الحكومة الجديدة في لبنان - تحديات ودلالات بالنسبة إلى إسرائيل
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • بعد قرابة تسعة أشهر على إجراء الانتخابات في لبنان (7أيار/مايو 2018)، أعلن سعد الحريري في 31 كانون الثاني/يناير إنجاز تأليف حكومة الوحدة التي يترأسها. تركيبة الحكومة الجديدة التي تضم 30 وزيراً، تشكل مرحلة أُخرى في العملية المستمرة لتوطيد موقع حزب الله في النظام السياسي اللبناني. لقد نجح معسكر حزب الله (حركة 8 آذار/مارس) في ترجمة إنجازاته في الانتخابات التي حظي فيها على أغلبية 72 نائباً من أصل 128، (على الرغم من أن حزب الله نفسه لم يزِد من قوته)، بينما خسرت حركة "المستقبل" برئاسة الحريري ثلث قوتها.

......

التحديات الداخلية في لبنان

  • في أثناء عرض الخطوط الأساسية للحكومة الجديدة (في 6 شباط/ فبراير)، أعلن رئيس الحكومة الحريري أن حكومته ستعمل على تحسين الوضعين الاقتصادي والاجتماعي والدفع قدماً بإصلاحات سريعة وناجعة، ستكون أيضاً مؤلمة وصعبة. بالإضافة إلى انعدام الاستقرار السياسي، يعاني لبنان منذ سنوات جرّاء أمراض مستعصية أدّت في الأشهر الأخيرة إلى سلسلة طويلة من تظاهرات الاحتجاج في شوارع الدولة. وثمة شك في أن الحكومة الجديدة ستنجح في مواجهة التحديات الداخلية:
  • الأزمة الاقتصادية والمالية العميقة - يعاني لبنان جرّاء دين خارجي مرتفع جداً. وبحسب شركة الائتمان "موديز"، يحتل لبنان المركز الثالث بين الدول ذات الديون الخارجية الكبيرة - 150% من الناتج المحلي الإجمالي. ويتوقع البنك الدولي أن يصل هذا الدين إلى 180% من الناتج المحلي الإجمالي خلال خمس سنوات. على هذه الخلفية عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس (نيسان/أبريل 2018) مؤتمراً اقتصادياً دولياً، هدفه دعم لبنان، وجرى فيه جمع 11 مليار دولار كقروض، لكن حتى الآن لم يكن في الإمكان الحصول عليها بسبب شلل حكومة تصريف الأعمال.
  • الوضع الخطِر للبنى التحتية - المقصود في الأساس النقص الخطِر في الكهرباء والمياه، وغياب بنى تحتية أساسية أُخرى، وعجز الأجهزة اللبنانية عن تزويد المواطنين بخدمات حيوية. يُذكر في هذا السياق أزمة جمع النفايات التي وصلت إلى ذروتها في سنة 2015.
  • اللاجئون من سورية - يستضيف لبنان نحو 1.5 مليون لاجىء - هو الدولة التي استقبلت العدد الأكبر نسبياً من اللاجئين السوريين (نحو 25% من مجموع عدد سكانه). على الرغم من المساعدة الخارجية، فإن اللاجئين يشكلون عبئاً إضافياً على الدولة ويؤثرون في سوق العمل بصورة تؤدي إلى ارتفاع البطالة وسط السكان بصورة عامة. وبالاستناد إلى التوقعات، فإن هؤلاء اللاجئين سيعودون إلى سورية، لكن بوتيرة بطيئة جداً: بحسب مندوبة مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة، سيعود في سنة 2019 إلى سورية نحو 250 ألف لاجىء فقط من كل دول المنطقة.
  • ظاهرة الفساد - الأجهزة في لبنان - السياسية، والقضائية، والإدراية والعامة وحتى الشرطة، في معظمها، مصابة بالفساد. وفي مؤشر الفساد لسنة 2018، حصل لبنان على تقويم 28%. ضعف النظام الحاكم يستغله أيضاً حزب الله الذي يستخدم الرشى لشراء نفوذه.

الدلالات بالنسبة إلى إسرائيل

  • ازدياد قوة حزب الله، الذي هو ذراع لإيران في لبنان، داخل المنظومة السياسية في الدولة، في موازاة استمرار تعاظم قوته العسكرية يشكل بشرى سيئة بالنسبة إلى إسرائيل. ذلك بأن تعميق سيطرة الحزب على النظام السياسي سيزيد من ثقته بنفسه ويخلق فرصة لمواصلة نفوذه وتوسيعه. مع ذلك، كلما ازدادت قوة حزب الله داخل المنظومة اللبنانية، ستزيد مسؤوليته حيال ما يجري في لبنان، وكذلك اهتمامه بالمحافظة على إنجازاته السياسية ومصالحه في الدولة. بالإضافة إلى ذلك، يواجه الحزب في الفترة الأخيرة أيضاً مجموعة صعوبات جرّاء تدخّله في الحرب السورية، ويُتوقع أن تضطر إيران إلى تقليص دعمها له بسبب مصاعب اقتصادية. كل هذا أدى، على ما يبدو، إلى كبح ردة فعل الحزب على الإنجاز الإسرائيلي في كشف الأنفاق التي تتسلل إلى إسرائيل على الحدود بين الدولتين. لكن لا شي يضمن أن هذا الكبح سيستمر في مواجهة عمليات أُخرى تقوم بها إسرائيل تُعتبر استفزازية.
  • مهما يكن الأمر، المرحلة الأُخرى في سيطرة حزب الله على النظام في لبنان تقوي ادعاء إسرائيل المتعلق بتأثير إيران الكبير فيما يجري في لبنان، كما ادّعى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي سارع نصر الله الى تكذيبه، مشدداً على استقلالية الحزب. يساهم في ذلك أيضاً الجهود التي تبذلها إيران كي تجعل نفسها الدولة الراعية للبنان في إطار الصراع الدائر مع السعودية على النفوذ في هذا البلد. بعد تأليف الحكومة سارع وزير الخارجية الإيراني بالمجيء إلى لبنان (10 شباط/فبراير) على رأس وفد كبير، من أجل الدفع قدماً بالعلاقات السياسية والاقتصادية بين الدولتين.
  • أبعد من ذلك، تقدم إنجازات حزب الله السياسية أساساً للمقاربة الإسرائيلية بشأن مسؤولية الدولة اللبنانية تجاه كل تحركات الحزب ضدها، وتساعد إسرائيل في جهودها لتعزيز شرعية عمليات عسكرية واسعة ضد أهداف في الدولة اللبنانية، وليس فقط أهداف تابعة لحزب الله، إذا اضطرت إلى ذلك في الحرب المقبلة. لذلك، ثمة حاجة إلى إعادة فحص مشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة للسياسة حيال لبنان، في ضوء الفجوة الموجودة حالياً بينهما بشأن هذا الموضوع. في رد فعل المصادر الأميركية على تأليف الحكومة، اتضح أن الإدارة الأميركية ما تزال تفرّق بين حزب الله والدولة اللبنانية، لكنها لا تنوي وقف استمرار تقديم المساعدة إلى لبنان بعد تعيين وزير للصحة يتماهى مع حزب الله.
  • بالنسبة إلى ترسيم الحدود المائية بين إسرائيل ولبنان والحاجة إلى التنقيب عن الغاز، يبدو أن تركيبة الحكومة الجديدة لا تحسّن من فرص التوصل إلى تسوية في هذا الموضوع. ذلك في ضوء صعود تأثير حزب الله في الحكومة، وتعيين حركة 8 آذار ندى بستاني من حزب الرئيس عون، وزيرة للطاقة.