سياسة الحكومة الإسرائيلية تؤدي إلى تعزيز قوة "حماس" وإضعاف السلطة الفلسطينية
تاريخ المقال
المصدر
- تشير التقديرات السائدة في أروقة قيادة الجيش الإسرائيلي إلى أن عملية الدهس التي وقعت في غوش عتسيون [منطقة الخليل] أول أمس (الاثنين) لا تؤذن بالضرورة بموجة عمليات من هذا القبيل، أو بتغيير في أنماط عمل الإرهاب في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]. لكن هذه العملية تنطوي على تذكير أليم آخر بالغباء والوقاحة اللذين يميزان عمل إسرائيل في مقابل السلطة الفلسطينية، والذي يتسبب بتعظيم قوة "حماس" ليس في غزة فقط بل أيضاً في الضفة.
- وإذا ما شئنا الدقة لا بد من القول بصراحة تامة إن إسرائيل تتبنى قائد "حماس" يحيى السنوار بصفته الزعيم الفلسطيني المركزي. وعندما يحلّق السنوار عالياً برعاية إسرائيل، يفقد محمود عباس ما تبقى لديه من قواعد تأييد في الضفة. ومن هنا تصبح الطريق قصيرة حتى الانفجار المحتمل للإرهاب الكامن في الضفة، وعملية غوش عتسيون هي نموذج بسيط منه.
- تشكل أحداث الأسبوعين الأخيرين مثالاً واضحاً لهذه السياسة الإسرائيلية المشوهة التي تؤدي إلى تعزيز قوة "حماس" وإضعاف السلطة الفلسطينية. وهي سياسة تخرج من ديوان رئاسة الحكومة وتحظى بدعم قادة المؤسسة الأمنية.
- في يوم 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، بعد أن استكملت "حماس" إطلاق مئات الصواريخ في اتجاه إسرائيل، وقبِل المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية - الأمنية توصية الجيش بوقف إطلاق النار، خرج الناطقون بلسان المؤسسة الأمنية في حملة إعلامية تشرح لنا أن "حماس" تعرضت لضربة قوية، وأنها توسلت من أجل وقف إطلاق النار، وتجد صعوبة في التحرّر من الصدمة التي تلقتها حين تبيّن لها أن قوات إسرائيلية سرية تتجول في القطاع من دون أن تطلب إذنها. قد يكون هذا صحيحاً، لكن في خضم ذلك نسي المسؤولون الأمنيون أن يحكوا لنا كيف حولنا زعيم حماس الذي تم التشهير به إلى بطل قومي. وفي رأيي يتعيّن على السنوار أن يقبّل يدي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على هذين اليومين الرائعين من المواجهة العسكرية مع إسرائيل واللذين تسببا دفعة واحدة بإحداث ثورة درامية في مكانته.
- قبل الكشف عن وحدة القوة الخاصة التابعة للجيش كان السنوار في إحدى نقاط الدرك الأسفل الأكبر في حياته السياسية. فقد اتهم بأنه باع غزة في مقابل حفنة دولارات (في الحقائب القطرية). والكل بدأ يستهزئ به - السلطة الفلسطينية ووسائل الإعلام العربية وسكان غزة، وجرى عرضه كما لو أنه تخلى عن الكفاح الوطني. بموازاة ذلك أعلنت الإدارة الأميركية عن جائزة بقيمة 5 ملايين دولار لمن يقدم معلومات عن رقم 2 في قيادة "حماس" صلاح العاروري، المقيم في بيروت. وفي نفس الوقت كانت "حماس" مستعدة لأن تتوصل إلى حلول وسط بعيدة الأثر مع السلطة الفلسطينية كي تبقى على قيد الحياة يوما آخر. عندها قدمت إسرائيل إلى "حماس" جميلاً كبيراً واستجابت بشكل معدوم التفكير السياسي للتحدي العسكري الذي وضعته قبالتها. ومنحت استقالة وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان "حماس" صورة النصر التي بحثت عنها. وفي اليوم الذي توقف فيه إطلاق النار أصبح السنوار الزعيم الفلسطيني المناوب.
- يمكن القول إنه من هذه النقطة بدأت عملية خطرة للغاية، من شأنها أن تؤدي إلى انفجار ليس في غزة، بل أساساً في الضفة. فقد دخل قادة "حماس" في حالة من الغرور. والعاروري إياه، "المطلوب" للولايات المتحدة، وصل الأسبوع الفائت إلى القاهرة (من دون أن يفكر أحد بتسليمه للأميركيين)، لإجراء محادثات بشأن موضوع المصالحة مع السلطة. وسرعان ما تبيّن أن كل الاتفاقات بين "حماس" والسلطة التي تم التوصل إليها في السنة الأخيرة بوساطة المصريين شُطبت وكأنها لم تكن. وأعلن العاروري أنه ليس هناك أي حديث بشأن دخول وزراء من رام الله إلى إدارة غزة. وفي "حماس" يتحدثون عن تشكيل حكومة وحدة وطنية الآن، وانتخابات فورية، ودخول سريع إلى منظمة التحرير الفلسطينية. فضلاً عن ذلك، قدّم وفد "حماس" برئاسة العاروري إلى المصريين قائمة مطالب من إسرائيل، لا يمكن لهذه الأخيرة أن تستجيب لها، مثل المطلب بتوسيع مساحة الصيد في شواطئ غزة من 9 أميال إلى 20 ميلاً، في حين أن اتفاقات عملية "الجرف الصامد" [2014] تحدثت عن حتى 12 ميلاً. كما تطالب "حماس" بخط كهرباء آخر من إسرائيل بتمويل قطري علماً بأن إسرائيل لا يمكنها أن تفعل ذلك، إذ إنه في كل ما يتعلق بإقامة البنى التحتية مطلوب الحصول على إذن من السلطة الفلسطينية، وإزالة معظم القيود المفروضة على استيراد وتصدير البضائع من غزة.
- لا شك في أن نشوء وضع يؤدي فيه النشاط العسكري والسياسي الإسرائيلي إلى تعزيز قوة "حماس" وتحطيم السلطة الفلسطينية هو غير منطقي، ويستلزم من إسرائيل إعادة النظر في المسار العسكري وأساساً المسار السياسي. عندما تضعف السلطة الفلسطينية تضعف أجهزة الأمن الفلسطينية أيضاً. والخوف الأكبر هو أن يتعزّز الاعتقاد في أوساط سكان الضفة أن العنف ضد إسرائيل مُجد. فمن هنا لا يمكن أن يندفع القطار سوى في اتجاه واحد: التصعيد الأمني.