لماذا دعا السلطان قابوس نتنياهو إلى زيارته؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • في شباط/فبراير 2018، قام وزير الخارجية العُماني بأول زيارة له إلى السلطة الفلسطينية وبزيارة غير رسمية إلى إسرائيل. واعتُبرت زيارة إسرائيل زيارة دينية للمسجد الأقصى، ولم تنتبه إليها وسائل الإعلام. مع ذلك فالكلام الذي قاله في رام الله كان مفاجئاً وذهب فيه إلى أبعد من تصريحات السلام المذهلة في زمن الرئيس المصري أنور السادات، والملك حسين ملك الأردن.
  • قبل نحو عامين تلقيت دعوة مع مجموعة صغيرة دولية من السلطان قابوس بن سعيد السعيد لزيارة بلاده. هو أقدم حاكم في العالم الإسلامي. قيل لي إنني أول شخص يصل إلى عُمان بجواز سفر إسرائيلي منذ نشوب الانتفاضة الثانية. منذ تلك الفترة ظهرت بوادر للتغيير في سياسة عُمان إزاء إسرائيل، وزيارة وزير الخارجية في شباط/فبراير عززت ذلك.
  • لم يشجب وزير الخارجية العماني الاحتلال، ولم يأت على ذكر حدود 1967 أو حق العودة، مع أنه من الواضح أن تأييده الدولة الفلسطينية معناه انسحاب إسرائيلي ما. وهو أيضاً لم يشجب نقل الولايات المتحدة السفارة [الأميركية إلى القدس]، ولم يطالب بعاصمة فلسطينية في القدس. ما قاله بن علوي هو "إن الحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية اليوم تشبه الإلحاح الذي برز لإقامة دولة إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية. "يومها" كان هناك إرادة دولية لإقامة إسرائيل" كما أن، بحسب كلامه، " إقامة دولة فلسطينية تتحول اليوم إلى حاجة استراتيجية للعالم كله". يجري هذا بينما شريكنا في السلام، محمود عباس، يرفض حق إسرائيل في الوجود، وهي في رأيه صنيعة الاستعمار الغربي، ويطلب من بريطانيا الاعتذار عن تصريح بلفور.
  • لماذا وافق السلطان قابوس الآن على زيارة رسمية لرئيس الحكومة الإسرائيلية (قبل أسبوعين ونصف)؟ تنتج عُمان نحو مليون برميل نفط يومياً، وكميات من الغاز تؤمن دخلاً مشابهاً. هذا ليس كثيراً، لكن بسبب عدد السكان المتواضع (نحو ثلاثة ملايين نسمة، بينهم مليون ونصف المليون عمال أجانب، يعيشون على مساحة أرض أكبر بـ12 مرة من مساحة إسرائيل)، وبسبب ضآلة الفساد في الحكم، وبسبب السياسة الاقتصادية الحذرة، يحظى المواطنون بمستوى حياة جيد. هذا ما رأيته وسمعته في عُمان، بما في ذلك من "رجل الشارع" ومن رجال الأمن في بيت الضيافة الرسمي الذي أقمنا فيه.
  • هناك دعم للغذاء والكهرباء والوقود، والعلاج الطبي مجاني. والحصول على شقة من ثلاث غرف من المستوى الوسطي الإسرائيلي هو في متناول أي زوجين جديدين في أطراف العاصمة مسقط.
  • أجور العمال الأجانب منخفضة، لكن العلاقة معهم أفضل مما هي عليه في أغلبية دول النفط. الاستقرار الأمني ناجم أيضاً عن وجود جيش صغير وأجهزة أمن فعالة: تعامل المعارضة كلها بصرامة. ومع ذلك فقد رافقني طول الوقت شعور أن الاستقرار لا يستند إلى أرض صلبة بل هو نتيجة التصرف الحذر والمحافظة على التوازن.
  • الخطر الداخلي الأساسي الذي يهدد الاستقرار هو التنوع السكاني، وسوء صحة السلطان. فهو لا وريث له، وعلى الرغم من إصدار تعليمات مفصلة (ومعقدة جداً) بشأن كيفية ضمان انتقال منتظم للحكم بعد موته، ليس هناك ما يضمن أن ما يبدو أنه نظام مستقر بين الجماعات السياسية والإثنية والدينية لن ينهار. والخوف من غيابه عن الساحة يزيد من شعبية قابوس. صحيح أن هناك برلماناً، لكنه الحاكم الوحيد. هناك شكاوى، لكن عدم وجود معارضة عنيفة يدل على أن الجمهور، في أغلبيته، يقبله لأنه يشعر بأنه سيحدث تدهور من دونه.
  • الاستقرار ناجم أيضاً عن الموقف الحيادي الذي تقفه عُمان إزاء كل النزاعات في العالمين العربي والإسلامي. تقريباً جميع العمانيين مسلمون، لكن أغلبيتهم ليست سنية ولا شيعية بل إباضية، وهي إحدى فرق الخوارج المتشددة التي تعود إلى القرن السابع. وهم اليوم أبناء الطائفة الأكثر اعتدالاً. وضع المرأة جيد نسبياً، وفي كل فندق يمكن شرب الكحول. ومسجد السلطان الفخم مفتوح أمام الزوار.
  • يتمتع قابوس بعلاقات جيدة بالعالم الإسلامي، ويؤدي دور الوسيط والمصلح. اهتمامه بتهدئة النزاعات ناجم عن أهمية منصبه، وأيضاً عن أن حدوث اضطرابات إقليمية كبيرة، مثل مواجهة سنية – شيعية، أو أميركية- إيرانية، يمكن أن يؤدي إلى انحراف سفينته التي تبحر حالياً في مياه هادئة.
  • يحاول السلطان الدفع قدماً بتسوية تهدىء من اللهب في الأزمة الإسرائيلية – الفلسطينية، والتوسط من دون محادثات مباشرة ليس توسطاً. لذلك زار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عُمان قبل زيارة نتنياهو. وفي دائرة أوسع، زيارة وزير الخارجية العُماني في شباط/فبراير، وزيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية مؤخراً، الهدف منهما التوسط بين السلطة الفلسطينية وبين إدارة ترامب.
  • في إمكان عُمان مساعدة دونالد ترامب تحديداً لأنها بعيدة عن النزاع. لذلك يستطيع السلطان قابوس أن يعرض على عباس أفكاراً لن يكون رئيس السلطة مستعداً للاستماع إليها من أي مصدر آخر. ومساعدة ترامب مهمة، لأن في استطاعة ترامب أن يقدم لعُمان ضمانات أمنية أميركية.
  • المواجهة الأميركية – الإيرانية ارتفعت درجة، وفي الأسبوع الماضي بدأ تطبيق المرحلة الجديدة من العقوبات الاقتصادية. وبسبب علاقات عُمان الاقتصادية والسياسية بإيران، فهي عرضة لخطوات انتقامية أميركية. لذلك من المهم للسلطان أن يثبت لترامب الفائدة التي يمكن أن تقدمها عُمان إلى إدارته في السياق الإسرائيلي- الفلسطيني.
  • وإذا كان السلطان قابوس يحاول، كما يقال في الإعلام، التوسط أيضاً بين الولايات المتحدة وإسرائيل وبين إيران، فلا توجد فرصة له في النجاح وهو يعلم ذلك، لكن تصبح هناك أهمية للاقتراح بحد ذاته، في اللحظة التي سيتغير شيء ما في الولايات المتحدة وفي إيران أو لدى الطرفين.
  • من شبه المؤكد أن السلطان لن يدفع ثمن زيارة نتنياهو إلى بلاده. إيران ليست راضية عن الزيارة لكنها بحاجة إلى عُمان. في العالم العربي هو يهاجم من قبل الإسلاميين ومثقفين متشددين، لكن ليس من الأنظمة. على ما يبدو كان هناك تنسيق مسبق في هذا الشأن مع دول الخليج.

إن حظوظ الوساطة العمانية في تحريك العملية السياسية ضئيلة. لكن حتى لو فشلت الوساطة، فإن خطوة قابوس هذه ساهمت في أمن بلده. ومن المحتمل أيضاً أن تعاوناً تكنولوجياً واستخباراتياً مع إسرائيل يساعد عُمان، في مقابل قيام علاقات تجارية. لقد حسنت زيارة نتنياهو وضع نتنياهو وأدت إلى تآكل وضع عباس. كما شجعت على خطوات مشابهة في دول أخرى وهذا التوجه سيتواصل. من المحتمل أن يؤدي هذا الأمر إلى تخفيض سقف التوقعات الفلسطينية. لكن هذا هدف ربما لا يمكن  تحقيقه على الاطلاق.