نتنياهو يرسم ملامح اليمين الوسطي الجديد في إسرائيل
المصدر
مكور ريشون

صحيفة إسرائيلية يومية بدأت بالظهور في سنة 2007. تميل نحو مواقف اليمين وتؤيد نشاطات المستوطنين في الضفة الغربية، كما تعكس وجهة نظر المتدينين في إسرائيل.

المؤلف
  • الأحداث المتداخلة في الأسبوعين الأخيرين، والتي بدأت بأحداث أمنية في قطاع غزة ومستوطنات غلاف غزة، وامتدت إلى المجال السياسي، هي مؤشر أكيد على وجود تطورات مهمة في إسرائيل مختفية، في أغلبيتها، تحت السطح. لقد كان التوجّه العام البارز هو نحو تفسير وقف إطلاق النار مع "حماس"، واستقالة ليبرمان من الحكومة، والأزمة السياسية التي كادت أن تقود إسرائيل تقريباً إلى الانتخابات، كتعبير عن ضعف وعجز وتردد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
  • هذا بالتأكيد تفسير مشروع، ويوجد في الساحة السياسية من كلا الطرفين مَن سيحاول ترويجه لأسباب واضحة. لكن مَن لم يقع في فخ الشعبوية الجماهيرية - الإعلامية، في إمكانه أن يرى في هذه الخطوة نضجاً سياسياً وفكرياً لليمين الإسرائيلي برئاسة نتنياهو. بعد مرور عقد على حكم نتنياهو يتموضع رئيس الحكومة ليس فقط كوريث لنهج ديفيد بن -غوريون، بل كمن يرسم من خلال أفعاله حدود الملعب السياسي - الرسمي الذي تلعب فيه دولة إسرائيل كلها.
  • عدم الارتياح الذي برز في اليمين وفي اليسار إزاء نتنياهو كان تعبيراً عن هذه الخطوة التي يجد المتطرفون السياسيون في اليمين واليسار صعوبة في قبولها. فخلال فترة حكم نتنياهو الطويلة ازدادت الفجوة بين الفكر المتطرف الذي حمله اليمين وبين تصرف نتنياهو العاقل. وازدادت الأمور وضوحاً في أعقاب انهيار الوضع الأمني في القطاع منذ انكشاف ما يراه كثيرون "الخدعة" بين التصريحات النارية التي برزت في السنوات الأخيرة من أطراف في الحكومة إزاء "حماس" وقيادتها، وبين توجّه حكومة نتنياهو، ليس فقط إلى المحافظة على حكم "حماس" لأسباب استراتيجية واضحة، بل أيضاً إلى السعي لتسوية بعيدة الأمد تستند إلى صفقة تقايض من خلالها إسرائيل أمن مواطنيها في مقابل الرفاه الاقتصادي لسكان القطاع.
  • هذا السلوك كرر نفسه أيضاً بشأن كل ما يتعلق بسلوك حكومة اليمين تقريباً على كل جبهة محتملة. لقد ربطت حكومة نتنياهو نفسها بصفقات مماثلة أيضاً مع القيادات الفلسطينية في رام الله، وحتى مع القيادة العربية في إسرائيل. وتعاونت مع الاثنتين في صفقات كانت عناوينها العريضة الاستقرار الذي تحول إلى سلعة مطلوبة في الواقع الإقليمي غير المستقر. هكذا، على الرغم من الخطاب الناري، أظهرت حكومات نتنياهو ضبط نفس استراتيجي كبير، وامتنعت عن مغامرات أمنية. وينطبق هذا على المشكلة مع إيران التي اعتُبرت تهديداً وجودياً.
  • في الوقت عينه، عمل نتنياهو من وراء الكواليس بصمت لافت على توسيع نفوذ إسرائيل الإقليمي وتوثيق العلاقات الاقتصادية مع جزء من العالم العربي، بمن فيه دول لا تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل، مثل عُمان. كل ذلك في ضوء واقع عدم وجود تسوية على الصعيد الفلسطيني التي قُدمت طوال سنوات كعائق في طريق تطبيع العلاقات الإسرائيلية - العربية. من هذه الزاوية، تحديداً، منح نتنياهو مصطلح الشرق الأوسط الجديد أهمية عملية أوسع كثيراً ممن اخترع الفكرة.
  • على صعيد البراغماتية السياسية، لم يطرح نتنياهو رؤية "السلام" الأبدي التي يتبناها اليسار، ولا فكرة دولتين لشعبين على الرغم من تبنيه لها ظاهرياً في خطاب بار – إيلان. لكن من جهة أُخرى، لم يطرح أي شيء لتحقيق رؤية ضم يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، وطرد السلطة الفلسطينية، واحتلال قطاع غزة، على الرغم من وعوده العلنية بالاستيطان في أرض إسرائيل كلها، وعلى الرغم من أنه قام بتوسيعه. لقد سار نتنياهو بحذر بين الاثنين متمسكاً بالواقعية التي اعتُبرت، من وجهة نظر المطالبين بحلول نهائية من الجانبين من خلال مفاهيم غير صحيحة في الأساس، مراوحة وكسلاً ومحافظة على الأمر الواقع وانعداماً للرؤية.
  • من هذه الناحية ربما يجب أن ننظر إلى نتنياهو بصفته مَن أعاد تعريف اليمين في دولة إسرائيل بمفاهيم حركة وسطية من الناحية الفكرية والسياسية. لقد تحول حزب السلطة المركزي "الليكود"، عملياً، في ظل حكمه إلى الوريث الأكبر لحزب مباي التاريخي.
  • بعمله هذا، لم يحوّل نتنياهو اليمين إلى حزب وسط حقيقي، وإنما أيضاً رسمَ الحدود السياسية – الفكرية لليمين واليسار. ومَن يريد العثور على دليل سياسي لهذه العملية يمكن أن يجده في العقد الأخير من خلال ولادة أحزاب وسط بارزة مثل "يوجد مستقبل" و"كلنا"، وعلى جدول الأعمال تنظيم سياسي جديد لرئيس الأركان السابق [بيني غانتس]، والمؤكد أكثر الحزب الجديد لعضو الكنيست أورلي ليفي أبوكسيس[التي انشقت عن حزب إسرائيل بيتنا].
  • كل واحد من هؤلاء تبنى أفكاراً براغماتية، بما في ذلك على المستوى السياسي، وبهذه الطريقة يمكنهم الاتفاق مع حزب السلطة، وحتى الانضمام إلى حكومة نتنياهو.
  • المفارقة الكبيرة هي أن عملية النضج هذه التي عبّرت عنها وسطية حزب السلطة بقيادة بنيامين نتنياهو جرت بموازاة عملية معاكسة. إنها عملية تزداد في إطارها علامات الاستفهام بشأن المستقبل السياسي والشخصي لرئيس الحكومة في ظل جملة التحقيقات التي تتعلق بقضايا الفساد العام. التقدير المعقول هو أن نتنياهو سيفوز أيضاً في المعركة الانتخابية التي ستجري في سنة 2019. وسيكون هو من سيؤلف الحكومة المقبلة. لكن التحقيقات القضائية ستتواصل على ما يبدو في إطار عملية لا مفر منها وربما ستؤدي إلى تقصير ولايته المقبلة.
  • مع ذلك، فإن العملية المهمة التي قادها نتنياهو من أجل تعريف حزب الوسط السياسي - الفكري في إسرائيل ستستمر. في اليوم التالي لرحيل نتنياهو ستستمر اللعبة السياسية في المجال الوسطي الموجود بين أطراف أقل أهمية في الخريطة السياسية الإسرائيلية من ناحية قدرتهم على طرح رؤية لإسرائيل منسجمة مع الواقع.
  • يبدو أن هذا الموضوع فهمه أيضاً رئيس حزب البيت اليهودي الذي اتخذ في اللحظة الأخيرة القرار الذي يتلاءم مع حزب وسط سياسي، ولا يتلاءم مع حزب هامشي - قطاعي.
 

المزيد ضمن العدد 2975