النضال ضد قانون القومية ليس نضالاً للدروز فقط
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- منذ إقرار قانون القومية في تموز/يوليو 2018، أخذنا على أنفسنا - مجموعة ضباط ومحاربين وشخصيات عامة درزية - قيادة نضال شعبي فعال ومتواصل ضد قانون القومية هذا. وفي إطار نشاطنا نتوجه في هذه الأيام إلى جميع رؤساء الأحزاب، ونطلب منهم في إطار نشاطهم في الكنيست المقبل التعهد بالعمل على إلغاء أو تعديل قانون القومية بحسب روحية وثيقة الاستقلال.
- الموضوع الأساسي الذي يدور حوله النضال هو عدم تطرّق القانون إلى المساواة في الحقوق بين جميع مواطني الدولة، اليهود وغير اليهود. القانون الذي يُعرّف دولة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، ولا يشير في الوقت عينه إلى مبدأ المساواة بين جميع مواطني الدولة، يمكن أن يُفسَّر بأنه قانون قومي متعصب، معاد للديمقراطية، يشجع على الانقسام والكراهية، ويمكن حتى أن يُستخدم كبنية قانونية لسياسة أبرتهايد. لذا فإن النضال ضده ليس نضالاً درزياً، بل هو نضال على هوية دولة إسرائيل كدولة ديمقراطية متحضرة.
- منذ بداية تحركنا ونحن نحاول أن نجند إلى جانبنا شخصيات عامة ومفكرين يهود في المجال الأكاديمي والثقافي، لكن مع الأسف لم ننجح في إشراك هذه الأطراف في نضال مستمر وفعال، باستثناء عدد قليل من الأصدقاء اليهود الأفراد، وفي الأساس الذين لهم ماض عسكري أو أمني، لا يزال يشارك في بعض الأنشطة.
- يبدو أن أحد الأسباب الأساسية لامتناع المفكرين اليهود من الانضمام إلى النضال ناجم عن حقيقة أن وسائط الإعلام والجمهور العريض يتبنى بحماس مانشيت "احتجاج الدروز" ضد قانون القومية. هذا عنوان خطأ ومضلل يتسبب بغموض الأسباب والأهداف الحقيقية للنضال. وكلما تجذر هذا العنوان، ضعف النضال وامتنع المشاركون اليهود من المشاركة فيه.
- منذ بدء الاحتجاج الشعبي، وتنظيم التجمع الاحتجاجي الكبير في تل أبيب، نصح زعماء الطائفة بالامتناع من نشاط احتجاجي شعبي، في مقابل "ترتيب وضع الدروز". هذا الاقتراح رُفض رفضاً تاماً، لكن نشر محضر الاجتماع مع رئيس الحكومة والحديث عن "الاستعداد للتجاوب مع الدروز"، أدى إلى إلغاء شخصيات ثقافية يهودية مشاركتها في التجمع. منذ ذلك الحين استمر هذا "الإحباط المركّز" الذي يصوّر النضال كمحاولة درزية لاستثناء الطائفة. الصحافي جدعون ليفي اقترح بصورة ساخرة إعطاء الدورز شهادة "يهود شرف" ("هآرتس" 29/7)
- لكن الوصف الخطأ لطبيعة النضال لن يمنع الطائفة الدرزية من المحافظة على كرامتها ومن أن ترفض باشمئزاز لقب "يهود شرف"، أو اقتراحات"تسوية وضع الدروز"، ومن مواصلة النضال، مع أو من دون مشاركين يهود، من أجل تعريف هوية دولة إسرائيل كدولة ديمقراطية ومتحضرة، حريصة على "تطور البلد لمصلحة جميع مواطنيها، وتستند إلى مبادىء الحرية والعدالة والسلام بحسب رؤية أنبياء إسرائيل؛ أن تضمن المساواة الكاملة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع المواطنين من دون تفريق بين دين وجنس وعرق؛ وضمان حرية الدين والمعتقد واللغة والتعليم والثقافة" - بحسب وثيقة الاستقلال. على أساس هذا التعريف نشأ التحالف بين دولة إسرائيل والطائفة الدرزية في أرض إسرائيل. والدروز يقومون بدورهم فيه.
- من الواضح لأي إنسان عاقل أن النضال من أجل إسرائيل متحضرة ودولة مساواة وديمقراطية ليس نضالاً درزياً، بل هو نضال لجميع مواطني إسرائيل الذين يريدون المحافظة على صورة بلادهم، يهوداً وغير يهود.
- من الواضح أيضاً أن قانون القومية في مضمونه الحالي يتعارض مع القيم العالمية الموجودة في إعلان الاستقلال كقيم أساسية تقوم عليها دولة إسرائيل. إن القانون ينتهك التوازن الهش بين الأساس اليهودي والأساس الديمقراطي في هوية الدولة. قانون القومية هو حجر أساس آخر في توجه نحو تشريعات معادية للديمقراطية تمس بالأقليات، وبحقوق الإنسان، وتفرض القيود على صلاحيات محكمة العدل العليا وتمس بحرية التعبير والإبداع. قرابة مليونين من المواطنين غير اليهود يشعرون بأن قانون القومية يستبعدهم ويهدد بتحويل مواطنيتهم إلى مواطنة من درجة ثانية. الأسوأ من ذلك: قرابة 7 ملايين مواطن يهودي (ليس كلهم، لكن أغلبيتهم) يشعرون بأن مواطنية غير اليهود في إسرائيل هي أدنى منهم، ويوجد لهذا الاحساس أساس قانوني، أو لديه غطاء داخل الشبكة التشريعية.
- الإحساس بالمس المباشر بأشخاص، وليس بقيم ومبادىء، هو الذي يخلق تماهياً سريعاً في وسط الجمهور الواسع. بعضهم يتماهى مع الجاني والبعض الآخر مع الضحية، لكن بشأن كل ما له علاقة بالطائفة الدرزية فإن السكان اليهود يتماهون معها. تفسير ذلك ناجم عن الالتزام العميق لأبناء الطائفة بأمن الدولة. ودليل على هذا التماهي الكبير هو المشاركة الكبيرة لجمهور مختلط في التجمع الاحتجاجي الذي جرى في صيف 2018.
- المسّ بقيم عالمية لا يخلق حركة احتجاج شعبية، على الرغم من أن دلالاته الخطِرة تفرض نضالاً ومقاومة حازمة. لكن التماهي مع الضرر الكبير الذي لحق بالطائفة الدرزية لديه قدرة على إخراج جمهور كبير إلى الشوارع، وخلق احتجاج فعال يمكن أن يثمر نتائج. في المقابل، مشاركة واسعة لأطراف ذات تأثير في المجتمع اليهودي ستعدّل من التوجه نحو التعامل مع النضال ومع أهدافه كـ"احتجاج درزي"، وستسمح باستغلال المشاعر الإيجابية في الجمهور اليهودي حيال الطائفة الدرزية (الصادقة بحد ذاتها) من أجل جعل النضال ضد قانون القومية كنضال عادل ضد المسّ بمبادىء الديمقراطية وبالمواطنين غير اليهود.