•عشر سنوات من الغموض مرت منذ مهاجمة المفاعل النووي في دير الزور في أراضي سورية. الهجوم الذي لم يُعلن أحد مسؤوليته عنه حتى الآن تنسبه تقارير أجنبية، مثل عمليات أخرى في الشرق الأوسط، إلى سلاح الجو الإسرائيلي. ومنذ تلك العملية، وسواء كانت إسرائيل هي التي نفذتها أم جهات عسكرية أخرى، شهد الشرق الأوسط اضطراباً كبيراً وتغييراً حاداً.
•إيران تتعزز قوتها وتتعاظم وهي تسلح حزب الله. تنظيم الدولة الإسلامية نجح في السيطرة على أجزاء واسعة من سورية وخارجها، ونظام الأسد منشغل بمحاولته الدفاع عن بقائه، وفي قتال لا يتوقف. بين هذا كله، ينفذ سلاح الجو عمليات كثيرة من دون توقف تعرّفها المؤسسة الأمنية بأنها "معركة بين المعارك".
•بالمصادفة، عادت في الأيام الأخيرة دير الزور إلى العناوين الكبرى في وسائط الإعلام بعد أن تمكن الجيش السوري بمساعدة مكثفة من تحقيق إنجاز مهم هناك. فقد استطاع خرق الحصار الذي فرضه تنظيم الدولة الإسلامية في شمال شرق سورية. ما تزال التقارير متضاربة، وليس واضحاً ما إذا جرى تحرير المنطقة بصورة كاملة أم جزئياً فقط. لكن بعد أشهر طويلة خضع فيها سكان المنطقة لسيطرة داعش، فإن هذا إنجاز لا بأس به.
•لكن ماذا كان سيجري لو كان المفاعل بقي شغالاً حتى اليوم ووقع تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية؟ يمكن القول بنظرة إلى الوراء إن مهاجمة هذا المبنى الذي أقيم فيه مفاعل نووي محلي، هي نقطة في محور الزمان في الحرب الصامتة الدائرة في الشرق الأوسط. في تلك الفترة كانت قوة سورية كبيرة، بخلاف حالها في السنوات الست الأخيرة، والذي قام بالقصف حينها أخذ على عاتقه تحمل مخاطرة.
•على المحور بين سورية ولبنان توجد إسرائيل أيضاً، وهي تعمل بصمت وسرية ومن تحت الرادار. لقد اعترف قائد سلاح الجو المنتهية ولايته اللواء أمير إيشل، مؤخراً في مقابلة مع عاموس هرئيل في "هآرتس" عند انتهاء ولايته التي استمرت خمسة أعوام، أن دولة إسرائيل قامت خلال فترة ولايته بهجمات كثيرة ضد شحنات سلاح ووسائل قتالية كان من المفترض أن تصل إلى حزب الله وتنظيمات ارهابية أخرى.
•ووفقاً لكلام إيشل: "منذ 2012 أنا أتحدث عن عشرات كثيرة جداً من العمليات، والرقم يقارب ثلاثة أصفار. من الممكن أن تكون العملية منفردة صغيرة ومحدودة، ومن الممكن أن تكون كبيرة تستغرق أسبوعاً وتشارك فيها أدوات كثيرة. ومن دواعي سروري أن هذا يجري تحت الرادار". ووفقاً لكلامه، فإن الأمر الذي لا يقل أهمية عن هذه العمليات أنها لم تجرّ إسرائيل إلى حروب.
•من توضيحات إيشل يمكن أن نعرف أنه تجري المحافظة على المصالح الإسرائيلية، وأن العمليات السرية تُنفذ. في المؤسسة الأمنية يعتقدون أن الرسالة وصلت، وأن إحباط التهريب يدفع الأطراف الأخرى إلى التفكير مرتين قبل الاقدام على مثل تلك المحاولات. إذا كانت إسرائيل قد تحركت قبل 10 سنوات كما تقول التقارير الأجنبية، وتنشط اليوم أيضاً عشرات المرات كما قال قائد سلاح الجو، فالسؤال يطرح بشأن هجوم محتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية.
•هنا المسألة مختلفة تماماً. لقد كان المفاعل السوري مفاعلاً وحيداً. وفي المقابل، توجد في إيران عشرات المنشآت، بعضها سري للغاية وأكثر تقدماً وتطوراً بما لا يقاس. لذا، فإن عملية ضد البرنامج النووي في ايران، إذا كانت ذات جدوى في يوم من الأيام، فهي معقدة للغاية وأصعب بعشرات المرات.
•في المقابل، فإن دولة إسرائيل تملك قدرات أكثر تطوراً من تلك التي كانت لديها قبل 10 سنوات. ما كان في حرب لبنان الثانية، سيكون أقوى وأكثر تطوراً بكثير. يتحدثون في سلاح الجو عن بنك أهداف أوسع بكثير، وعن تقليص دراماتيكي في الزمن المطلوب للعمل ضد أهداف إرهابية على أراضي لبنان. لذا، ما استغرق قبل 11 عاماً في صيف 2006 أسابيع، سيستغرق في المرة المقبلة عدة أيام فقط.
•الحدود الشمالية مختلفة اليوم، ولبنان وسورية لا تشبهان ما كانتا عليه قبل عشر سنوات. إن حزب الله هو التهديد الأساسي لإسرائيل، برعاية إيران التي تبذل جهوداً ضخمة لتعزيز قوة نصر الله ورجاله. في المقابل، فإن قوة بشار الأسد آخذة في التراجع، وعلى الرغم من انتصاراته المحلية الأخيرة، فإن قوته ليست كما كانت.