معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
•أثبتت الأحداث التي وقعت في الجبهة الشمالية، فجر 10 شباط/فبراير، بعد تسلل طائرة إيرانية من دون طيار إلى أراضي إسرائيل وإسقاطها، هشاشة العلاقات بين إيران وإسرائيل في الساحة السورية؛ من جهة، هناك توجّه مستمر لتمركز إيراني في سورية خلال الحرب الأهلية الدائرة في هذه الدولة منذ قرابة 7 سنوات؛ ومن جهة أُخرى، يبرز إصرار إسرائيلي لفظي وعملاني لمنع التمركز الإيراني، وبصورة خاصة من ناحية بناء بنية تحتية عسكرية، بالإضافة إلى مطالبة شاملة بالخروج الكامل لجميع العناصر الإيرانية، والميليشيات الشيعية وحزب الله من سورية.
•الإيرانيون هم الذين حددوا توقيت المواجهة، لكن ثمة شك في أنهم قدّروا أبعادها. ويثير توقيت عملية إرسال طائرة من دون طيار إلى أراضي إسرائيل الدهشة، في ضوء الظروف الحالية لاستمرار القتال الكثيف المتعدد الجبهات والخصوم في سورية، وفي ضوء الانتقاد الشعبي الحاد في إيران للاستثمارات في سورية ولبنان، بدلاً من توظيفها من أجل رفاه الجمهور في الداخل؛ وفي ضوء الجهود التي تبذلها الدول الأوروبية للمحافظة على الاتفاق النووي، من خلال الاستجابة إلى مطالب إدارة ترامب المتعلقة بمعارضة مشروع الصواريخ وسياسة إيران الإقليمية؛ ومحاولات الرئيس الأسد بمساعدة روسيا للسيطرة على أجزاء واسعة من الدولة، والانتقال إلى مرحلة الاستقرار وإعادة البناء.
•هناك تفسيران محتملان لدوافع العملية الإيرانية: الأول، رغبة إيرانية في القيام بعملية سرية لفحص قدرتها على التغطية الاستخباراتية، وقد سبق أن جرى ذلك في الماضي، ولو أنه لم يكن بواسطة هذا الطراز المتطور من الطائرات من دون طيار. والتفسير الثاني لما حدث هو أن إيران بدأت باستفزاز مقصود من أجل إعادة رسم قواعد اللعبة في مواجهة إسرائيل. إن رجحان الكفة في الحرب الأهلية لمصلحة نظام الأسد، والإحساس بالثقة بالنفس المرافق لها، يدفعان إلى محاولة تغيير ميزان القوى الذي يتيح لسلاح الجو الإسرائيلي القيام بهجمات متتالية في سورية، بهدف إحباط بناء قوة إيران وحزب الله.
•لقد جاء الرد الإسرائيلي واسعاً وشمل أهدافاً سورية وإيرانية، ويكشف حجم هذا الرد استعداداً مسبقاً لاحتمال أن تنشأ الحاجة إلى القيام بمثل هذا الرد في وقت إنذار قصير، وأيضاً من المحتمل أن تكون إسرائيل انتظرت الفرصة كي تبادر إلى شن مثل هذا الهجوم. في جميع الأحوال، شعرت إسرائيل بالحاجة إلى إعادة رسم الخطوط الحمراء التي، من وجهة نظرها، تجاوزتها إيران. وحمل الرد الإسرائيلي نوعاً من تغيير قواعد اللعبة، ورسالة قوية بشأن استعدادها لتطبيق الخطوط الحمراء والتهديدات. وحتى لو كان الإيرانيون خططوا لتسلل لن يجري الكشف عنه، وفيما لو كُشف، سيكون الرد عليه محدوداً، فإن استنتاجهم سيكون أنهم أخطأوا في تقدير القدرة الاستخباراتية والعملانية لإسرائيل، وضخامة الرد. ويمكن أن تقودهم الخلاصات التي سيستخلصونها مما حدث إمّا نحو توجه حذر، وإمّا نحو التوجه للتحضير لرد أفضل وأكثر عنفاً في المستقبل.
•على الرغم من إغراء التقدير أن الحادث انتهى، لأن الطرفين خرجا منه بإنجازات ويستطيعان تقديمه كانتصار. إن الجانب السوري أسقط طائرة إسرائيلية، لأول مرة، منذ سنوات طويلة، وألحقت إسرائيل، من خلال ردها، ضرراً بالغاً بالتواجد الإيراني وبالدفاع الجوي السوري، وأثبتت مرة أخرى قدرتها على التحرك في سورية، لكن يجب أن نأخذ في الحسبان أن الأمر لم ينتهِ بالنسبة إلى إيران، وتدل التجربة على أنها تحرص على الرد على عمليات إسرائيلية ضدها، حتى لو تطلب إعداد الرد وقتاً.
ما وراء إسرائيل – إيران، السياق الأوسع
•على الرغم من الميل إلى حصر الحدث داخل المعادلة الإسرائيلية – الإيرانية، يبدو أنه من الخطأ فصله عن السياق الأوسع. فالحدث يفرض التطرق إلى موقف روسيا ودورها في الساحة السورية. والسؤال المركزي المطروح في هذا السياق هو: هل كان الروس على علم بالخطوة الإيرانية أم لا؟ إن معرفة مسبقة، وفي الواقع، موافقة صامتة لروسيا على العملية يمكن أن يدلّاعلى أزمة في العلاقات مع إسرائيل، وعلى انسحاب روسي من طرف واحد من منظومة التفاهمات القائمة معها. في مثل هذه الحالة، ما جرى هو معادلة جديدة تتطلب درساً معمقاً وعاقلاً للسياسة الإسرائيلية حيال روسيا، إزاء الواقع المتغير. لكن إذا لم يكن الروس على معرفة بالعملية، ومن المعقول أن نفترض ذلك، من المحتمل أن تعتبر روسيا العملية الإيرانية تحدياً من جانب إيران، التي تنظر، مؤخراً بقلق إلى احتمال أن تقوم روسيا بتقليص خطواتها في سورية، وربما بدأت تفكر بتقليص كبير للوجود الإيراني في المستقبل.
دلالات وتوصيات
•يبدو أن إسرائيل وإيران ليستا معنيتين بتصعيد واسع. فقد جرى احتواء الحدث على الرغم من استمرار الاهتمام الإعلامي به. وقد أظهرت إسرائيل التي ترفض التمركز الإيراني في سورية، إصرارها على الرد على ما تعتبره تجاوزاً "للخطوط الحمراء"، على الرغم من عدم تحديدها بدقة. ويبدو أيضاً أنه لو لم يجرِ إسقاط الطائرة الإسرائيلية لكان الحدث محدوداً أكثر، ومن الواضح أن إسرائيل وضعت سقفاً عالياً أكثر للردود المحتملة في المستقبل، وفي جميع الأحوال هي تواجه واقعاً جديداً يمكن أن يتصف بدينامية مستمرة "بالسير على العتبة" في مواجهة الإيرانيين، وتفرض فحصاً مستمراً لخطواتها إذا تجاوزت هذه العتبة، ووصلت إلى مواجهة واسعة مع إيران.
•بالإضافة إلى الحاجة إلى إظهار حزم إسرائيلي عسكري من أجل لجم التمركز الإيراني في سورية، يجب الاعتراف أن الخطوات العسكرية وحدها، على الرغم من أهميتها المباشرة لا تشكل حلاً على المدى البعيد. ويجب العمل في المقابل عبر قنوات سياسية، وتعميق الحوار مع الأطراف المشاركة في المسارات المتعددة للتسوية في سورية، وفي طليعتهم روسيا؛ وتعميق الحوار مع الولايات المتحدة بشأن مواجهتها النفوذ الإيراني في المنطقة، بالإضافة إلى المشاركة في الحوار بشأن التسوية المستقبلية في سورية، ومنع الجهد الإيراني الواضح للبقاء في المنطقة وقتاً طويلاً. وفي هذا السياق ثمة مصلحة لإسرائيل في تشجيع تعاون أميركي - روسي في عملية التسوية في سورية.
•يتعين على إسرائيل أن تأخذ في حسابها أن الجبهة السورية هي مشروع روسي مهم بالنسبة إلى الرئيس بوتين، المتورط فيه بصورة عميقة، ولن يسمح لنفسه بالفشل. في مثل هذه الظروف، يجب أن نفحص انعكاسات ما حدث من عدة نواحٍ: الحساسية الروسية لتعرض قواتها للهجوم، كما ذكر بيان وزارة الخارجية الروسي أن روسيا ترفض تهديد قواتها؛ احتمال أن يجري استبدال منظومات الدفاع الجوي التي تضررت في سورية من جانب روسيا بأُخرى أكثر تقدماً، وهذا من شأنه أن يؤثر على عمليات سلاح الجو الإسرائيلي. ومن المهم من هذه الناحية إجراء حوار إسرائيلي - روسي.
•في الختام، يجب أن نستعد لعملية إيرانية متأخرة يمكن أن تأتي رداً على الضربة التي تكبدها الإيرانيون في سورية.