القول إن الانسحاب من لبنان هو "فرار" - منتهى الكذب
تاريخ المقال
المصدر
- نعود إلى مساء 22 أيار/مايو وإلى شاوول موفاز الذي فوجىء بسؤال إيهود باراك: هل في الإمكان إخراج الجيش الإسرائيلي هذه الليلة من لبنان. يتشاور مع غابي أشكنازي الذي يتشاور بدوره مع الضابطين الكبيرين في الميدان: العميد بني غانتس وموشيه كبلينسكي. وكانت توصيتهما: ليس الآن، لكن في ليلة 23-24 أيار/مايو. باراك يوافق ويطلب من موفاز المحافظة على السرية المطلقة. الأهمية العليا أُعطيت للخروج فجأة ومفاجأة حزب الله بصورة مطلقة، الذي كان يستعد لخروج الجيش الإسرائيلي في بداية حزيران/يونيو. كان هناك معلومات استخباراتية جيدة تقول إن الحزب يعد التحضيرات والخطط لأن يترافق الخروج بنيران شديدة وهجمات قاسية، بحيث يكون ذلك خروجاً خلال حرب حقيقية. على هذه الخلفية، يُصوّر الخروج كفرار تحت نيران حزب الله.
- رسمياً وعلنياً، أعلنت إسرائيل أنها ستخرج من لبنان قبيل منتصف تموز/يوليو؛ موفاز وجّه تعليماته إلى الجيش ليكون مستعداً للخروج حتى نهاية أيار/مايو. جرى إقرار خطة القيادة للخروج وبدأت بخطوات صغيرة وسرية لإخراج العتاد من لبنان منذ بداية أيار/مايو. في الإجمال كانت هذه خطة منهجية أُعدت جيداً من قبل قيادة المنطقة الشمالية، بدءاً من النصف الثاني من شباط/فبراير 2000. السرية التي هدفت إلى تحقيق مفاجأة للمحافظة على جنود الجيش الإسرائيلي جرت المحافظة عليها بدقة في رئاسة الأركان والقيادة إلى حد أن ضباطاً في هيئة الأركان العامة، بما في ذلك رؤساء الاستخبارات العسكرية لم يكن لديهم علم بموعد الخروج، وكذلك وزراء المجلس الوزاري المصغر. في 23 أيار/مايو وصل باراك وموفاز ليلاً إلى القيادة الشمالية وأعلنا من هناك مع أشكنازي أن الخروج الكامل سيبدأ الآن. المفاجأة سيطرت على الجميع. في الساعة 6.48 دقيقة تلقى أشكنازي تقريراً عن خروج آخر جندي من لبنان من دون وقوع أي إصابات.
- صحيح أن عتاداً بقي لم يتمكنوا من تدميره - نتيجة المفاجأة- لكن طوال سنوات كان هناك حديث عن "فرار"، وهذا مجرد تفاهمات ناجمة عن جهل وخبث ومصدرها في رأيي ثلاثة أسباب: الأول، مفاجأة عناصر وسائل الإعلام. لم يجر تسريب أي شيء لهم، ولم يشركهم باراك في سر الخروج. لذلك حقدوا عليه وبدأوا بمهاجمته بـ"الفرار". ثانياً، اليسار أضاف في وقت متأخر الخروج إلى "أخطاء" باراك الذي كشف علناً في كامب ديفيد "عدم وجود شريك فلسطيني". ثالثاً، اليمين أراد البقاء في لبنان وحمّل الخروج مسؤولية كل المصائب التي حدثت في رأيه منذ ذلك الوقت حتى اليوم في دولة إسرائيل. رابعاً، تأثر الجمهور الإسرائيلي بمنظر تدفق عناصر جيش لبنان الجنوبي وعائلاتهم إلى بوابات السياج الحدودي، وكل الذين تعاونوا مع إسرائيل.
- بالتأكيد الخروج من لبنان كان مأساة بالنسبة إلى جيش لبنان الجنوبي. المفاجأة نزلت عليهم كالصاعقة. بعد 25 عاماً من التعاون والولاء والوعود تخلى الجيش الإسرائيلي عنهم. بالنسبة إلى جمهور جيش لبنان الجنوبي كان هذا "فراراً"، حزب الله تفاجأ تماماً، لكن بالنسبة إليه خروجنا هو إنجاز ومن الطبيعي أن يصوره كـ"فرار".
- في الوقت عينه، الخروج حصل على اعتراف وشرعية دولية. الحدود مع لبنان، والخط الأزرق والخرائط حصلت على شرعية؛ وحزب الله احترمهما حتى 12 تموز/يوليو 2006، عندما تحرك على الحدود اللبنانية وأعلن لاحقاً أسفه، وتسبب بحرب لبنان الثانية. نقاش آخر هو المتعلق بالحدود الشرقية مع لبنان (هار دوف والمنطقة اللبنانية المسماة مزارع شبعا) هناك لم يعترف حزب الله والحكومة اللبنانية بشرعية الحدود، لكن هذه حكاية أُخرى.