الحرب السيبرانية بين إسرائيل وإيران ارتفعت درجة
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • تجري الحروب السيبرانية بسرية وغموض، إلّا عندما يكون لأحد الأطراف المتخاصمة مصلحة في الكشف عن معلومات. تنفَّذ الهجمات عموماً من دون تحمّل المسؤولية، ومن خلال الإنكار، وتحديد مصدرها في أغلبية الحالات أمر ليس سهلاً. وتبدو الهجمات في المجال السيبراني ملائمة للمعركة بين الحروب، لأنها تسمح للمهاجم بالعمل عن بعد، وبسرية وبعدم التسبب بإصابات بالأرواح لدى الأطراف لمنع التصعيد. تسمح الهجمات السيبرانية بجمع معلومات، وتنفيذ حرب معلومات وحرب تؤثر في الوعي، ونقل رسائل ردع، وزيادة الضغوط على المنظومتين العسكرية والمدنية من أجل تحقيق أهداف أمنية وسياسية، وتنفيذ عمليات إحباط. في مجال الإحباط العسكري، يُذكر هجوم "ستوكسنت" ضد منشآت نووية في إيران، الذي كُشف عنه في سنة 2010. وتُعتبر مهاجمة منظومات السيطرة والرقابة على البنى التحتية المدنية الحيوية بمثابة درجة مرتفعة في سلم درجات خطورة الهجمات السيبرانية، والأكثر خطورة بينها هي هجمات تعرّض حياة عدد كبير من المدنيين للخطر، مثل تلويث المياه، أو حوادث نتيجة هجوم على شبكة المواصلات.
  • بحسب تقارير في صحف أميركية، تتبادل إيران وإسرائيل الضربات في مجال السايبر، من خلال مهاجمة بنى تحتية مدنية حساسة. وبحسب هذه الصحف، شنت إسرائيل، في 9 أيار/مايو، هجوماً سيبرانياً على مرفأ إيراني في بندر عباس (مرفأ شهيد رجوي) في جنوب إيران، رداً على هجوم سيبراني إيراني على بنى تحتية للمياه والصرف الصحي (شبكة المياه) في إسرائيل.
  • الهجوم المنسوب إلى إيران ضد منظومة المياه في إسرائيل نُفّذ ضد عدد من المراكز في أنحاء الدولة، في 24-25 نيسان/أبريل 2020 (قبل يوم من ذكرى إقامة الدولة، وفي بداية المرحلة الأولى من الخروج من إغلاق الكورونا). سُجّلت في إحدى المحطات معطيات غير عادية "وعدم انتظام"، ومحطة أُخرى توقفت عن العمل بصورة أوتوماتيكية (مراقبة)، وأخذت تعمل من دون انقطاع، وفي منظومة مياه أُخرى سُجّلت سيطرة على نظام التشغيل. وفي إحدى الحالات توقفت مضخة المياه عن العمل وقتاً قصيراً. التخوف الذي قدمه جهاز السايبر القومي كان أن تضطر إسرائيل أيضاً خلال أزمة الكورونا إلى مواجهة نقص موقت في المياه، أو إلى اختلاط الكلور أو مواد كيميائية أُخرى بنسب غير صحيحة يمكن أن تؤدي إلى ضرر وكارثة.
  • بالاستناد إلى مصادر مقربة من التحقيق في الحادثة، كان التقدير أن مصدر تخطيط الهجوم هو الوحدة السيبرانية الهجومية للحرس الثوري الإيراني (بحسب تقرير لنيويورك تايمز في 10 أيار/مايو). بعد الهجوم، صدر بيان من شبكة المياه وجهاز السايبر القومي في إسرائيل جاء فيه: "مؤخراً اكتُشفت محاولة هجوم سيبراني على منظومة السيطرة والرقابة في قطاع المياه. وجرت معالجة محاولة الهجوم من قبل شبكة المياه وجهاز السايبر القومي. ونشدد على أنه لم يحدث أي ضرر لعملية التزويد بالمياه وهي تجري بصورة منتظمة." وقد وصف رئيس جهاز السايبر في إسرائيل يغآل أونا (28 أيار/مايو) الهجوم بأنه "نقطة تغيّر" في تاريخ حروب إسرائيل السيبرانية. وبحسب كلامه، "محاولة الهجوم على إسرائيل كانت منسقة ومنظمة بهدف ضرب منظومتنا الإنسانية للمياه، ولو أنها كانت نجحت لكنّا اضطررنا إلى مواجهة ضرر سيلحق بالسكان المدنيين، وأيضاً نقص في المياه كان يمكن أن يؤدي إلى ضرر وكارثة." وفي تقدير إريك باربينغ، الرئيس السابق لجهاز السايبر في الشاباك، يدل الهجوم  على قدرة دولة تعتمد على استخبارات دقيقة. اللواء في الاحتياط البروفيسور يتسحاق بن يسرائيل، رئيس مركز السايبر في جامعة تل أبيب، أشار إلى أن ما جرى هو محاولة ثالثة على الأقل لمهاجمة منظومة المياه في إسرائيل من دون أن تحقق نجاحاً.
  • بالإضافة إلى ذلك، تحدث تقرير في القناة 12 الإخبارية، في 25 أيار/مايو، عن اكتشاف هجمات سيبرانية في الأسابيع الأخيرة، الغرض منها مهاجمة معاهد أبحاث إسرائيلية تعمل على تطوير علاجات ولقاح ضد فيروس الكورونا، من بين أمور أُخرى. وبحسب التقرير، هدف الهجوم لم يكن جمع معلومات بل التسبب بتدمير. وإذا كان المقصود عملية أُخرى لها علاقة بالحرب السيبرانية بين إسرائيل وإيران، فالأكيد أن حجم الهجوم الإيراني هو أوسع بكثير.
  • وفيما يتعلق بالهجوم السيبراني على منظومات المياه، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الموضوع طُرح على النقاش في المجلس الوزاري الأمني - السياسي في 7 أيار/مايو. ويمكن التقدير أن القرار بالرد اتُّخذ هناك. الهجوم المنسوب إلى إسرائيل في وسائل الإعلام الأميركية نُفِّذ في 9ايار/مايو2020، وكان موجهاً ضد بنية تحتية في مرفأ إيراني في بندر عباس. وأدى هذا الهجوم إلى انهيار أجهزة الكومبيوتر التي توجّه حركة السفن والناقلات والبضائع، وتسبب بتوقف العمل في المرفأ عدة أيام. وذكرت صحيفة إسرائيل ديفنس (15 أيار/مايو) أنه فيما يتعلق بإيران، ما جرى هو الهجوم السيبراني الثالث منذ كانون الأول /ديسمبر 2019، والذي أدى إلى وقف العمل في مرافئها. مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل ليست الوحيدة التي تُنسب إليها هجمات سيبرانية ضد إيران.
  • يمكن التقدير أن إسرائيل رأت في الهجوم على بنية مياه مدنية (وخصوصاً في حالة طوارىء وطنية بسبب الكورونا) حادثاً خطيراً لا يمكن السكوت عنه. وليس من المستبعد أن الهجوم المنسوب إلى إيران، الذي كشفته وسائل الإعلام، دفع المسؤولين الإسرائيليين إلى الرد. في جميع الأحوال، إسرائيل لم تُفاجأ استراتيجياً بالهجوم، وأيضاً لم تربط إيران بصورة علنية بالهجوم. في حزيران/يونيو 2019، قال رئيس جهاز السايبر القومي يغآل أونا إن "إيران ووكلاءها لا يزالون يشكلون تهديداً سيبرانياً مركزياً للشرق الأوسط. وإسرائيل مستعدة لمواجهة التهديدات السيبرانية، ولديها القدرة على الرد بقوة ضد الهجمات السيبرانية، وليس بالضرورة في المجال نفسه الذي هوجمت فيه." بحسب المعطيات التي عرضها، يعمل الإيرانيون بصورة دائمة ومنذ وقت طويل على مخطط هجومي واسع يشمل هجمات بهدف جمع معلومات استخباراتية، وهجمات هدفها التأثير في الوعي (مثل مهاجمة مواقع إسرائيلية)، وهجمات هدفها التسبب بضرر وتدمير منظومات (Ynet، 26 حزيران/يونيو 2019).
  • الهجوم على المرفأ الإيراني المنسوب إلى إسرائيل كان هدفه، على ما يبدو، نقل رسالة رادعة. ويعتمد هذا التقدير على تلميحات كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في وسائل الإعلام. وزير الدفاع نفتالي بينت صرّح في 18 أيار/مايو 2020، خلال حفل انتهاء مهماته: "االأخطبوط الإيراني يرسل أذرعته للالتفاف علينا من كل جهة[...] وزيادة الضغط السياسي والاقتصادي والعسكري والتكنولوجي، والعمل على صُعد أُخرى، هذا محتمل." رئيس الأركان أفيف كوخافي صرّح في 19 أيار/مايو 2020، أن الجيش "سيستمر في استخدام وسائل عسكرية متعددة وأساليب قتالية فريدة لمهاجمة العدو."
  • الحرب السيبرانية الإيرانية هي جزء من صراع استراتيجي تخوضه إيران على عدد من الجبهات في مواجهة أعدائها، وعلى رأسهم: الولايات المتحدة، وإسرائيل، والسعودية. بالنسبة إلى إيران، الهجمات السيبرانية ليست بديلاً من العمليات العسكرية، بل هي قدرة إضافية تضاف إليها. على سبيل المثال، نُسبت إلى إيران هجمات ذات نوعية مرتفعة نسبياً ضد شركة النفط السعودية أرامكو، قرّة عين ومصدر ثروة المملكة، التي تُعتبر أهم مزود للسوق العالمية بالنفط، وقد ساعدت  الولايات المتحدة على تجسير النقص في النفط الإيراني نتيجة العقوبات المفروضة على إيران. في كانون الأول/ديسمبر 2012، شنت إيران هجوماً سيبرانياً ضد "أرامكو" أدى إلى تضرر نحو 39 ألف جهاز كومبيوتر للشركة، وفي أيلول/سبتمبر 2019، فاجأت إيران العالم بهجوم عسكري دقيق على منشآت الشركة بواسطة مسيّرات وصواريخ بحرية. وفي الحالتين لم تعلن إيران مسؤوليتها.
  • في مواجهة إسرائيل، تشكل الهجمات السيبرانية جزءاً من الصراع المتعدد الجبهات بين الدولتين، والذي جرى التعبير عنه أيضاً بالدعوة إلى تدمير إسرائيل، والتمركز العسكري في سورية، وتأييد حزب الله وتنظيمات إسلامية فلسطينية، والسعي للحصول على سلاح نووي. الهجوم السيبراني ضد البنى التحتية للمياه في إسرائيل يدل على أن إيران لا تتردد في استخدام السلاح السيبراني ضد السكان المدنيين. سبب التوقيت المحدد للهجوم على منشآت المياه في إسرائيل غير معروف. من المحتمل أنه رد ملموس على هجمات عسكرية منسوبة إلى إسرائيل ضد أهداف إيرانية في سورية، أو أن المقصود هو هجوم إيراني من خلال استغلال الفرصة في إطار المعركة بين الحروب المستمرة، والتي تشمل أيضاً القتال السيبراني.
  • في الساحة السيبرانية، إيران متخلفة تكنولوجياً واقتصادياً مقارنة بإسرائيل، وبالتأكيد مقارنة بالولايات المتحدة حليفة إسرائيل. لكن في الحرب السيبرانية في مواجهة إيران، من المحتمل أن تتكبد إسرائيل أضراراً، وأن تتحمل بالتأكيد تكلفة إضافية للدفاع عن مجالها السيبراني، وخصوصاً أن اعتمادها على المجال الرقمي يزداد. على الرغم من أن إيران لم تنجح بعد في تكبيد إسرائيل أضراراً كبيرة في المجال السيبراني، فإننا يمكن أن نتوقع استمرار مساعيها وتطوير نوعية الهجمات، وكذلك أيضاً تطويرالردود الإسرائيلية.

 

 

المزيد ضمن العدد 3328