الفلسطينيون حيال نية الضم الإسرائيلي في الضفة الغربية: محاولات تحذير ودعوات إلى المساعدة
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • أعلن محمود عباس في 17 أيار/مايو باسم القيادة الفلسطينية "أنها أصبحت في حل من جميع الاتفاقات والتفاهمات والالتزامات المترتبة عليها، بما فيها الالتزامات الأمنية الموقعة "بينها وبين حكومتي إسرائيل والولايات المتحدة"، وأضاف: "على سلطات الاحتلال ابتداء من الآن أن تتحمل المسؤولية أمام المجتمع الدولي كقوة احتلال في أرض دولة فلسطين" وأن تقوم بالالتزامات التي يفرضها القانون الدولي على قوة كهذه. ويحمّل الإعلان الولايات المتحدة مسؤولية الوضع الناشىء بسبب "مشاركتها" في خطوات إسرائيل، ويدعو دول العالم إلى الاعتراف بدولة فلسطين والوقوف ضد الضم ومعاقبة إسرائيل، ويكرر التشديد على أن منظمة التحرير هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني. وتضمن الإعلان توضيحاً بأن السلطة تتمسك بالقرارات الدولية والإقليمية وحل الدولتين، وهي مستعدة للتفاوض برعاية دولية واسعة، وكررت التزامها العمل ضد الإرهاب الدولي مهما كان.
  • جرى هذا الإعلان بعد أسابيع كثيرة سُمعت خلالها في الساحة الفلسطينية انتقادات قاسية ومستخفّة بالسلطة الفلسطينية وبضعفها وهشاشتها، وعدم قدرتها أو عدم شجاعتها على تنفيذ القرارات التي اتُخذت في السنوات الأخيرة، والمتعلقة بقطع العلاقات مع إسرائيل.
  • طوال سنوات نجح عباس في مواجهة انتقادات كهذه، لكن ما دفعه هذه المرة إلى إصدار إعلانه الحاد هو الكلام الذي قيل في الكنيست في إسرائيل خلال أداء الحكومة الجديدة القسم في 17 أيار/مايو. فقد كرر رئيس حكومة إسرائيل إعلان نيته فرض السيادة على مناطق في الضفة الغربية (على الرغم من أن الضم لم تتضمنه الخطوط الأساسية للحكومة). وفي الواقع، فإن جزءاً من المنطقة المريحة التي أوجدتها المرحلة الموقتة في اتفاق أوسلو بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية كان الامتناع الإسرائيلي من إضفاء طابع رسمي لسيطرة دولة إسرائيل في الضفة الغربية، وخصوصاً في مناطق المستوطنات وغور الأردن. لكن هذه المرة، عندما تعلن دولة إسرائيل نيتها فرض سيادتها على أجزاء من الضفة الغربية من خلال اعتمادها على السماح لها بفعل ذلك كما ورد في "خطة ترامب"، لم يعد أمام عباس سوى الإدلاء بهذا التصريح التهديدي، محاولاً ألّا يخسر أهميته، سواء في الساحة الداخلية أم في الساحة الدولية. بالنسبة إلى عباس وإلى قيادة منظمة التحرير التي أجرت في سنة 1988 التغيير في تحديد الأهداف الوطنية الفلسطينية – من المطالبة بدولة مكان إسرائيل إلى دولة إلى جانب إسرائيل- لا أهمية لحجم الضم. بالنسبة إليهم إسرائيل تريد تغيير قواعد اللعبة بواسطة خطوات أحادية الجانب، من شأنها التأثير في طابع الحل الدائم، وتعميق الضعف الفلسطيني. مصدر آخر للقلق بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، هو أن التقدم في اتجاه الضم سيعطي قوة أكبر لاستراتيجيا الكفاح المباشر التي تلتزم بها "حماس" التي تسعى إلى الاعتراف بها كبديل من السلطة الفلسطينية.
  • عملياً، ليس واضحاً ما سيكون نطاق ونفاذ تصريحات عباس العلنية. يدّعي صائب عريقات أن القرارات دخلت في حيز التنفيذ فوراً، بما فيها وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل والولايات المتحدة، لكنه قال لصحافيين إسرائيليين إن المقصود ليس إعطاء ضوء أخضر للقيام بهجمات ضد إسرائيل، وإن مثل هذه المحاولات ستواجَه بمقاومة من جانب القوى الأمنية الفلسطينية. في الوقت عينه قالت مصادر أمنية فلسطينية لصحافيين إسرائيليين إن الاجتماعات المشتركة توقفت وكذلك استخدام الخط الأحمر بين القادة على الأرض، وإن قوات فلسطينية يجري إخراجها من المنطقة ب، حيث هي موجودة بالتنسيق مع إسرائيل، لكن أيضاً ما يجري حتى الآن ليس حل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية أو وجود نيّة لحلّها أو استقالة الوزراء الفلسطينيين من مناصبهم في الحكومة. وذلك بخلاف الدعوات التي وجهها محللون سياسيون فلسطينيون إلى القيادة للانتقال إلى الجزائر أو إعلان حل السلطة، ونقل المسؤولية عن المنطقة أ إلى إسرائيل، مع بقاء منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للفلسطينيين.
  • مع ذلك، يبدو أن الرد الفلسطيني على الإعلان بشأن نية الضم حتى الآن ينطوي على إمكان أكبر للتنفيذ من التهديدات بإلغاء الاتفاقات وقطع العلاقة مع إسرائيل التي سُمعت من ناطقين بلسان السلطة الفلسطينية في السنوات الأخيرة. مع ذلك، فإن السلطة الفلسطينية لم تحرق كل الجسور، وهي تريد أن تمنح المنظومتين الدولية والإقليمية مجالاً للعمل، على الأقل حتى 1 تموز/يوليو، الموعد الذي حددته حتى الآن الحكومة الإسرائيلية للدفع قدماً بخطوة الضم. المقصود هو تحذير من التداعيات السلبية التي ستترتب على الضم، على أمل ردع إسرائيل عن القيام به. دليل آخر يمكن أن نلمسه بشأن تجنب الانسحاب الكامل من الاتفاقات، هو توجه عباس إلى حكومتي إسرائيل والولايات المتحدة وليس إلى الاتحاد الأوروبي الذي وقّع أيضاً على الاتفاقات التي جرت بلورتها على امتداد سنوات، وكذلك الصيغة المعتدلة نسبياً للإعلان التي جاء فيها أن السلطة الفلسطينية "ترى نفسها في حل" من الاتفاقات وليس الانسحاب منها. وفي الواقع، فإن التمسك بهذه الاتفاقات هو الأساس الذي تعتمد عليه الاستراتيجيا التي تفرق بين منظمة التحرير/السلطة الفلسطينية وبين "حماس". زعزعة هذا الأساس يمكن أن يفسر في الساحة الفلسطينية كدليل آخر على فشل السلطة، وربما يؤدي أيضاً إلى الدفع قدماً بعملية مصالحة داخلية بين "فتح" و"حماس"، والتي لا تزال فرص تحقيقها ضئيلة.
  • بالنسبة إلى إسرائيل، يجب فحص ما إذا كانت نية الضم تعبّر عن مصلحة قومية يوجد إجماع حولها، ويمكن أن تحسّن الواقع الأمني في الساحة والصراع بصورة عامة، وبصورة خاصة في المنطقة التي سيصار إلى ضمها، أم أنها يمكن أن تعمق الانقسامات والشروخ القائمة في المجتمع الإسرائيلي، على الرغم من تأييد أجزاء من الجمهور لهذه النية. الضم المطروح على جدول الأعمال لم يقدم إلى المؤسسة الأمنية كمهمة تتطلب طاقم عمل، ولم يجر نقاش عام كما يليق بخطوات سياسية وأمنية ذات أهمية كبيرة، مثل النقاش الذي جرى قبل الانفصال عن قطاع غزة. ناهيك عن أن مدار الحديث لا يجري في سياق تهديد محسوس يحوم فوق المستوطنات أو يهدد حرية عمل الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية من جانب السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية. هل يصح اختبار محمود عباس، واختبار استعداد الأجهزة الأمنية الفلسطينية للتمرد على إرادته، أو جعله وجعل أجهزته الأمنية موضوع سخرية في نظر أبناء شعبه.
  • الأمر المهم الآن هو التخفيف من حماسة التصريحات في إسرائيل بشأن نية الضم والبحث بهدوء في مجمل التداعيات المتوقعة التي تنطوي عليها هذه الخطوة على ساحة النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني وأيضاً على الساحة الإقليمية. العاهل الأردني الملك عبد الله ورئيس حكومته عمر الرزاز أوضحا أن الضم يمكن أن يؤدي إلى مواجهة بين الأردن وإسرائيل. مصر أيضاً تستعد لمواجهة إمكان أن تسعى "حماس" وفصائل فلسطينية أُخرى من خلال استئناف إطلاق النار في قطاع غزة رداً على الضم لأن تثبت لأبو مازن ما هو "السبيل الصحيح" لاستخدام الضغط على إسرائيل. لهذا السبب، وأيضاً لأن جميع الأطراف المؤثرة في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، وبينها الإدارة الأميركية، ليسوا معنيين بانهيارالسلطة الفلسطينية وتفككها، وحدوث تصعيد في ساحة النزاع، وتوتير العلاقات بين إسرائيل وجيرانها في الشرق الأوسط، والقضاء على العملية السياسية، يجب تزويد طاقم العمل في إسرائيل في هذا الإطار بمعطيات وتقديرات تساعد على إجراء نقاش مفيد. كما يجب تشجيع إجراء نقاش عام لهذا الموضوع الذي من المتوقع أن تكون له تداعيات أمنية واجتماعية شديدة الأهمية، سواء في المدى القصير أو في المدى الطويل.