انسحاب القوات الأميركية من سورية في نظر الإيرانيين
تاريخ المقال
المصدر
- ليس هناك من شك في أن قرار ترامب إخراج قوات بلاده من سورية يخدم إيران. في نظر الإيرانيين منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، تشكل الولايات المتحدة التهديد الأكثر خطراً عليهم. بناء على ذلك، الهدف الأعلى للاستراتيجيا الإيرانية هو تقليص وجود الولايات المتحدة ونفوذها في الشرق الأوسط، من أجل تحقيق الهيمنة في المنطقة. في العامين الأخيرين ازدادت مخاوف إيران، جرّاء سياسة ترامب حيالها، وفي الأساس انسحابه من الاتفاق النووي وقراره فرض عقوبات قاسية عليها مجدداً. هذه الخطوات، على خلفية سلوك الرئيس الأميركي غير المتوقع، زادت من قوة الردع إزاء إيران. والوجود الأميركي في سورية منح دعماً لإسرائيل، وعكس استعداداً لمساعدتها.
- قرار الانسحاب من سورية يمكن أن يقلص قدرة الردع الأميركية إزاء إيران، لأنه يُظهر الولايات المتحدة كدولة لا ترغب في استخدام القوة والمخاطرة. ويمكن أن تبدو الولايات المتحدة كأنها مستعدة لتقليص دورها في الشرق الأوسط، حتى لو أدى ذلك إلى المسّ بأمن حلفائها. مثل هذه الفكرة يمكن أن تقنع إيران بأنها أمام فرص جديدة للدفع قدماً بأهدافها في المنطقة، وخصوصاً في سورية والعراق.
- قبل كل شي، بعد قرار ترامب، يمكن أن تتمسك إيران برغبتها في إبقاء قواتها والمتعاونين معها في سورية وقتاً طويلاً. في الأشهر الأخيرة طُرحت تساؤلات بشأن مستقبل هذه القوات لعدة أسباب: ليس لدى الإيرانيين رداً عسكرياً جيداً على الهجمات الإسرائيلية؛ الولايات المتحدة طالبت بإخراجهم؛ روسيا أيضاً كان يمكن أن تعمل لإنهاء أو تقليص نشاطهم، ربما في إطار صفقة مع الولايات المتحدة، لمنع وقوع مواجهة واسعة بين إسرائيل وإيران ستضر بإعادة إعمار سورية. حالياً، يمكن أن يقلص خروج القوات الأميركية من إمكانية الضغط العسكري على إيران.
- ثمة تطور إضافي يتعلق بالفكرة الإيرانية المتعلقة بإقامة ممر بري ينطلق من إيران ويمر في العراق، ومن هناك يصل إلى سورية ولبنان. الهدف منه نقل عتاد عسكري وقوات الحرس الثوري والميليشيات الشيعية، وفي الأساس، من أجل حزب الله. بيْد أن مشروع الممر عُرقل بصورة جزئية، بسبب الهجمات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سورية، ونتيجة العمليات التي يقوم بها عناصر تنظيم داعش على الأرض، والخوف من أن الوجود العسكري الأميركي في مثلث الحدود بين العراق – سورية - الأردن سيعرقل استخدامه. على ما يبدو، شهد هذا الممر البري مرور شحنات قليلة وصغيرة، وفضّل الإيرانيون إرسال شحناتهم عن طريق الجو. ربما من المحتمل، بعد تقلُّص مخاوف الإيرانيين من عرقلة عبور شحنات السلاح بعد الخروج الأميركي، أن يقرر هؤلاء توسيع استخدام الممر.
- مع ذلك، وعلى الرغم من هذه الأمور، فإن التغيير، كما يبدو، لن يكون كبيراً. القوات الأميركية لم تهاجم القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية في سورية والعراق، إلاّ بحجم ضئيل، وفي منطقة محدودة وفي أوقات متباعدة. وتقريباً، جميع الهجمات ضد الأهداف الإيرانية، أكثر من 200 هجوم، نفذها سلاح الجو الإسرائيلي، وهي التي جعلت من الصعب على الإيرانيين بناء موقع عسكري في سورية وكشفت ضعفهم على الأرض، وقد أعلنت إسرائيل، وهي محقة في ذلك، أنها ستواصل مهاجمة أهداف إيرانية في سورية عند الحاجة، لمنع إيران من التمركز هناك.
على الرغم من خروج القوات، في إمكان الإدارة الأميركية مواصلة تقديم مساعدتها لإسرائيل ولجم بناء جبهة إيرانية في سورية. ما تزال الإدارة الأميركية تتمسك بموقفها السلبي حيال إيران، ومن المحتمل أن تزيد ضغوطها عليها. وأيضاً هي يمكن أن تقنع روسيا - بوسائل قليلة - بعدم مساعدة الإيرانيين على الأرض ضد الهجمات الإسرائيلية، وفي نهاية الأمر إخراج قواتهم من سورية.