من سياسة "صفر إلى مئة" مشكلة – أردوغان يطلق النار في كل الاتجاهات
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي

من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.

– نظرة سياسة-أمنية
  • في الأشهر الأخيرة قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برفع سرعة درجة العدائية والصخب في السياسة الخارجية التي يقودها. من السمات البارزة لهذه السياسة العدائية هي: الانتشار على جبهة واسعة من المجالات والموضوعات؛ عرض للقوة والقيام بعمليات عسكرية على الأرض؛ سياسة "معاملة بالمثل" وتهديدات هدفها إيجاد رافعات ضغط؛ التمسك المتعصب بـ"حقوق" تركيا.
  • ينتهج أردوغان دبلوماسية "ميغافون" [مخاطبة بواسطة بوق]، وفي إطارها يحرص غالباً على أن يقدم بنفسه، بالتصريحات والخطابات الاستفزازية، خطوط سياسة تركيا، والتي تبدو، على الأقل في بعض الحالات، كخطوات مستقلة وليست نتيجة عمل طاقم وعمليات تشاور منهجية مع النظام التركي.
  • أسلوب أردوغان وأيضاً ادعاءاته ضد " الدولة العميقة"، يذكّران بسلوك الرئيس ترامب. يوجد بين الزعيمين "كيمياء" كثيراً ما يشددان عليها، على الرغم من الفجوات الجوهرية بين الولايات المتحدة وتركيا.
  • القراران المركزيان اللذان اتخذهما أردوغان، ومنهما قُررت أغلبية خطوات السياسة الخارجية التركية في الفترة الأخيرة، هما: الدخول العسكري إلى شمال سورية في تشرين الأول/أكتوبر؛ وعرض القوة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط.

الخطوات السياسية بشأن الدخول العسكري إلى شمال سورية:

  • لمّحت تركيا إلى عزمها على وقف خطة حلف شمال الأطلسي الدفاعية لدول البلطيق وبولندة، إذا لم يعترف الحلف بأن الأكراد في سورية هم عناصر إرهابية.
  • هدد أردوغان في تشرين الأول/أكتوبر أنه إذا تدخلت أوروبا في عمليات تركيا في شمال سورية، فإنه سيفتح الأبواب لـ 3.6  ملايين لاجىء  للتدفق إلى القارة الأوروبية عبر بحر إيجه.

ج-   أعلن أردوغان خطة لإعادة مليون لاجىء إلى شمال سورية، إلى المنطقة الواقعة بين رأس العين وتل أبيض.

د- بعد اعتراف مجلس الشيوخ بمجزرة الشعب الأرمني (12 كانون الأول/ ديسمبر)، حذّر أردوغان في خطاب نقله التلفزيون من أنه إذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات على تركيا بشأن عملياتها في سورية، فإنه سيدرس إغلاق القاعدة الأميركية في تركيا، أنجرليك التي يُخزّن فيها سلاح نووي أميركي.

في إطار رفع درجة عرض القوة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط

  • وقّعت تركيا مع حكومة الوفاق في ليبيا اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية بين الدولتين وينص على تعاون عسكري واسع. الاتفاق يزود أنقره بذريعة قانونية للطعن بسيادة قبرص واليونان ومصر في مناطق مياهها الاقتصادية الخالصة حول الجزيرة وجنوبها وجنوب غرب جزيرة كريت.
  • أعلن أردوغان أن "اليونان وقبرص، ومصر وإسرائيل" لا تستطيع العمل في الحوض الشرقي للبحر المتوسط  من دون "موافقة تركيا". ومؤخراً جرى الحديث عن حالة طرد فيها سلاح البحر التركي سفينة أبحاث إسرائيلية عملت في المياه الاقتصادية لقبرص.

ج- أعلن أردوغان (في 9 كانون الأول/ديسمبر) استعداده لإرسال قوات إلى ليبيا، أو على الأقل قوات مرتزقة خاصة.

  • يُضاف إلى هذه الخطوات المركزية:
  • الاستمرار في تنفيذ صفقة شراء صواريخ S-400 من روسيا، والتي أدت إلى إلغاء مشاركة تركيا في مشروع طائرات الـF-35، وعرّضتها لعقوبات، بحسب ما ينص عليه القانون الأميركي.
  • خطاب أردوغان الحاد وغير المسبوق في 4 أيلول/سبتمبر، والذي أوضح فيه عدم موافقته على أن تبقى تركيا متأخرة فيما يتعلق بكل ما له علاقة بالقدرة النووية العسكرية، بينما لاعبون إقليميون آخرون، مثلاً إسرائيل، لديهم هذه القدرة.

ج-   عودة الحرارة إلى علاقات تركيا مع "حماس". استضاف أردوغان زعيم الحركة أكرم هنية في قصره، وتحدثت تقارير عن أن نشطاء الحركة يتمتعون بحرية التنقل في تركيا، ويعملون على خطط لاغتيال شخصيات إسرائيلية على أراضيها.

خلاصات ودلالات بالنسبة إلى إسرائيل

  • تشكل سياسة أردوغان الخارجية تحدياً لمجموعة من الدول في الشرق الأوسط وفي الساحة العالمية، وتزيد من التوترات التي تواجهها تركيا في عدد من الجبهات وفي آن معاً.
  • اليونان وقبرص ومصر رفضت رفضاً قاطعاً الاتفاق الذي بادرت إليه أنقره مع ليبيا واعتبروه غير قانوني، وفي ظل عدم وجود عملية سياسية بين الأطراف، يمكن أن يزداد التوتر في الحوض الشرقي للبحر المتوسط ، وحتى يتطور إلى صدام عسكري بشأن سياسة الحفر التركية العدوانية.
  • تدخّل تركيا في ليبيا، ونيتها توسيع المساعدة العسكرية التي تقدمها إلى حكومة طرابلس، يثير قلق مصر ودول الخليج المؤيدة لحفتر، ويزيد العداء الكبير لتركيا بسبب علاقاتها مع قطر المؤيدة للإخوان المسلمين. هذه الخطوة تلقي ظلالاً على العلاقات بين تركيا وروسيا، التي تشهد بالإضافة إلى التعاون بينهما (عملية أستانه/ وأنابيب الغاز)، تعارضاً في المصالح الآن بشأن مشكلة إدلب ومسألة عمق وجود القوات التركية في شمال سورية.
  • تنبع السياسة العدائية لأردوغان من الشعور بأن تركيا لا تحصل على الاعتراف الذي يليق بها كقوة إقليمية عظمى، وأن مصالحها مهددة. على سبيل المثال، يجري تصوير العمليات التركية في البحر المتوسط كرد على ما تعتبره حلفاً ضدها بين إسرائيل، ومصر، واليونان، وقبرص، وكمحاولة للدفاع عن مصالح وتقاسُم أكثر عدلاً، في نظرها، لموارد الغاز في المنطقة. أيضاً في شمال سورية، تشعر تركيا بأن المنظومة الدولية تتعامل "بمعايير مزدوجة" وتؤيد عناصر إرهابية كردية تعمل ضدها.
  • عملياً، يبدو أن خطوات أردوغان العدائية تجعله مراراً معزولاً وتؤدي إلى نتيجة عكسية وتزيد الضغوط على تركيا. يجري ذلك بينما يواجه أردوغان أيضاً في الداخل ركوداً اقتصادياً.
  • ماذا بالنسبة إلى إسرائيل؟ يوجد بين الدولتين خلافات وفجوات في مجموعة من القضايا: موارد الطاقة في البحر الأبيض المتوسط؛ خطابية أردوغان المعادية لإسرائيل، الذي صرّح مؤخراً في المؤتمر الإسلامي في إستانبول بأن لتركيا "موقفاً مبدئياً ضد القمع في القدس"؛ تأييد تركيا لـ"حماس"؛ تعاطُف إسرائيل مع الأكراد في سورية وغيرها.
  • من مصلحة إسرائيل تخفيف درجة التوتر مع تركيا في البحر المتوسط. أحد الاحتمالات تحريك حوار بين منتدى الغاز الإقليمي (الذي يضم 7 دول من المنطقة ومن أوروبا، أُبعدت عنه تركيا) وبين أنقرة.
  • في كل الأحوال، وفي ضوء خطر نشوب صدام عسكري مع تركيا في المجال البحري، من المهم العمل على تنشيط آليات وإجراءات التنسيق الأمني مع الجيش التركي.
  • في المقابل، من الصواب استئناف المعركة السياسية لمنع عمليات إرهابية تقوم بها "حماس" في تركيا، ووقف التدخل التركي في القدس.