الأوضاع في منطقة الحدود مع غزة شبيهة إلى حد بعيد بما كان عشية عملية "الجرف الصامد"
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف

•مرّت هذه الأيام الذكرى الرابعة لعملية "الجرف الصامد" العسكرية - حرب غزة الثالثة. ويبدو أن الحرب الرابعة على الطريق. مرّت 4 أعوام من الهدوء الآخذ بالتلاشي. ويمكن القول إن حركة "حماس" مرتدعة لكن ليس بما فيه الكفاية. وإسرائيل قوية أكثر من أي وقت مضى، لكنها غير معنية بحل طويل الأمد، استراتيجي، بل بتكتيك هنا وتكتيك هناك. ولعل من الأصح ألاّ نتحدث بصورة عامة عن "إسرائيل"، بل عن حكومة إسرائيل وسياستها. 

•يوم الجمعة الفائت أُطلقت مرة أُخرى مجموعة من البالونات التي تسببت، مثلما هي عليه الحال في الأيام المئة الأخيرة، بإحراق حقول وكروم وأحراج في مستوطنات غلاف غزة. وفي الأسبوع الفائت أيضاً غرّد أحد كبار رجالات "حماس"، موسى أبو مرزوق، أن حركته مستعدة لإقامة دولة فلسطينية في خطوط 4 حزيران/ يونيو - الضفة الغربية وغزة - عاصمتها القدس. كما توجد أصوات أُخرى في "حماس" مثل محمود الزهار، ممن هم غير مستعدين لأي حل وسط، وأصواتهم تطيب أكثر لآذان حكومة بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان.

•بدأت حرب غزة الثالثة قبل 4 أعوام من دون أن يكون أي من الجانبين - إسرائيل و"حماس" - راغباً فيها. وقد انزلقا إليها في عملية تصعيد الفعل وردة الفعل. ولهذا السبب أيضاً لم يكن هناك خطة لكيفية إنهائها. وفي أثنائها كان هناك أكثر من عشر حالات اتفاق لوقف النار تم خرقها. وفي نهاية المطاف وضعت الحرب أوزارها بفضل وساطة المخابرات المصرية أساساً.

•كشفت الحرب قيود الجانبين، والتي هي نتيجة نقاط الضعف والقوة لديهما. وبالنسبة إلى إسرائيل، كشفت الحرب قوة النار الهائلة لدى الجيش الإسرائيلي، إلى جانب قوة المناورة المحدودة في مواجهة حرب العصابات لـ"حماس" والأنفاق الدفاعية.

•جبت الحرب ثمناً دموياً قاسياً من الجانبين. فإسرائيل فقدت 68 جندياً، 5 مدنيين ومواطناً أجنبياً. وأُصيب نحو 1600 جندي و830 مدنياً بجروح. في المقابل قُتل نحو 2200 فلسطيني، نصفهم ناشطون في منظمات الإرهاب والباقون مدنيون، نحو ثلثهم أطفال.

•وتم إطلاق نحو 4600 صاروخ وقذيفة صاروخية في اتجاه إسرائيل، أسفرت عن إلحاق ضرر قليل نسبياً، وذلك بفضل أداء منظومة "القبة الحديدية" أيضاً. لكن على مدى أيام طويلة شُلّت إسرائيل. كما أن بعض الصواريخ التي سقطت في منطقة الوسط أدت إلى تعطيل المطار الدولي الوحيد للدولة [مطار "بن غوريون"] لنحو 24 ساعة بعد أن رفضت الشركات الدولية الطيران إلى البلد. أمّا الضرر الذي لحق بغزة فكان هائلاً طبعاً، إذ تم تدمير وإصابة آلاف المباني.

•لا شك في أن الحرب حققت بعض الإنجازات لإسرائيل. فقد فهمت "حماس" مبلغ قوة الجيش الإسرائيلي، ولذا فإنها لا تسارع إلى جولة حربية أُخرى. كما أن قدرات "القبة الحديدية" تحسنت أكثر فأكثر، وفي الأسبوع الفائت أُجريت تجربة خاصة لزيادة مداها. وطورت إسرائيل تكنولوجيا تساعد على اكتشاف الأنفاق. ومنذ الحرب تم كشف وتدمير نحو 15 نفقاً هجومياً، عبر هجمات من الجو، وعملياً بات واضحاً لـ"حماس" أيضاً أن إسرائيل نجحت في تعطيل إحدى أدواتها القتالية الاستراتيجية. والضغط من جانب مصر يمس بقدرة "حماس" على تهريب السلاح إلى القطاع، الذي كان يصل في الماضي من إيران عبر السودان أو من ليبيا عبر مصر. ويمكن الافتراض أن هذه المسالك مسدودة بما فيه الكفاية بفضل التعاون الاستخباراتي - الأمني الآخذ بالتعزّز بين مصر وإسرائيل.

•تجد "حماس" نفسها في عزلة دبلوماسية، وعلاقاتها مع مصر وفي واقع الأمر مع معظم العالم العربي مهزوزة. والمصالحة مع السلطة الفلسطينية فشلت، بل إن هذه الأخيرة انضمت هي أيضاً إلى الحصار الذي تفرضه إسرائيل ومصر على "حماس" وعلى سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة. وتشهد حركة "حماس" جدلاً كبيراً، أساساً بين الجناحين العسكري والسياسي، بشأن تحسين العلاقة مع إيران. ومع أنه يصل حالياً كل سنة نحو 100 مليون دولار من طهران إلى القطاع، فمن الواضح أنه في مقابل مساعدة سخية أكثر ستصبح "حماس" تابعة لإيران بصورة تامة.

•مع ذلك يتبين أن ليس فقط "الرأس اليهودية تخترع لنا ابتكارات"، بل إن الرأس الحمساوية تطوّر هي الأُخرى ابتكارات ترمي إلى التغطية على ضعف الحركة. فهي تنتج صواريخ من إنتاج ذاتي، وتؤهل مقاتلين لقتال الكوماندوس البحري، وتنشئ ذراعاً جوية، ووحدة سايبر، وفوق كل شيء تكتشف القوة التي في ضعفها – سلاح الطائرات الورقية والزجاجات الحارقة.

•أمام كل هذا تواجه إسرائيل صعوبة في إيجاد حل عسكري، وترفض تحريك أي عملية سياسية – اقتصادية. وفي الأشهر الأخيرة ثمة مؤشرات إلى أن "حماس" تعيش في فخ، وإلى أنها مستعدة لأن تأخذ على عاتقها مخاطرات أكبر وتخاف أقل من المواجهة العسكرية. ويعتقدون في "حماس" أن من شأن خطوة عسكرية فقط أن تنقذهم من الفخ.

•يسود لدى "حماس" أيضاً الشعور بأن إسرائيل معنية بإسقاط حكمها، وبأن هذه الأخيرة يراودها أمل بأن سكان القطاع الذين يعيشون في أزمة غير مسبوقة سيخرجون إلى الشوارع ويسقطون حكم "حماس". كما تدرك "حماس" أن إسرائيل لن توافق على إعادة تـأهيل القطاع طالما لم تتحقق صفقة تبادل للأسرى والجثث، وهي مستعدة لصفقة كهذه، لكنها تطلب ثمناً تجد حكومة اليمين، المعرضة للضغط الشديد من عائلة الجندي هدار غولدين، صعوبة في دفعه، وبالتأكيد حين يكون احتمال الانتخابات في الخلفية.

 

•في هذه الأثناء، فإن ما تأمل به حكومة نتنياهو هو اجتياز فصل الصيف الحالي بسلام. لكن لا بد من القول إن الوضع الحالي في منطقة الحدود مع قطاع غزة شبيه إلى حد كبير بالوضع الذي وجدنا فيه أنفسنا قبل 4 أعوام، أي على أعتاب جولة حربية جديدة لا يرغب أحد فيها.