بايدن وضع خطاً أحمر لنتنياهو وأوضح أن الضم لن يمر بهدوء
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • جو بايدن الذي سيصبح المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة إذا لم يحدث خلل غير متوقع، قدّم هذا الأسبوع نموذجاً لكيفية إمكان أن تتهاوى أمور متوقعة بصورة أكيدة كعاصفة رعدية في يوم صاف. تصريحه هذا الأسبوع ضد نوايا بنيامين نتنياهو بشأن الضم ينسجم مع موقف الحزب الديمقراطي، ويُظهر وجهة نظر بلده التقليدية حتى كانون الثاني/يناير 2017، تاريخ تسلُّم دونالد ترامب منصبه.
  • لهجة بايدن الحادة في الحوار مع متبرعين يهود يمكن أن تكون بمثابة جرس إنذار للنقاش المتعب حتى الآن بشأن التداعيات المتوقعة لخطط الضم، بغض النظر عن نوعها - فقط غور الأردن، ليس الغور فقط، مستوطنة واحدة أو مستوطنتان، وكل ما بينهما. بعكس الشعور بالسعادة القصوى الذي يشيعه مؤيدو نتنياهو، لن يكون الضم نسخة مكررة عن انتقال السفارة، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية في هضبة الجولان، وأيضاً التخلي عن اتفاق السلام مع إيران وتداعياته على ساحات أُخرى.
  • ضم مناطق في الضفة الغربية هو حدث من حجم أكبر تماماً. هذه المرة لن ينتهي بالتغامز بين نتنياهو وترامب، ولن ينتهي باحتجاجات ضعيفة، لأن العالم مشغول بأمور أُخرى. لقد أوضح بايدن فعلاً أنه لن يقلص المساعدة لإسرائيل حتى لو قامت بالضم، لكن التوضيح بحد ذاته يعبّر عمّا يريده.
  • يُعتبر الضم القضاء على حل الدولتين، واستفزازاً يمكن أن يؤدي إلى العنف وانهيار السلطة الفلسطينية، وعبوة ناسفة للسلام مع الأردن، وتحدياً للاتحاد الأوروبي. تصريح بايدن يوضح أن إسرائيل تغامر أيضاً على صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة. وهذه الأمور صحيحة أضعاف الأضعاف، ليس فقط لأن الضم سيأتي في ذروة المعركة الانتخابية الأميركية، بل لأنه يشكل جزءاً لا يتجزأ منها. "الخطر"، بحسب كلام منسوب إلى السفير رون دريمر، هو أن يُنتخب بايدن.
  • كلام بايدن لا يشكل فقط تحذيراً بشأن توجهه المستقبلي، بل الغرض منه أيضاً تحذير نتنياهو - وبصورة لا تقل عن ذلك بني غانتس وغابي أشكنازي - من الضرر الذي يمكن أن يحدث لإسرائيل هنا والآن. بايدن وضع خطاً أحمر: في نظر الديمقراطيين، الضم سيُنظر إليه كمحاولة خادعة من نتنياهو لاستغلال ما يمكن أن يكون الأشهر الأخيرة لترامب في منصبه. تماهي إسرائيل مع أكثر رئيس مكروه في التاريخ لن يُنسى أبداً.
  • لا يزال بايدن يتذكر الاستفزاز العلني الذي تعرض له بواسطة وزير الداخلية إيلي يشاي، في آذار/مارس 2010، عندما استغل نتنياهو زيارته إلى إسرائيل لإعلان بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية. بنظرة إلى الوراء، كانت الحادثة مقدمة لسنوات من التوتر والمواجهات بين نتنياهو وإدارة أوباما كلها.
  • على الرغم من ذلك، في ظروف مختلفة، ربما كان من المحتمل أن ينتهج بايدن خطاً معتدلاً أكثر، بالتأكيد في أثناء ظهوره أمام متبرعين يهود يزعجهم، بحسب الشريط الذي صوّر الحدث، العداء للسامية في الولايات المتحدة وحركة الـBDS أكثر من مصير الغور وكتل المستوطنات. لكن حزب بايدن الديمقراطي ينزاح بثبات وحسم نحو اليسار، أولاً، بسبب معارضته لترامب وسياساته، وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي نشأت نتيجة وباء الكورونا.
  • علاوة على ذلك: نائب الرئيس السابق يقوم حالياً بمغازلة خائبي الأمل والغاضبين من أنصار خصمه بيرني ساندرز من الجناح اليساري للحزب، وهؤلاء أقل ما يمكن القول عنهم إنهم ليسوا من مؤيدي المستوطنات، وليسوا من مؤيدي نتنياهو، وجزء منهم لا يؤيد إسرائيل نفسها. من المحتمل أن تكون هذه مهمة مستحيلة: ثمة شك في أن يستطيع بايدن الذي وراءه رقم قياسي من عشرات سنوات التأييد المستمر لإسرائيل استرضاء الراديكاليين الديمقراطيين على الأقل في هذا الموضوع. رد العديد منهم بغضب على البرنامج اليهودي - الإسرائيلي الذي نشره بايدن بعد ظهوره، والذي أنّب فيه الفلسطينيين وتباهى بتأييده لإسرائيل، واكتفى بدعوة عامة ضد "خطوات أحادية الطرف". في نظر اليسار الراديكالي، بايدن هو "ديمقراطي أيباك"، بكلام آخر، متعاون مع الاحتلال.
  • إسرائيل لم تكن أبداً على رأس جدول أولويات الناخب اليهودي - الأميركي، فكم بالأحرى عندما يكون الرئيس الحالي يثير معارضة واسعة وسط اليهود الأميركيين ويُعتبر خطراً حقيقياً على ازدهارهم وأمنهم. في المقابل، لدى بايدن ماض غني ورقم قياسي في تأييد إسرائيل. هو يعكس بصدق مواقف يهود أميركا في معظم الموضوعات المطروحة على جدول الأعمال، بما فيها الهجرة، وسلطة القانون، وحرية التعبير، والفصل بين الدين والدولة. الانطباع الذي نخرج به من شريط ظهوره أمام اليهود، أن بايدن يفهم يهود أميركا، ويشعر معهم بالراحة، ويتحدث بلغتهم، وبصورة كبيرة يشاطرهم مخاوفهم وقلقهم.
  • نال ترامب 24% من أصوات اليهود في الانتخابات الماضية: ثمة شك في أن ينال أكثر في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. تأييده القاطع لإسرائيل لا يوازي في نظر اليهود الأضرار الخطيرة التي تسبب بها للولايات المتحدة داخلياً - بعد معالجته الفاشلة لوباء الكورونا - وما يعتبرونه عداء له حيال يهود أميركا أنفسهم. السيناريو الأسوأ بالنسبة إليهم أن يمنحوا بايدن أصواتهم بكثافة، كعادتهم، ولكن يفوز ترامب وينتقم منهم.
  • حتى الآن، استطلاعات الرأي تدل على شيء مختلف. التوجه، خصوصاً في الأسابيع الأخيرة التي ازدادت فيها حدة سلوك ترامب وتصرفاته في ضوء الانتقادات التي وُجهت إليه في موضوع معالجته الوباء، هي قاطعة على الرغم من استثناءات هنا وهناك. استطلاع شركة رسموسان التي تميل لصالح ترامب، أظهر هذا الأسبوع تقدّم بايدن بخمسة في المئة على المستوى القُطري. استطلاع شركة أُخرى هي كوينيبياك [Quinnipiac] الذي أجراه خبراء، أظهر تقدم بايدن بنحو 11%. في ولاية جورجيا التي لم يصوت فيها أحد لمصلحة ديمقراطي منذ جون كيندي - تقدّم بايدن على ترامب بـ1%.
  • لكن حتى يحين موعد الانتخابات، أمور كثيرة يمكن أن تحدث في واشنطن. إلى حد بعيد، بايدن هو بني غانتس في المعركة الانتخابية الأميركية: قوته في أنه "ليس ترامب"، لكن هذا ليس بالضرورة كافياً. ديمقراطيون كثيرون يتخوفون من تعرّض بايدن الذي يبلغ الـ78 من العمر لعثرة مميتة في لحظة حرجة، الأمر الذي يحوّل اختياره لمن اختارها كمرشحة لنائب الرئيس إلى مصيري أكثر من العادة. يجب ألّا ننسى أنه يقف في مواجهة أحد أكثر السياسيين حدة وشراسة في تاريخ الولايات المتحدة، خبير في تشويه السمعة، وبطل في التضليل، وخبير عالمي في الحيل القذرة، ولن يتوانى عن القيام بأي عمل لإيذاء خصمه.
  • على الرغم من ذلك، الموقف الذي يتخذه بايدن يجب أن يفرض على حكومة إسرائيلية عقلانية أن تحسب جيداً خطواتها وتفكر في الفائدة الرمزية والوطنية التي ستجنيها من الضم في مقابل الضرر الذي يمكن أن يسببه للعلاقات مع الرئيس الأميركي المقبل. لكن بسبب الواقع المصلحي، وبسبب حقيقة أن نتنياهو مدين لترامب وليس لديه خيار سوى أن يرد له الدين، من المعقول الافتراض أن ما سيحدث هو العكس.