من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•سجلوا: أنا أوري أفنيري، رقمي العسكري 44410، أعلن بهذا قطع علاقتي بالقناصة الذين يقتلون متظاهرين عزلاً على طول الحدود مع قطاع غزة، وقطع علاقتي بقادتهم الذين يعطونهم الأوامر، من أصغر ضابط وصولاً إلى رئيس الأركان، نحن لا ننتمي إلى هذا الجيش؟ ولا ننتمي إلى هذه الدولة. وبصعوبة نحن ننتمي إلى نفس النوع البشري.
•هل ترتكب حكومتي "جرائم حرب" على طول الحدود مع قطاع غزة؟ لا أعرف. لست قاضياً. يبدو أن أعضاء محكمة الجنايات الدولية يعتقدون أن أفعال الجنود تشكل فعلاً جرائم حرب.
•هم يطالبون بتحقيق دولي. ومن أجل منع ذلك، تقترح قيادة الجيش الإسرائيلي إجراء تحقيق عسكري إسرائيلي. هذا أمر سخيف للغاية، جيش يحقق مع نفسه بشأن عمليات تنفذ أوامر رئيس الأركان.
•لقد أعلنت السلطة في غزة أن التظاهرات غير المسلحة ستجري كل أسبوع بعد صلاة يوم الجمعة حتى ذكرى النكبة. وكما هو معروف سابقاً فقد انتشر قناصة على طول السياج الحدودي وأُعطيت لهم الأوامر بقتل" المحرضين" من الجانب الثاني من السياج. وخلال يومي الجمعة الأولين قُتل 29 متظاهراً أعزل، وجُرح أكثر من ألف جرّاء إطلاق النار من جانب القناصة.
•بالنسبة إلي هذه ليست مشكلة قانونية، إنها جريمة، ليس فقط إزاء الضحايا العزل، بل أيضاً إزاء الدولة الإسرائيلية والجمهور الإسرائيلي والجيش الإسرائيلي. وبما أنني كنت جندياً عندما أقيم هذا الجيش، فما جرى هو جريمة بالنسبة إلى رفاقي وإلي.
•في الأسبوع الماضي بثت وسائل الإعلام شريطاً قصيراً، شاهدنا فيه كيف يعمل القناص من زاويته. هو يشاهد المتظاهرين من على مسافة عدة مئات من الأمتار. البندقية المزودة بمكبر تتحرك هنا وهناك حتى تركز على شخص معين، بالصدفة يرتدي قميصاً زهرياً. يطلق القناص النار ويسقط الشخص. نسمع حوله صيحات ابتهاج من جنود لا نراهم. كما لو أنه صياد نجح في قتل أرنب.
•يُعتبر هذا خروجاً واضحاً عن الوصية اليهودية التي تقول: "عندما يسقط عدوك لا تفرح، وجرّاء فشله يُسرّ قلبك" (سفر الأمثال 24:17). لقد رأى الجمهور الإسرائيلي الشريط عندما عرضه التلفزيون، ولم يظهر احتجاج، باستثناء مقالات ورسائل إلى هيئة تحرير "هآرتس".
•لم يجر هذا ما وراء البحار. هو جرى بالقرب منا، على بعد 45 دقيقة بالسيارة من منزلي في تل أبيب. والقاتل لم يكن مرتزقاً شرساً. هو والجنود الذين هتفوا حوله، هم شبان عاديون، جرى تجنيدهم في سن الـ18. وهم ينفذون الأوامر فقط. لم نسمع عن حادثة رفض واحدة لتنفيذ الأوامر.
•قبل بضعة أسابيع كنت أشعر باحترام كبير للضابط الرفيع الكبير في الجيش، اللواء غادي أيزنكوت. الضباط الذين حوله هم تقنيون عسكريون فقط، لكنه هو تحديداً أظهر أنه قادر على المحافظة على شرف الجيش ضد البلطجي الذي يحمل لقب وزير دفاع. ليس بعد اليوم. أيزنكوت هو الذي أعطى الأوامر القاتلة. وهو الذي أمر القناصة بإطلاق النار على متظاهرين غير مسلحين. لماذا بحق السماء؟
•مثل البريطانيين في الهند والعنصريين البيض في ألاباما، لا تعرف حكومة إسرائيل ماذا تفعل في مواجهة احتجاج جماهيري غير عنيف. فهي لم يسبق لها أن واجهت ذلك. اللاعنف غير موجود في التقاليد العبرية.
•بالصدفة شاهدت هذا الأسبوع الفيلم الكلاسيكي عن المهاتما غاندي. لقد جرّب البريطانيون كل شيء، ضربوا غاندي وآلاف من مؤيديه بوحشية فظيعة. وقتلوا الآلاف بالنيران الحية. غاندي ورفاقه تحملوا كل التعذيب ولم يستسلموا، حينئذ استسلم البريطانيون وغادورا.
•هكذا فعل العنصريون البيض في حربهم ضد مارتن لوثر كينغ ورفاقه في ألاباما. أحد مؤيديه من الفلسطينيين جاء إلى البلد وحاول إقناع أبناء شعبه باستخدام هذا الأسلوب. الجيش الإسرائيلي فتح النار وردّ الفلسطينيون بالكفاح المسلح. ليس هذه المرة. "حماس" (تحديداً الحركة العنيفة) دعت السكان إلى محاولة استخدام الاحتجاج غير المسلح. فاستجاب عشرات الآلاف لندائها. وهذا يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير متوقعة. بينها إعطاء الأمر إلى القناصين بالقتل العشوائي.
•عندما صرّحت بصورة علنية بأنني أشعر بالخجل [راجع مقال أفنيري في نشرة مختارات من الصحف العبرية الصادر في 3/4/2018]، اتهمني أحد القرّاء بالنفاق. واستشهد بكلام مأخوذ من كتابين لي عن حرب 1948 ("في حقول فلسطين 1984" و"الوجه الثاني من العملة") وصفت فيهما الفظائع التي كنت شاهداً عليها. بالتأكيد يومها حدثت فظائع كما في كل حرب. والجنود الذين ارتكبوها كانوا من جميع الطوائف ومن كل الطبقات، لكن جنوداً آخرين في المكان استنكروا هذه الأفعال وهم كانوا أيضاً من كل الطبقات والطوائف.
•اليوم الصورة مختلفة. هذه المرة ما يجري ليس فقط إطلاق نار على عُزل على مسافة واضحة من السياج، بناء على أوامر، بل يبدو أنه ليست هناك أصوات أُخرى. القيادة السياسية والعسكرية موحدة. وداخل المجتمع المدني تُسمع فقط أصوات قليلة تحتج على القتل الجماعي.
•ما هو رد وسائل الإعلام الإسرائيلي؟ هو غير موجود تقريباً. وسائل الإعلام تتجاهل تقريباً هذا الحدث المصيري في تاريخ شعب إسرائيل.
•الذين يرتكبون الجرائم محظوظون. هناك عدد كبير من الأحداث التي تصرف الانتباه العام عنهم وعن أفعالهم القذرة. الرئيس بشار الأسد استخدم، على ما يبدو، سلاحاً كيميائياً ضد المتمردين في بلده. كم هذا أمر فظيع! كم هذا بربري! كم هذا عربي!
•هناك أيضاَ مشكلة 36000 أفريقي "غير شرعي" (أي غير يهودي) تسللوا إلى إسرائيل. الحكومة تريد أن ترميهم إلى الخارج. إسرائيليون عاقلون يريدون منع ذلك. هذا يستغرق دواماً كاملاً، ولا وقت للاهتمام بقطاع غزة.
•لقد كانت هناك أيضاً ذكرى المحرقة النازية التي صودفت الأسبوع الماضي. يمكن الكتابة مطولاً عن هذا الفصل المخيف من تاريخ شعبنا. ماذا تشكل غزة مقارنة بأوشفيتس؟
•الحقيقة المحزنة هي أن وسائل الإعلام الإسرائيلي عادت إلى ما كانت عليه في السنوات الأولى للدولة: أداة في يد الحكومة. نحن أعضاء "هعولام هزه" عملنا سنوات عديدة كي نكسر هذا التقليد. طول سنوات غير قليلة كان لدينا وسائل إعلام موضوعية، فيها عدد من الصحافيين والكتّاب اللامعين. ليس اليوم. بقي قلائل، أغلبية وسائل الإعلام تنسق اليوم مع الحكومة جيداً. دقيقتان فقط تخصَّصان لغزة في نشرات الأخبار، 20 دقيقة لما يجري في سورية، و10 دقائق للانتشار الأخير للعداء "الوهمي" للسامية في حزب العمال البريطاني. إن أغلبية الصحافيين والمذيعين هم أشخاص لائقون وأصحاب نوايا حسنة، ولا يعرفون مطلقاً ماذا يفعلون (أو لايفعلون). هم ببساطة لا يفكرون.
•أين اليسار؟ وأين ما يسمى "الوسط"؟ هما لم يختفيا كما يدّعون. أكثر من ذلك. يكفي حدوث تغير في نسبة ضئيلة من جمهور الناخبين أو في أحد الكتل الصغيرة في الكنيست، لإسقاط حكومة نتنياهو. لماذا يبدو الجميع كأنهم أموات أو مشلولون. ليس هناك من يتحدث بصوت عال ضد القتل، باستثناء همسات ضعيفة هنا وهناك. حتى المجموعات الصغيرة الرائعة للشباب المناهض للاحتلال، كل في قطاعه، تسكت حيال القتل في غزة. ليس هناك تظاهرات جماهيرية أو احتجاج كبير. لا يوجد شيء.
•نحن أيضاً مذنبون: ربما أكثر من الآخرين.