مؤشرات مقلقة بشأن استقرار الأردن
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف
  • لم تكن مكانة العائلة المالكة الهاشمية في الأردن موضع تساؤلات منذ قيام المملكة. صحيح أنه في بداية اضطرابات "الربيع العربي" سُمعت أصوات تطالب بتقليص صلاحيات الملك وقيام ملكية دستورية، لكن الملك عبد الله الثاني نجح في امتصاص المطالب من خلال تبني جزء منها - في الأساس من خلال تغيير نظام الانتخابات. مع ذلك ازدادت في السنوات الأخيرة الانتقادات الموجهة إلى أسلوب الملك في معالجة المشكلات الأساسية في المملكة، بالإضافة إلى السلوك الشخصي للملك نفسه وللملكة رانيا. ربما من الممكن التشكيك في الإشاعات والتقارير التي نشرتها صحف غير أردنية بشأن وجود تنظيم يتآمر على الملك يشارك فيه عدد من الموظفين المقربين منه، لكن الملك أعطى ذلك تأكيداً علنياً عندما عيّن في مطلع أيار/مايو أحمد حسني مديراً جديداً للاستخبارات العامة - مؤسسة مركزية في أمن النظام - ونشرت الصحف الأردنية رسالة الملك إليه. فيها تباهى الملك بأجهزة الاستخبارات التي، بحسب كلامه، نجحت في الكشف عن محاولات يائسة ضد الأمة، وخصوصاً في الفترة الأخيرة، وتدل على أن عدداً من الأشخاص يستغلون الأوضاع الصعبة التي يواجهها الأردن. وبحسب كلام الملك، المقصود مرحلة معقدة تمر بها المنطقة، تنطوي على تحديات، ويواجه الأردن خلالها انعدام استقرار إقليمي وأجواء دولية متوترة، وبالإضافة إلى رئيس الاستخبارات العامة، جرى تغيير عدد من أصحاب المناصب الأُخرى في القصر.
  • يواجه الأردن منذ قيامه كدولة مشكلات اقتصادية جوهرية ناجمة عن عدم وجود موارد طبيعية ومصادر دخل محلية أُخرى، ومن كونها دولة استوعبت عدداً من موجات الهجرة أكبر نسبياً من حجم سكانها. مواجهة مثل هذه المشكلات الأساسية تجبر الحكومة الأردنية على الاعتماد على جمع مساعدات وقروض من دول مانحة ومؤسسات دولية - وهذا ما تتعرض له دول أُخرى، لكن بخلاف هذه الدول لا ينطوي حدوث تغيّر شديد على استقرارها أو نظامها على زعزعة استقرار إقليمي أو انعكاسات دولية. أكثر من مليون ونصف مليون لاجىء سوري لجأوا إلى الأردن منذ سنة 2011، ويمكن الافتراض أن فرص عودة جزء كبير منهم إلى سورية ضئيلة. صحيح أن المجتمع الدولي يساعد الأردن في مواجهة العبء المالي المتعلق باستضافة اللاجئين السوريين، لكنه يواصل تحمل العبء الاقتصادي والقانوني والسياسي البعيد الأمد المرتبط بوجود أقلية كبيرة إلى هذا الحد (تقريباً 15% من السكان) من دون وضع واضح. من ناحية أُخرى، الدول المانحة أيضاً تواجه واقعاً اقتصادياً – سياسياً، داخلياً ودولياً، يطرح علامات تساؤل بشأن قدرتها على الاستمرار في مستوى المساعدة التي تلبي، ولو جزئياً، حاجات الأردن.
  • في أواسط أيار/مايو، نشر صندوق النقد الدولي تقريراً مفصلاً بشأن الوضع الاقتصادي في الأردن. تجدر الإشارة إلى أن مطالبة الصندوق الأردن منذ سنة 2016 القيام بإصلاحات في نظام الضرائب (وفي مجالات الرقابة والتطبيق والجباية) كشرط لمنح القرض، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء، كل ذلك أدى إلى تمرد البرلمان الأردني الذي رفض الموافقة على هذه المطالب. وقد اضطر الملك إلى إقالة رئيس الحكومة هاني الملقي، وبدأت الحكومة الجديدة برئاسة عمر الرزاز "حواراً وطنياً" في كانون الأول/ديسمبر 2018، تبنى البرلمان في نهايته جزءاً كبيراً من المطالب. في صياغة استنتاجات التقرير يُلاحظ بين السطور تخبط كبير.
  • فقد جاء في التقرير أن النمو الاقتصادي في سنة 2018 كان ضعيفاً بسبب بقاء معدل البطالة 18% (يصل معدل البطالة بين الشباب إلى 42%، ووسط النساء إلى أكثر من 23%). وارتفع عجز الحكومة قبيل نهاية سنة 2018 إلى 2.4% من الناتج المحلي الصافي، مع شطب تقليص العجز الذي سُجل في وقت سابق من السنة نفسها. وفي مقابل تقليص نفقات الحكومة في موضوع الصحة، يشير التقرير إلى ارتفاع العجز في إثر تقليص تعرفة الكهرباء مقابل ارتفاع أسعار الوقود، الأمر الذي ساهم في رفع حصة شركة الكهرباء في العجز إلى 0.3% من الناتج المحلي، العجز في شركتي الكهرباء والمياه أدى إلى عجز في القطاع الحكومي يقدّر بـ4.3 من الناتج المحلي، بينما كان من المتوقع حتى سنة 2016، أن يصل العجز إلى 1.8 من الناتج المحلي، عندما وافق صندوق النقد الدولي على منح الأردن قروضاً بمجموع 723 مليون دولار يجري تقديمها خلال 3 سنوات.
  • يشير واضعو التقرير إلى أن قرضاً بنحو 500 مليون دولار من البنك الدولي، وتأمين مساعدة تقدّر بـ2.5 مليار دولار، والودائع المالية للكويت والسعودية واتحاد الإمارات بنحو 1.6 بليون دولار، بالإضافة إلى رفع الفوائد الدورية للمصرف المركزي الأردني، كل ذلك ساعد في المحافظة على استقرار النظام النقدي. مع ذلك بقي تصنيف الأردن من جانب شركة ستاندارد آند بورز على حاله حتى اليوم، إذ انخفض في تشرين الأول/ أكتوبر من BB إلى B+.
  • تحت عنوان فرعي: "التوقع يبقى مشروطاً بمخاطر كبيرة" يكتب واضعو التقرير، مثل ارتفاع أسعار النفط وتقلّص مصادر الاقتراض الدولية التي يمكن أن تُلحق الضرر باحتياطات النقد الأجنبي في الأردن وتزيد من حجم التضخم لديه. من الناحية الإيجابية يسجل واضعو التقرير أن ارتفاع أسعار النفط يمكن أن يزيد التصدير الأردني إلى الدول المنتجة للنفط، كذلك تحويل أموال العاملين الأردنيين في هذه الدول، كما من المنتظر نتائج إيجابية من بناء أنبوب النفط من العراق إلى العقبة. وكل توقّع يبقى مشروطاً، طبعاً، بالتطبيق الصارم للقانون الجديد للضريبة، والالتزام بأهداف الجباية.
  • على الرغم من أن قرارات الحكومة بشأن الإصلاحات في مجال الضرائب وإلغاء الدعم أقرها البرلمان، فإنها ما تزال تثير غليان أعضاء البرلمان، كما تثير تظاهرات جماهيرية في مدن الأردن الأساسية.
  • وكمسألة روتينية، يواصل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني تأجيج الرأي العام في الأردن ويشغل اهتمام الملك عبد الله. وانضمت إلى ذلك مكونات ستزيد من خطورة انعكاسات النزاع على العلاقات الأردنية - الإسرائيلية. في الأشهر الأخيرة ارتفع التوتر في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف] في أعقاب الصراع على السيطرة بين جهات إسلامية، فلسطينية، وأجنبية (تركية على سبيل المثال)، تطالب بالاحتفاظ بسيطرتها على ما يجري داخل الحرم، وبين إسرائيل التي تطالب، من جهتها، بتطبيق سيادتها على الموقع. الأردن الذي وسّع بصورة أحادية الجانب مضمون البند في اتفاق السلام الذي تعترف إسرائيل في إطاره بالمكانة الخاصة للأردن في الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس، إلى مستوى الوصي على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وحوّل الموضوع إلى أداة لتعزيز مكانته الدولية، وأيضاً لتحويل الانتقادات الداخلية للنظام إلى احتجاج جماهيري ضد إسرائيل، ومن أجل تأييد الملك واعتباره المسؤول عن المقدسات الإسلامية في القدس.
  • إذا سمحت الحكومة الجديدة باتخاذ خطوات في الكنيست لتحقيق مطالب الضم لإسرائيل، أو تطبيق القانون الإسرائيلي على أجزاء من يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، سيقف الأردن على رأس المعسكر العربي الذي سيطالب المجتمع الدولي بعدم الاعتراف بهذه الخطوات، وإدانة إسرائيل، وحتى فرض عقوبات عليها إذا لم تمتنع من اتخاذ هذه الخطوات.
  • ومن أجل استكمال تقدير الوضع السلبي، يجب أن نضيف الانعكاسات المنتظرة لخطة الرئيس ترامب، المعروفة بـ"صفقة القرن"، لحل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. الملك عبد الله الذي يردد في كل لقاءاته مع زعماء المنطقة والمجتمع الدولي أن لا حل غير حل الدولتين على أساس خطوط 1967، والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، سيجد صعوبة في إخفاء معارضته أي حل آخر. وهذا يعني أنه على الرغم من ادّعاء الملك عبد الله أن الإدارة الأميركية لم توضح له تفاصيل الخطة فإنها عندما ستُنشر، لن تفيد جميع الصيغ الدبلوماسية التي سترافق النشر، وسيضطر إلى التعبير عن معارضته إياها بلغة واضحة وصريحة. وذلك لإسكات جميع الذين يهمسون في الغرف المغلقة في عمّان أن مساعدة أميركية سخية ستخفف من ردة فعله.
  • العلاقات الباردة بين إسرائيل والأردن، وخصوصاً بين الملك ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ستواجه في الأشهر المقبلة عوامل توتر كثيرة. بالإضافة إلى الجمود في المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية، والتوتر المستمر في الحرم القدسي في القدس، سيتعين على إسرائيل والأردن مواجهة إعلان الأخير أن الترتيبات بين الدولتين بشأن نهاريم وتسوفه لن تتجدد، ومحاولات في إسرائيل الدفع قدماً بضم مناطق في الضفة، وعدم الموافقة على قناة البحرين التي تربط بين البحر الأحمر والبحر الميت، واستمرار الانتقادات في الأردن ضد صفقة الغاز وبيعه من إسرائيل إلى الأردن، وطبعاً "صفقة القرن" الأميركية. هذه قائمة كل بند فيها يهدد جوهر العلاقة ومضمونها.
  • لإسرائيل مصلحة في المحافظة على استقرار الأردن، والتطورات في الشرق الأوسط في العقد الأخير عززت هذه المصلحة. علاوة على ذلك، لإسرائيل تأثير لا بأس به في قدرة الأردن في مواجهة جزء من التحديات الداخلية، لذلك المطلوب تفكير استراتيجي إسرائيلي، بالإضافة إلى استعداد أردني وإسرائيلي للامتناع من القيام بأي خطوات استفزازية - على الرغم من الضغوط الداخلية في الدولتين. كما المطلوب إجراء حوار شامل بينهما، وعلى مستوى رفيع، الغرض منه ترتيب شامل للعلاقات.