أي عملية إسرائيلية لتدمير القوات الإيرانية في سورية متعلقة بالدبلوماسية الروسية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • اللقاء المنتظر اليوم (الأربعاء) في موسكو بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تنتظره واشنطن بتوتر، وكذلك القدس، ودمشق وطهران. ستركّز هذه المفاوضات على المحادثات المكثفة التي أجراها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاروه في بداية الأسبوع مع أردوغان، وعلى خريطة الطريق التي ترسمها تركيا لحل مسألة السيطرة على الجيب الكردي؛ لكن المواجهات الأخيرة بين إسرائيل والقوات الإيرانية في سورية وتبادل إطلاق الصواريخ من المتوقع أن يُطرحا أيضاً على جدول الأعمال المكثف للزعيمين. 
  • في الواقع تحظى إسرائيل مؤخراً بحُرية نسبية في معالجة وجود القوات الإيرانية في سورية؛ ويغطي ترامب العمليات العسكرية كجزء من استراتيجيا مشتركة بينه وبين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، هدفها تقليص الوجود الإيراني؛ روسيا أيضاً لم تردّ بصورة عدائية على الهجمات الأخيرة؛ لكن طول الحبل الذي ستحصل عليه إسرائيل لا يتعلق فقط بشبكة العلاقات مع موسكو، التي تحسنت مؤخراً، بل بتقدّم الخطوات السياسية التي تدفع بها روسيا قدماً [في سورية].
  • من الناحية العسكرية، لإسرائيل اليد الطولى ما دامت روسيا لا تكبحها أو تساعد دمشق من خلال منظومة سلاح متطورة مضادة للطائرات تقوي سورية، مثل صواريخ S-400 وS-500. لا تملك إيران قوة جوية في سورية، ويعتمد الدفاع عن قواتها على منظومة السلاح السورية.
  • في هذه الأثناء، يبدو إطلاق صواريخ على إسرائيل كعملية رد محدود لا ترغب إيران في توسيعها، في الأساس بسبب التقدير أن إسرائيل يمكن أن تضرب مؤسسات النظام السوري، وبذلك تدفع بشار الأسد وروسيا إلى التعامل مع الوجود الإيراني كخطر استراتيجي. مع ذلك من الواضح أن الهجمات الجوية وحدها لا تكفي لإخراج القوات الإيرانية من سورية، وإذا كان التطلع هو نحو تحقيق الهدف كاملاً، لا مفر من عملية برية لا تريد إسرائيل، على ما يبدو، أن تتورط فيها.
  • ومن هنا، إن كل عملية عسكرية إسرائيلية للقضاء على القوات الإيرانية متعلقة بتطور العمليات السياسية وبالتعاون مع روسيا التي أظهرت حتى الآن رغبة وقدرة ضئيلة على التأثير في خطوات إيران. وحتى التعهد بإبعاد القوات الإيرانية عن الحدود إلى عمق الأراضي السورية لم تنجح في إنجازه. بالاستناد إلى المواقف العلنية لكل من روسيا وسورية، انسحاب القوات الأجنبية يمكن أن يُطرح على جدول الأعمال فقط بعد التوصل إلى اتفاق شامل على بنية الحكم الجديد في سورية، وعلى أسلوب الدفاع عن الحدود السورية - التركية في وجه عمليات الميليشيات الكردية وناشطي حزب العمال الكردستاني (PKK)، وعلى دور روسيا وتركيا وإيران في استقرار الحكم الجديد.
  • عندما يجري التوصل إلى هذه الاتفاقات، يمكن أن تطلب سورية حينذاك انسحاب كل القوات الأجنبية، بما فيها قوات روسيا وتركيا وإيران، وأن تطالب بضمانات روسية ودولية للدفاع عن سيادتها في وجه الهجمات الإسرائيلية، وهذا السيناريو ما يزال بعيداً عن التحقق.
  • لم تتوصل الولايات المتحدة وتركيا إلى اتفاق بشأن الموضوع الكردي - تطلب واشنطن من أنقرة الامتناع من القيام بأي هجوم في المناطق الواقعة شمال شرق نهر الفرات التي يسكنها الأكراد، ولم تتعهد تركيا بذلك. طبعاً تستطيع الولايات المتحدة الضغط على الأكراد للتخلي عن السلاح الثقيل شرط أن تتعهد تركيا الدفاع عن أمنهم، لكن هذه الصيغة غير مقبولة من تركيا التي تدرك أنها قادرة على الحصول على أكثر من ذلك من واشنطن، ما دام ترامب مصراً على رغبته في سحب قواته من سورية.
  • روسيا، من جهتها، تسعى لاستكمال سيطرة الأسد على سورية، لكن من أجل هذه الغاية سيكون على روسيا وسورية السيطرة على الجيب المسلح للمتمردين في محافظة إدلب. تركيا التي تتخوف من عملية عسكرية واسعة في إدلب يمكن أن تؤدي إلى نزوح جماعي للاجئين إلى أراضيها، حصلت من روسيا على فترة تمديد للتوصل إلى اتفاق مع المتمردين؛ لكن حتى الآن لم تنجح تركيا في تحقيق ذلك.
  • إيران، الشريكة في الخطوات السياسية مع روسيا وتركيا، أُعطيت دوراً ثانوياً لأنها هي أيضاً خاضغة لإملاءات موسكو التي تمنحها أنبوباً للتنفس في مواجهة العقوبات الأميركية الخانقة.
  • نظرياً، تحتفظ روسيا بأداة ضغط كبيرة على إيران، لكن ما دامت الخطوات السياسية لم تنضج بعد، فهي لا ترغب في استخدامها لإجبارها على الانسحاب من سورية، وهذا طلب سيبدو كأنه خدمة روسية لإسرائيل وللولايات المتحدة. من هذا الموقف تستطيع روسيا أن تراقب من الخارج الهجمات الإسرائيلية، مادامت ليست موجهة مباشرة إلى الجيش السوري ولا تهدد الأسد. معنى هذا أن روسيا لا تعتبر نفسها مظلة دفاع لإيران في سورية، وكبح إسرائيل ستتركه إلى اللحظة التي يهدد فيها التصعيد المسّ بسلامة نظام الأسد، أو كعقاب على ضرب أهداف روسية.
  • يمكن أن تعتقد إسرائيل أن التقارب بين بعض الدول العربية، مثل دولة الإمارت العربية المتحدة والبحرين اللتين فتحتا مجدداً سفارتيهما في دمشق، والدعم المصري للأسد، وسعي روسيا لحصول الأسد على شرعية عربية ودولية، يمكن أن يساعد على إبعاد إيران. لكن هذا قد يبدو تمنيات أكثر منه خطة سياسية، لأن سورية لم تقطع علاقتها بإيران - حتى عندما كانت عضواً في جامعة الدول العربية.

بالنسبة إلى سورية، استئناف علاقاتها بالدول العربية ليس منظومة أدوات مترابطة يمكن أن تكون في إطارها علاقات مع كتلة عربية على حساب علاقاتها بإيران. بالإضافة إلى ذلك، استمرار الوجود الإيراني في سورية، ولو بقوات رمزية، يمكن أن يستخدمه الأسد كورقة سياسية ستسمح له بتعزيز سيطرته على لبنان أيضاً. في مواجهة مثل هذا السيناريو، سيكون من الصعب على إسرائيل أن تقدم رداً عسكرياً على الوجود الإيراني، ويبدو أن عليها "الاكتفاء" بمناوشات تكتية محدودة.

 

المزيد ضمن العدد 3013