر، وخاصة في إسرائيل، لا يزالون مقتنعين بأن ما حدث سابقاً سيحدث. ويؤمنون بأن ترامب سيكرر فوزه الباهر في سنة 2016، مع الأخذ في الحسبان الوقت الطويل المتبقي - واحتمال انتعاش الاقتصاد على الرغم من التوقعات السوداء - ويجب ألّا نستبعد تماماً احتمال أن تتحقق أمنياتهم. يجب فقط أن نأخذ في الاعتبار الفوارق الحاسمة بين الأمس واليوم: ليس فقط الفجوات لمصلحة بايدن في الاستطلاعات هي اليوم ضعف ما كانت عليه لمصلحة هيلاري كلينتون في الفترة المقابلة سنة 2016 - بل لأن كلينتون كانت خصماً مكروهاً وعرضة للإيذاء أكثر من بايدن. لقد خاض ترامب الانتخابات في سنة 2016 كثائر على المؤسسات، والشخص الذي سيفرض النظام في مستنقع واشنطن الموحل؛ في سنة 2020، هو يغرق فيه حتى رقبته.
  • تتحدث وسائل الإعلام الأميركية في هذه الأيام عن الصراع الدائر بين مستشاري ترامب والمقربين منه بشأن استمراره في توجهاته: هناك من يدعو إلى تشجيع حكام الولايات على رفع الإغلاق وفتح الاقتصاد، بينما يعتقد آخرون أنه لم يفُت الوقت كي يغيّر ترامب توجهه، ويشن حرباً شعواء ضد وباء الكورونا. وبحسب مصادر في البيت الأبيض، الرئيس لا يعتبر نفسه مسؤولاً عن الوضع الكئيب، ويفضل توجيه التهمة إلى نصائح مستشاره وصهره جاريد كوشنير الذي حارب من أجل تقليص حجم المنطقة التي سيسمح ترامب لنتيناهو ولإسرائيل بضمها، والذي يخوض أيضاً المعركة الانتخابية لوالد زوجته.
  • الأخبار التي تحدثت عن غضب الرئيس على كوشنير شجعت مؤيدي الضم في إسرائيل الذين يعتبرون صهر الرئيس العقبة الأساسية لتحقيق تطلعاتهم. يقولون عندما يصر ترامب على أن يبقى ترامب، تزداد فرص موافقته على خطوة استفزازية مثل الضم. موافقة رئاسية على الضم ستثير غضب الأطراف الأساسية التي تكره ترامب، بينها الأمم المتحدة وأوروبا والليبراليون أينما كانوا، وفي الوقت عينه، ستدفع حملته لتصفية كل ذكر لإرث سلفه، باراك أوباما ، وسوف تصفق له قاعدته، وضمنها أغلبية الإنجلييين.
  • الأخبار الاقتصادية المفرحة التي وُضعت على طاولته في الأمس يمكن أن تؤثر في مزاج الرئيس. مؤيدو الاعتدال، مثل كوشنير، سيدّعون أمام ترامب أن الآن ليس هو الوقت لخلق بؤرة توتر لا لزوم لها في الشرق الأوسط، لكن ترامب يمكن أن يصل إلى استنتاج أثبت نفسه وعليه الاستمرار به. مواصلة تحريض البيض ضد السود، وتقليل خطورة الكوورنا، وتملّق روسيا ودكتاتوريين أجانب، وإساءة التصرف مع أوروبا والزعماء الديمقراطيين، وبصورة عامة دفع العالم كله إلى الجنون.
  • الضم يوفر لترامب فرصة للاستهانة بالاتفاقات، ولكي يبدو كرئيس قوي لا يقيم حساباً لأحد. أغلبية العالم المتنور ستبكي على الحلقة الجديدة في سلسلة خطوات جنون رئيس الولايات المتحدة، لكن أمام نتنياهو والإنجيليين فرصة حتى 3 تشرين الثاني/نوفمبر. بالاستناد إلى كل المعطيات الحالية، هذا هو الموعد الذي سيذكره المستقبل بأنه يوم الغفران للسياسة الخارجية لنتنياهو، اليوم الذي سيتضح فيه أن الرهان الكلي على ترامب - وعلى الضم الذي سيسمح به - خلقا كارثة لأجيال.