•في نهاية الأسبوع الماضي، أُعلن في مدينة درعا في جنوب سورية، دفن الثورة السورية التي نشبت فيها قبل أكثر من 7 سنوات. رفع المتمردون الذين سيطروا على المدينة وعلى ضواحيها الأعلام البيضاء واستسلموا لقوات الرئيس الأسد. منذ البداية لم يكن لديهم أي فرصة في مواجهة هجمات نظام الأسد الجوية، وخصوصاً في مواجهة حلفائه الروس.
•الأمر الذي لا يقل حسماً بالنسبة إلى المتمردين ما سمّوه "خيانة" الولايات المتحدة. فلقد تعهدت هذه قبل نصف عام بحماية المتمردين والدفاع عنهم، لكن في اللحظة الحاسمة فضّل الأميركيون عقد صفقة مع بوتين، والسماح للنظام السوري بالسيطرة على جنوب سورية وهضبة الجولان.
•لقد سلّمت إسرائيل بعودة الأسد إلى السياج الحدودي في الجولان. فهي أصلاً لا قدرة لها على منع عودته بواسطة تدخل عسكري امتنعت من القيام به حتى الآن وكانت على حق. إلى جانب ذلك، طوال العقود الأربعة الأخيرة حرص بشار الأسد، وقبله والده، على المحافظة على الهدوء على الحدود. وهذا ما فعله أيضاً بشار الأسد عندما نشبت الحرب، وعندما هاجمت إسرائيل أهدافاً تابعة لإيران ولحزب الله في أراضيه.
•لقد انتصر الأسد في الحرب في سورية، لكن انتصاره ناقص وهو بحاجة إلى سنوات كثيرة من أجل إعادة بناء الدولة وبصورة خاصة إعادة بناء جيشه. ومصيره في هذه الأثناء بيد حلفائه الذين يدين لهم بانتصاره، أي روسيا بوتين، وبدرجة ليست أقل إيران وحزب الله. ويبدو أن الفخ يكمن هنا بالنسبة إلى إسرائيل فقط: ليس الأسد سيعود مجدداً إلى السياج الحدودي، بل سيكون وراءه هذه المرة التنظيمات الدائرة في فلك إيران.
•صحيح أن إسرائيل تطالب بإبعادهم عن الحدود كمرحلة أولى، على طريق إبعادهم عن سورية، لكن موسكو وواشنطن استقبلتا مطالبها بتعاطف وتأييد وليس بموافقة وتعهدات. بل بالعكس، على كل تصريح في هذا الاتجاه أتى تصريح مناقض له؛ مثلاً تصريح وزير الخارجية الروسي بأن الوجود الإيراني في سورية شرعي ومن غير الواقعي توقُّع سحب إيران قواتها. ويبدو أنه ليس هناك أحد يرغب، أو يستطيع، إبعاد الإيرانيين عن الحدود وعن سورية بأسرها. هم لم يوظفوا عشرات المليارات وآلاف الشهداء في سورية للخروج منها فقط تلبية لطلب إسرائيل.
•يتعاظم التحدي الذي تواجهه إسرائيل إزاء التوجه الآخذ بالظهور، والذي يشير إلى أن إيران متوجهة نحو مواجهة شاملة، أو على الأقل نحو كباش قوة مع دونالد ترامب. لقد سبق أن حذّر الإيرانيون من أنه إذا حاول الرئيس الأميركي خنقهم ووقف تصدير النفط، فإنهم سيردون بقوة وسيوقفون تصدير النفط من دول الخليج العربية إلى الغرب. هذا التهديد الواضح وغير المسبوق لم يأت من ضابط صغير في الحرس الثوري، بل من الرئيس روحاني الذي من المفترض أنه يمثل التيار المعتدل في الدولة. لكن الضغط الفظيع الذي يتعرض له الإيرانيون، والخوف من خطوات ترامب لم يُبقيا لهم غير سلاح التهديدات.
•ثمة شك في أن إيران تريد فعلاً مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة ومع الخليج، فهذا سيناريو خطر ومكلف بالنسبة إليها. في مقابل ذلك، مواجهة محدودة في الجولان مع إسرائيل، مع تدخل غير مباشر من جانب إيران، يمكن أن تبعث بالرسائل الرادعة إلى ترامب وحلفائه، وتسهّل على الإيرانيين التوصل إلى صفقة تضمن الهدوء في الجولان، وفي الوقت عينه تزيل العقوبات المؤلمة التي فرضها عليهم الأميركيون.
•عودة الأسد إلى الجولان لا تبشر بالضرورة بعودة الهدوء إلى المنطقة التي من المحتمل أن يحوّلها الإيرانيون إلى ملعب مواجهة محدودة، ليس فقط في مواجهة إسرائيل بل أيضاً في مواجهة الولايات المتحدة، وعلى الرغم من وقوف إسرائيل حالياً وحدها في ساحة المواجهة، فإنه يتعين عليها أن تتحمل مسؤولية كبح إيران.