عملية الضم - تحدٍّ مركزي للأمن القومي لإسرائيل
تاريخ المقال
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي
من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.
- الاحتفال بذكرى إقامة دولة إسرائيل هو احتفال بإنجازات مذهلة في عدد واسع من المجالات. لهذا تحديداً، من المقلق جداً تنفيذ خطة ضم مناطق في الضفة الغربية، وعلى رأسها غور الأردن. ذلك بسبب التداعيات الاستراتيجية البعيدة المدى على أمن إسرائيل واقتصادها وهويتها المستقبلية.
- تركز هذه الوثيقة على عدد من نواحي الأمن القومي وتقدم توصياتها بسياسات.
زعزعة استقرار الحدود الشرقية لإسرائيل
- تمتاز حدود إسرائيل الشرقية باستقرار كبير وهدوء ومستوى منخفض جداً من الإرهاب، بخلاف الماضي، عندما كنا في مواجهة جبهة شرقية معادية عشرات السنوات. يعتمد الاستقرار على ثلاث ركائز: قدرة الجيش الإسرائيلي والاستخبارات، استقرار المملكة الهاشمية، والتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية.
- تنفيذ خطة الضم يمكن أن يؤدي إلى هزة عميقة لعلاقاتنا الاستراتيجية مع الأردن والسلطة الفلسطينية، لماذا؟ بالنسبة إلى النظام الهاشمي، الضم هو كلمة مرادفة لفكرة الوطن الفلسطيني البديل، أي دمار المملكة الهاشمية من أجل قيام دولة فلسطينية، وفي نظر الأردن، مثل هذه الخطوة هي انتهاك جوهري لاتفاق السلام بين الدولتين. في مثل هذه الظروف، يمكن أن يؤذي الأردن اتفاق السلام. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن ينشأ تهديد استراتيجي لاستقرار الأردن الداخلي، بسبب هيجان فلسطيني محتمل، بالتزامن مع الضائقة الاقتصادية القاسية التي يعانيها الأردن.
- لا يوجد بديل من الأردن كمكوّن حاسم في أمن إسرائيل، التعاون الأمني مع الأردن يحفظ الهدوء والأمن على طول أكبر حدود لإسرائيل، ويقدم لها عمقاً استراتيجياً يشمل أيضاً إيران.
التفكك التدريجي للسلطة الفلسطينية
- مع عدم وجود أفق سياسي، ستجد السلطة الفلسطينية نفسها أمام حائط مسدود. الضم سيغلق الباب أمام حل الدولتين - فكرة من دونها لا حق للسلطة في الوجود. عملياً، السلطة سترفض أن تتحول إلى أداة لسيطرة إسرائيل على السكان الفلسطينيين. وفي غياب أفق سياسي، سيتقلص أساس شرعيتها (في الخلفية العلاقة الملبدة بين الجمهور الفلسطيني والحكم في رام الله)، والضائقة الاقتصادية وعدم اليقين المزمن المتفاقمان بصورة دراماتيكية في فترة الكورونا، سيزدادان.
- نجاعة التعاون الأمني مع إسرائيل ستتدهور وستضعف، وما الذي سيحل محله؟ الجيش الإسرائيلي! الذي سيضطر إلى توظيف قوات كبيرة في مواجهة الاضطرابات وأعمال الشغب، ومن أجل دعم المنظومة الفلسطينية. إذا اختفت السلطة الفلسطينية، سيكون عبء الاحتلال العسكري المباشر كبيراً بالمقاييس العسكرية والاقتصادية والسياسية. وفي المقابل، ستتعزز قوة "حماس" ومكانتها وإيران وأشباهها، والذين رفضوا طوال سنوات العملية السياسية، وادّعوا أن الخيار الوحيد ضد إسرائيل هو سبيل العنف والإرهاب.
- والمقصود تهديد استراتيجي خطير ومتعدد الأبعاد بالنسبة إلى إسرائيل. لأن تحميل المسؤولية للجيش الإسرائيلي ستأتي حتماً على حساب قدرات المواجهة مع التهديدات الاستراتيجية من جهة إيران وحلفائها. وسيكون لذلك تأثير سيء على جهوزية الجيش الإسرائيلي للحرب. ومن المتوقع أيضاً أن يلحق ضرر كبير بالمساعدة الدولية التي ستتضاءل وقد تتوقف.
- يجب التشديد على أنه حتى الوقت الراهن، وعلى خلفية الضرر اللاحق في المجال الاقتصادي في الضفة الغربية في ظل أزمة الكورونا، يبرز في الساحة الفلسطينية مكوّن شكّل حتى الآن كابحاً مركزياً لتطور موجة عنف واسعة النطاق في المنطقة. الدفع قدماً بعملية ضم، حتى لو كانت رمزية وجزئية، يمكن أن تشكل "الشرارة" التي ستجرف الجمهور الفلسطيني بحجم أكبر من الماضي إلى صراع عنيف، وستوحد بين السلطة والمجتمع، وهذا غير موجود حالياً.
- تداعيات لا تقل خطورة متوقعة أيضاً من الناحية النظرية والفكرية من الصعب توصيف تجلياتها العملانية الملموسة. من المتوقع أن يؤدي تفكك السلطة وتوسيع السيطرة الإسرائيلية إلى تعاظم فكرة الدولة الواحدة التي تجد اليوم انتشاراً متزايداً في الساحة الفلسطينية. أغلبية الجمهور الفلسطيني الذي يرغب في عدم المس بنوعية حياته، تفضل المطالبة بالمساواة في الحقوق المدنية - من بين أمور أُخرى، بسبب توقّع نضج مسارات ديموغرافية في العقود القادمة تقلص من الأكثرية اليهودية بين النهر والبحر.
خطة الضم واستقرار السلام الإقليمي
- في أساس خطة الضم يوجد التقدير القائل إنه من الممكن توسيع السلام أيضاً في ظروف الضم. هذا وهم!! زعماء الدول العربية وعلى رأسهم مصر لن يتخلوا عن الفلسطينيين. قبل كل شيء، لاعتبارات تتعلق بتهديد الاستقرار الداخلي لديهم، وخصوصاً الآن على خلفية أزمة الكورونا وضعف مكانة الولايات المتحدة، وذلك على الرغم من التقاء المصالح بينهم وبين إسرائيل. في ظل هذه الشروط، من المتوقع العودة إلى منبر الجامعة العربية التي ستقف ضد توسيع السلام مع إسرائيل.
- يجب التشديد مجدداً على وجود خطر لزعزعة اتفاقات السلام بين إسرائيل ومصر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تعرقل هذه الخطوة توثيق العلاقات مع دول الخليج، في ظل أزمة اقتصادية متصاعدة جراء الكورونا (وخصوصاً في أعقاب الهبوط الحاد في أسعار النفط)، وستُظهر هذه الدول حساسية أكبر من الماضي من حدوث تمرد داخلي، وستتخوف من القيام بخطوات يمكن أن تؤدي إلى انعدام الهدوء الداخلي، وعلى رأسها تطوير العلاقات مع إسرائيل.
موقف إسرائيل الدولي
- إن موقف إسرائيل وصورتها كالدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، يمكن أن يتضررا في الاتحاد الأوروبي، وفي الدول الأوروبية المؤثرة.
- في المدى الأبعد، مطالبة الجمهور الفلسطيني بالمساواة في الحقوق المدنية، من المتوقع أن تجد أصداء كبيرة حتى في الولايات المتحدة، القائم حمضها النووي DNA على مبدأ "إنسان واحد صوت واحد". في مثل هذه الظروف، وبالتأكيد سيناريو تغير الحكم في الولايات المتحدة، من المتوقع أن يعمق الضرر اللاحق بمكانة إسرائيل كموضوع إجماع لدى الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة.
- في الساحة الدولية، من المتوقع تصاعُد نشاطات حركة الـBDS، وأن يزداد أكثر التوجه نحو محكمة العدل الدولية لمناقشة نشاطات إسرائيل في المناطق. بصورة يمكن أن تعرّض جنود الجيش الإسرائيلي ومدنيين لأوامر بالاعتقال، ولملاحقات قضائية في الخارج.
- في جميع الأحوال، لا مجال للاعتماد على الافتراض القائل إن أزمة الكورونا أدت إلى تركيز المجتمع الدولي، على مشكلات داخلية، وخصوصاً في الغرب، وأنه لا وقت لديه لمعالجة خطوات تدفع إسرائيل بها قدماً إزاء الساحة الفلسطينية. أغلبية الدول في الغرب هي الآن في مسار للخروج من أزمة الكورونا، والذي سيترافق تدريجياً مع زيادة التدخل في المجال الإسرائيلي - الفلسطيني، خوفاً من تداعيات خطوات أحادية الجانب على الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط.
الساحة الداخلية في إسرائيل
- عملية ضم جزئي أو كامل، لا سمح الله، سيكون لها انعكاسات خطيرة على الساحة السياسية العامة في إسرائيل، وهي الآن في وضع حساس على خلفية التوتر السياسي المستمر وتداعيات أزمة الكورونا.
- هذه الخطوة سيكون لها أيضاً انعكاس على المجتمع العربي في إسرائيل الذي يعاني خيبة توقعاته حيال قيام حكومة وحدة تمنع الأمل الذي برز بشأن تأثير واندماج أكبر من الماضي للجمهور العربي في عملية اتخاذ القرارات السياسية في البلد. على هذه الخلفية المضافة إلى التوتر الاجتماعي والاقتصادي المتزايد في ظل أزمة الكورونا، يمكن أن تتطور ردود حادة من جانب الجمهور العربي، بما في ذلك انفجار العنف.
توصيات
- يتعين على إسرائيل أن تقر بأن الضم من طرف واحد هو تهديد استراتيجي لمستقبلها وأمنها وطابعها كدولة يهودية وديمقراطية في الشرق الأوسط. ينتج من ذلك أن على إسرائيل أن تتبنى سياسة محدثة تمتنع فيها من تطبيق خطة الضم. فكم بالأحرى في ذروة أزمة الكورونا غير المسبوقة التي تهدد اقتصادها وأمنها ومناعتها القومية.
- يتعين على إسرائيل أن تبلور فوراً خطة مساعدة شاملة أمنية واقتصادية وسياسية (من خلال مساعدة خارجية)، من أجل تعزيز الحدود الأمنية الشرقية لإسرائيل. ومن المهم أن نوضح لملك الأردن أن خطة الوطن البديل، ليست مطروحة.
- من المهم أن تقوي إسرائيل السلطة الفلسطينية كجزء من جهودها الناجحة للقضاء على الإرهاب ومنع صعود قوة متطرفة.