من أجل الثورة، إيران تُبدي ليونة في الطريق إلى الاتفاق النووي
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • هذه المرة، أكثر من قبل، يوجد احتمال أن نصل إلى خط النهاية في محادثات فيينا"، غرّد المبعوث الروسي إلى المحادثات النووية ميخائيل أوليانوف على حسابه في "تويتر". مضيفاً أن "القرار النهائي يتعلق بالرد الأميركي على الاقتراحات الإيرانية المنطقية."
  • أوليانوف كان متفائلاً دائماً. فمنذ بداية العام قدّر أنه من الممكن أن يتم توقيع الاتفاق في شباط/فبراير؛ ومنذ ذلك الوقت، مرّ نصف عام، وفي الاجمال مرّ عام منذ استئناف المحادثات، لكن هذا الوقت أيضاً ليس دقيقاً. المحادثات تجددت في نيسان/أبريل 2021، عندما كان حسن روحاني لا يزال رئيساً لإيران، وكان مرّ على وجود الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض أربعة أشهر. المحادثات تجمدت بسبب الانتخابات الإيرانية في حزيران/يونيو، وتجددت بعدها بشهرين، في أعقاب تولّي إبراهيم رئيسي الرئاسة رسمياً. هل حان الوقت للوصول إلى خط النهاية في هذه المفاوضات؟ "بقي بعض المواضيع التي تحتاج إلى صياغة"، قال متحدثون أميركيون، بعد أن تم حلّ القضايا الجوهرية.
  • حاولت الاقتراحات الأوروبية، التي قُدمت لإيران في 8 آب/أغسطس، التغلب على "مشاكل الصياغة"، وردّت إيران عليها يوم الاثنين، قبل وقت قصير من منتصف الليل، في رسالة إلكترونية أرسلها وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان إلى جوزيف بوريل، المسؤول عن الملف في الاتحاد الأوروبي. أما عن ماهية الاقتراح الأوروبي الذي تم تنسيقه مع الأميركيين والرد الإيراني، فيمكن معرفة القليل بصورة عامة، فقط من خلال التسريبات في وسائل الإعلام والمحادثات مع الدبلوماسيين. ويمكن الاستنتاج أنه يوجد اتفاق على الأمور التقنية والجوهرية منذ نصف عام، وهي تشمل تجميد تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67% (كما ينص الاتفاق النووي الأصلي منذ سنة 2015)، ونقل فائض اليورانيوم المخصّب إلى خارج إيران، وإعادة الرقابة الكاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقليص عدد أجهزة الطرد المركزي الفعالة وإيقاف عمل تلك التي فُعِّلت خلال خرق الاتفاق، بالإضافة إلى إزالة العقوبات الأميركية التي تم فرضها على إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في سنة 2018.
  • الحوارات والخلافات التي أجّلت التوقيع تركزت في ثلاث قضايا إشكالية: إزالة الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية؛ ضمانات بأن الولايات المتحدة لن تخرج من الاتفاق بعد نهاية ولاية الرئيس بايدن، بغض النظر عن شخص الرئيس المقبل؛ بالإضافة إلى إغلاق ملف التحقيق في المواقع التي تم إيجاد بقايا يورانيوم مخصّب فيها، وغير معرّفة بأنها مواقع نووية، لذلك، فإنها لم تكن تحت المراقبة.
  • الرد على المطالب الإيرانية الثلاث كان سلبياً. الرئيس بايدن أعلن قراره أنه لن يزيل الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب؛ وأوضح أنه لا يملك الصلاحية القانونية للحديث باسم إدارات مستقبلية لضمان عدم انسحابها من الاتفاق، وليس لديه النية لترك قضايا المواقع النووية التي لم يتم الإعلان بشأنها.
  • تمت إضافة بعض الليونة على الإجابات الأميركية، وهو ما خلق هامش عمل، تم بناء المعادلة الأوروبية استناداً إليه. فبحسب المعلومات الواردة، وافقت الولايات المتحدة على رفع العقوبات عن بعض الشركات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، من دون إزالة الحرس الثوري ذاته عن قائمة الإرهاب. إن كانت هذه الأخبار صحيحة، فمعناها أن للحرس الثوري، الذي يسيطر على ما يزيد عن نصف السوق الإيرانية، إمكانية وصول مباشرة إلى صفقات ومشاريع سيتم تنفيذها في إيران، بعد إزالة العقوبات. بالنسبة إلى إيران، هذا تنازُل مهم، من شأنه تقليل انتقادات الحرس الثوري الذي كان يخاف من فقدان سيطرته وأوراق القوة الخاصة اقتصادياً.
  • بخصوص المواقع النووية التي لم يتم الإعلان بشأنها وملف التحقيقات المتعلق بها، يبدو أن إدارة بايدن جاهزة للتوصل إلى تسوية تقضي بتوصل إيران إلى اتفاق منفرد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بخصوص التحقيق في هذه المواقع، وإذا أعلنت الوكالة أنها وصلت إلى اتفاق يرضيها، فستشجع الإدارة الأميركية مجلس إدارة الوكالة على إغلاق الملف، وبذلك تتم إزالة العائق الذي منع التوقيع حتى اليوم.
  • القضية الأصعب تتعلق بالضمانات التي تطلبها إيران من الولايات المتحدة بشأن عدم انسحابها من الاتفاق. بايدن موافق على الالتزام خطياً بأن الولايات المتحدة لن تنسحب من الاتفاق خلال فترة ولايته، وفي حال قرر الانسحاب لأي سبب كان، فلن يتم فرض عقوبات على الشركات التي بدأت بالعمل في إيران لمدة عام. إيران تطلب أكثر من ذلك، وخصوصاً أن هذا الالتزام يتعلق بفترة ولاية بايدن فقط، التي خلالها تعتقد إيران أن الولايات المتحدة ستلتزم بالاتفاق. بشأن هذا البند، يحاول ممثلو الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى، مع الصين وروسيا، الوصول إلى صيغة جديدة ترضي إيران.
  • إيران قلقة، وبحق، من أنه نظراً إلى عدم وجود ضمانات جدية، فإن الشركات الدولية لن توافق على بدء نشاطها داخل إيران، إن كان هناك مخاوف من أن الإدارة في الولايات المتحدة ستتغير خلال عامين، ويصل إلى البيت الأبيض رئيس جديد ينسحب من الاتفاق، أو يقرر إعادة العقوبات من جديد، ولا يكون ملتزماً بالاتفاقيات مع إدارة بايدن. إيران عاشت هذه التجربة خلال سنة 2018، عندما بدأت الشركات الدولية بإغلاق مكاتبها وأعمالها بسرعة ومباشرة بعد قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق.
  • "من الممكن التفكير في عدة خيارات وأفكار من شأنها تهدئة المخاوف الإيرانية"، قال دبلوماسي أوروبي لـ"هآرتس". مضيفاً أن "الحديث يدور عن إقامة منظومة أوروبية ناجعة تلتف على العقوبات الأميركية في حال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، لكن إيران جربت هذا أيضاً وعرفت أن الالتزام الأوروبي لا يساوي الكثير، فالشركات الأوروبية تخاف من العقوبات الأميركية عليها." وأضاف أنه "تم اقتراح تفعيل عقوبات ضد الشركات الأميركية إذا قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الشركات الأوروبية، لكن هذا غير ممكن. كما أن اقتراح وجود بنك بديل لا يستعمل الدولار فشل قبل أن يُبحث أصلاً."
  • في نهاية المطاف، على إيران اتخاذ قرار سياسي معناه إلى أي درجة هي مستعدة للوثوق بالدول الغربية، وبصورة خاصة بالولايات المتحدة، حتى ولو لم تحصل على اتفاق مضمون تماماً يضمن أن جميع الدول الموقّعة للاتفاق لن تتركه قبل نهاية فترته. وبصيغة أُخرى، من الممكن أن يكون السؤال: إلى أي مدى إيران مستعدة للتنازل في المرحلة النهائية عن الاتفاق برمته إن لم تحصل على كامل الضمانات، مع الافتراض أن بايدن منحها كل ما يمكن أن يمنحه من ناحية دستورية. هذا هو السؤال ذاته الذي تطرحه إيران على الولايات المتحدة - هل فعلاً قام بايدن بمنحنا كل ما يستطيع، أم يوجد هناك المزيد من التنازلات التي لا تضر بالقانون أو الدستور الأميركي، لكنها يمكن أن تضرّ به أو بحزبه سياسياً.
  • يمكن فقط تقدير القرار الإيراني السياسي، وذلك لأنه لا يوجد أي معلومات عما يحدث في مكتب المرشد الأعلى أو حوله كلياً، باستثناء المعلومات الاستخباراتية الدقيقة التي تسمح باغتيال عالِم نووي أو إصابة موقع نووي. حتى برنامج التجسس "بيغاسوس" يبدو أنه لن يساعد - فالمرشد الأعلى لا يملك هاتفاً حتى. ويكفي أن يتم النظر إلى التقديرات في إسرائيل والولايات المتحدة بشأن المفاوضات، لنفهم أن التفاؤل أو التشاؤم إزاء كل ما يخص احتمالات توقيع الاتفاق يستندان إلى تقديرات ومواقف سياسية أكثر مما يستندان إلى معلومات.
  • إيران لا تصدق الولايات المتحدة ولا تثق بها - هذه تقريباً أيديولوجيا تفرض الاستراتيجيا لديها. لكن إيران تؤمن بالاتفاقيات. قد يبدو هذا تناقُضاً، فلماذا تريد توقيع اتفاق والتأكد من تطبيقه والوقوف على كل تفاصيله مع دول لا تثق بها؟ وهذا ليس التناقض الوحيد. إيران تدّعي أنها تستطيع التعامل مع العقوبات، وأثبتت أنها تستطيع الاستمرار والوجود على الرغم من أنها تعيش تحت نظام عقوبات منذ الثورة الإسلامية. لكنها في الوقت ذاته، هي مستعدة للتنازل عن قدراتها النووية، بهدف الخروج من المأزق الصعب الذي تعيشه.
  • للتناقضين تفسير واحد: إيران بحاجة إلى اتفاق يرفع عنها العقوبات، وبهدف الوصول إلى هذا الهدف صاغ خامنئي في سنة 2013، مع بداية المفاوضات على الاتفاق النووي، مصطلح "الليونة البطولية"، التي فسّرها بأنها اتخاذ خطوات دبلوماسية "إيجابية ومطلوبة في ظروف معينة". هذه الليونة البطولية كانت الأساس الذي اتخذت إيران، استناداً إليه، قراراً استراتيجياً مرتين للوصول إلى اتفاق. ومنذ توقيع الاتفاق الأصلي، وحتى أيار/مايو 2019، عام بعد انسحاب الولايات المتحدة، استمرت إيران في الالتزام بالاتفاق وبنوده من دون أي خرق، كما أشارت المعلومات الاستخباراتية الأميركية والإسرائيلية. الخروقات التي بدأت في سنة 2019، جاءت بهدف الضغط على الدول الغربية للعودة إلى الاتفاق الذي خرقته الولايات المتحدة بصورة أحادية.
  • في المرة الثانية، قررت إيران البدء بمفاوضات لتجديد الاتفاق النووي، بعد دخول بايدن إلى البيت الأبيض. وخلال المفاوضات استمرت إيران في تخصيب اليورانيوم بدرجات غير مسبوقة، وبكميات كبيرة، كما أوقفت عمل المراقبين من الوكالة الدولية وأبطلت عمل الكاميرات، لكنها لم توقف المفاوضات، ولم تنسحب من الحوارات.
  • لم تقف إيران هذه المرة عند كمية اليورانيوم المخصّب ودرجة التخصيب، وتبنّت من جديد قيود الاتفاق الأصلي. مخاوفها تتركز هذه المرة، بحدة وتصميم، على المقابل الاقتصادي. وهذا الأمر لا يتعلق فقط برفاه المواطنين الإيرانيين أو غنى النظام الفاسد، إنما بالوعد الرئيسي للثورة الإسلامية، التي كان هدفها إقامة دولة شريعة اجتماعية وعادلة على عكس نظام الشاه.
  • هذه الثورة فشلت على أغلب الصعد الاجتماعية والاقتصادية، لكن الخطر الآن يتعلق بوجود النظام والقيادة التي من أجل الدفاع عن إيران مستعدة لتوقيع اتفاقيات وعقد تحالفات مع دول لا تثق بها مطلقاً، وبعيدة عنها أيديولوجياً. وهذا لا يتوقف فقط عند الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية، فالصين وروسيا أيضاً ليستا حليفتين أيديولوجيتين للدولة الشيعية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السعودية التي تحاول إيران تجديد العلاقات معها. الواقعية الاقتصادية هي السياسة التي تستند إليها البراغماتية الإيرانية وهي أيضاً التي ترسم خط النهاية الذي من شأنه أن يؤدي الآن إلى توقيع الاتفاق النووي.

 

 

المزيد ضمن العدد 3853