هل ستكون خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط ضحية أُخرى لفيروس الكورونا؟
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- قبل أسبوع من الانتخابات الإسرائيلية في 2 آذار/مارس، أمضى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والسفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان بعد الظهر معاً في مستوطنة أريئيل في الضفة الغربية. ولقد دُعيت وسائل الإعلام الإسرائيلية لتصويرهما فيما بدا واضحاً أنه جزء من حملة نتنياهو الانتخابية.
- الرسالة التي أراد رئيس الحكومة إرسالها، بمساعدة السفير، كانت أن بعد انتهاء الانتخابات، ستكون إسرائيل قادرة على البدء بضم المستوطنات بموافقة إدارة ترامب. لو كان الأمر عائداً إلى فريدمان ونتنياهو فقط، لكان الضم بدأ بعد إعلان ترامب خطته للشرق الأوسط في نهاية كانون الثاني/يناير. لكن مسؤولين آخرين كبار في الإدارة، أبرزهم صهر ترامب وأرفع مستشاريه جاريد كوشنير، استبعدوا هذا الخيار.
- كوشنير، القوة الدافعة وراء "صفقة القرن" لترامب، أراد إعطاء مزيد من الوقت لمفاوضات محتملة بين إسرائيل والفلسطينيين، وربما أيضاً بين إسرائيل والدول العربية المجاورة. وهو الذي أوقف خطط نتنياهو وفريدمان، على الأقل موقتاً.
- من خلال ظهوره العلني مع فريدمان قبل الانتخابات، نتنياهو كان يحاول طمأنة الناخبين من اليمين أنه حتى مع عدم تحقق وعده بالضم الفوري في كانون الثاني/يناير، فإن هذا سيحدث في وقت "قريب جداً"، بحسب كلام نتنياهو نفسه، بعد انتهاء الانتخابات.
- الآن وبعد مرور أسبوعين على الانتخابات، تبدو الأمور مختلفة جداً. النقاش العام في إسرائيل خلال الأيام العشرة الأخيرة سيطر عليه موضوع واحد: تفشي وباء فيروس الكورونا، الذي يهدد بتدمير الاقتصاد الإسرائيلي. نتنياهو يعقد مؤتمراً صحافياً كل مساء، يتحدث فيه حصرياً عن كيفية تعامل إسرائيل مع الفيروس، من دون كلمة واحدة عن الضم.
- الموضوع الوحيد الآخر الذي يستحوذ على الأخبار، هو استمرار الجمود السياسي منذ أكثر من عام، والذي لم ينتهِ في 2 آذار/مارس. نتائج استطلاعات الرأي الاختبارية التي جرت ليلة الانتخابات أظهرت بوضوح فوز نتنياهو والأحزاب الدينية في كتلته، لكن النتائج النهائية كانت مخيبة للآمال بالنسبة إلى رئيس الحكومة. في المحصلة، نحو 51% من الإسرائيليين صوتوا لمصلحة أحزاب وعدت بعدم تأييد حكومة يرأسها نتنياهو. في يوم الاثنين منح رئيس الدولة رؤوفين ريفلين خصم نتنياهو السياسي رئيس الأركان السابق بني غانتس فرصة تأليف حكومة جديدة.
- فرص نجاح زعيم أزرق أبيض أو نتنياهو في تأليف حكومة في الأسابيع القليلة المقبلة تبدو ضئيلة جداً. نتنياهو دعا غانتس الى المشاركة في "حكومة طوارىء" برئاسته، ووعد بتجميد جميع الاقتراحات للقوانين غير أساسية خلال نصف عام. وهذا يعني استبعاد أي خطوة ضم في الأشهر القليلة المقبلة.
- بالإضافة إلى ذلك، مع انهيار أسواق البورصة في إسرائيل - مثل الأسواق في الولايات المتحدة وأجزاء أُخرى في العالم - ومع أزمة اقتصادية تقترب بسرعة، من المشكوك فيه أن حكومة نتنياهو - غانتس للطوارىء سترغب في إشعال الضفة الغربية من خلال اتخاذ خطوة غير مسبوقة بضم المستوطنات.
- الوباء يؤذي بشدة اقتصاد دولتين عربيتين مجاورتين تعتمدان اعتماداً كبيراً على السياحة: الأردن ومصر. عندما نشر ترامب "صفقة القرن"، انتقدت الدولتان الخطة بصورة معتدلة. في الوقت عينه، حذرتا البيت الأبيض من أن أي ضم واسع للمستوطنات سيشكل مشكلة بالنسبة إليهما. هذه المشكلة قد تصبح أسوأ، وخصوصاً بالنسبة إلى الأردن، إذا استمر تدهور الأوضاع الاقتصادية نتيجة الأزمة الصحية العالمية.
- في واشنطن، أصبحت مواجهة الفيروس الشاغل الوحيد لكوشنير. ترامب كلف صهره تفعيل أفكار جديدة بشأن كيفية معالجة الأزمة التي قد تنهي سنوات من النمو الاقتصادي، وتُغرق أميركا في ركود جديد. بالنسبة إلى كوشنير، لا يشكل هذا فقط أهم أولوياته حالياً - بل هو أولويته الوحيدة. مساعده المقرّب آفي بركوفيتش الذي قاد العمل على خطة الشرق الأوسط في الأشهر الأخيرةـ يعمل حصرياً على أزمة فيروس كورونا.
- فيما يتعلق "بصفقة القرن"، مقاربة البيت الأبيض في الوقت الراهن هي "سننتظر ونرى". أولاً، هناك حاجة إلى تأليف حكومة في إسرائيل. بعدها هناك حاجة إلى تقييم انعكاسات فيروس كورونا على إسرائيل والفلسطينيين والدول المجاورة، قبل التفكير في اتخاذ أي خطوة.
- هذا لا يعني أن الإدارة الأميركية تخلت رسمياً عن رؤيتها الشرق الأوسطية. لكن بين الانهيار الاقتصادي في الولايات المتحدة والشرق الأوسط، واستمرار عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل، وتغيّر أولويات كوشنير والبيت الأبيض، سيمر وقت قبل أن يعود الحديث عن خطة ترامب للسلام.