من يحرك النضال الزاحف وسط الجمهور العربي؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•في الجليل، وفي وادي عارة والناصرة وسخنين وفي أم الفحم والطيبة والرملة، الصورة التي برزت في الأيام الأخيرة هي التالية: المواطنون العرب من إسرائيل يخرجون إلى الشوارع بجموع كبيرة ويتظاهرون دعماً لإخوانهم الفلسطينيين مثلما حدث في تشرين الأول/أكتوبر 2000 أثناء الأحداث التي أشعلتها الانتفاضة الثانية. فهل هذا فعلاً حقيقة ما يحدث؟

•إن الحيرة حيال دور المجتمع العربي في موجة الاحتجاج الحالية لا تقتصر على الجمهور اليهودي في إسرائيل، فحتى داخل المجتمع العربي هناك صعوبة في سبر أغوارها. توجد احتجاجات في عدد من الأماكن لكن ليس بالحجم الذي كان لدى نشوب الانتفاضة قبل عقد ونصف العقد. يوجد عشرات المتظاهرين وأحياناً مئات. ويوجد سبب مركزي للغضب، هو التخوف من تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، لكن أغلبية المشاركين في التظاهرات والاحتجاجات هم تحديداً من العلمانيين. والسؤال من هو التنظيم الذي يقف وراءهم؟ هناك طرف يقف وراء التحركات، لكنه في أغلب الظن ليس الحركات السياسية التقليدية.

•إن مثالاً واضحاً على ما يجري نجده في يوم السبت الأخير في "تظاهرة الغضب ضد الاحتلال" في الناصرة، حيث على ما يبدو نضجت كل الشروط من أجل قيام احتجاج كبير وواسع. قبل يوم فقط من ذلك أطلقت الشرطة النار على مواطنة من الناصرة في المحطة المركزية في العفولة، بحجة أنها كانت تحمل سكيناً وتنوي القيام بهجوم. وقد انتشر الشريط الذي صوّر الحادثة  بصورة كبيرة، وأحدث أصداء وسط المجتمع العربي. بالإضافة إلى ذلك قررت لجنة المتابعة العليا للعرب في إسرائيل تبني التظاهرة التي دعت إليها حداش [الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة]، وطلبت من الجماهير المشاركة فيها.

• وفي اليوم التالي تبين أن بضع مئات فقط جاؤوا للمشاركة، وإلى جانب ممثلين قلائل للأحزاب العربية ولجنة المتابعة، كان أكثر المشاركين، من أنصار حداش التي وجهت أصابع الإتهام الى الأحزاب الأخرى بعدم التعاون، وإلى موجة الاعتقالات الكبيرة التي قامت بها الشرطة في الأيام التي سبقت التظاهرة والتي ردعت الكثيرين عن المشاركة. لكن مما لا شك فيه أن فقدان الحركة السيطرة على هذه المدينة التي اعتبرت معقلاً لها طوال العقود الأربعة الماضية كان له تأثيره على الأجواء السائدة.

•لكن هذا لم يكن الفشل الوحيد للقيادة السياسية في المجتمع العربي. ففي مطلع هذا الشهر حضر بضع مئات فقط إلى الاعتصام الذي جرى في سخنين بمناسبة مرور 15 عاماً على أحداث تشرين الأول/أكتوبر 2000 [حين قتلت الشرطة الإسرائيلية 13 مواطناً عربياً اثناء تظاهرات الدعم للانتفاضة الفلسطينية الثانية]، وكان اغلبية هؤلاء من سكان المدينة.

•بيد أن المشكلة أوسع من ذلك، فخلال سنوات شكل الجناح الشمالي في الحركة الإسلامية بزعامة الشيخ رائد صلاح إحدى أكبر القوى وأكثرها تأثيراً على الاحتجاج الشعبي لهذا الجمهور، ولا يزال تدخل الحركة في المجتمع العربي حتى اليوم يقلق الحكومة.  لكن التغييرات التي طرأت في السنوات الأخيرة في أرجاء العالم العربي، ومواقف الحركة الإسلامية حيالها تركت تداعيات بعيدة الأمد ولا سيما في الشمال.

•مع بداية الحرب الأهلية في سورية أعرب الجناح الشمالي في الحركة الإسلامية دعمه لتنظيمات المتمردين الإسلاميين الذين يقاتلون ضد نظام بشار الأسد. ومن المعلوم أنه في إسرائيل وفي الاعلام الدولي يتعاملون مع الأسد بوصفه حاكماً مستبداً يذبح شعبه. لكن في المجتمع العربي- الإسرائيلي الوضع مختلف تماماً، فهناك جزء لا بأس به ناقم على صلاح بسبب معارضته للأسد، ويعدد ثلاثة أسباب أساسية وراء دعم العديد من العرب في إسرائيل للنظام في دمشق: الأول؛ كون هذا النظام هو الحاجز الأخير في وجه تزايد قوة التنظيمات الجهادية، ولا سيما تنظيم داعش وجبهة النصرة، التي لا تتورع عن استخدام أبشع الأساليب ضد الأقليات. ثانياً؛ لأن الأسد يتبنى خط مواجهة ضد إسرائيل والولايات المتحدة. ثالثاً؛ كثيرون في المجتمع العربي يدعمون الأسد كردة فعل ضد دعم قطر والسعودية، حليفتا الولايات المتحدة، للمتمردين. هذه الأوساط التي تشكل جزءاً لا يستهان به من الجمهور العربي لا تنظر بعين الرضا إلى من يقف ضد سورية وإيران وحتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

•وإذا لم يكن كافياً غياب زعامة تقليدية للاحتجاج، ففي النقاش الذي جرى هذا الأسبوع في لجنة المتابعة اتفق الجميع على أن أحداث تشرين الأول/أكتوبر 2000 لم تسفر عن أي انجاز للمواطنين العرب. بالإضافة الى ذلك، ليس من المتوقع أن تتكرر أحداث 2000. ولذا ليس هناك أي حجة مقنعة للعودة إلى النضال العنيف في الشارع.

•لكن برغم هذا كله، وفي ضوء صورة الوضع الحاضر، من المبكر القول بصورة حاسمة إن الاحتجاج وسط المواطنين العرب في إسرائيل لن يتسع، أو أن هذا التوجه لم يبدأ. وبرغم كل ما قيل فهناك عرب من مواطني إسرائيل يخرجون إلى الشوارع، وسُجل في الأمس هجوم قام به مواطن من العرب في إسرائيل بالقرب من كيبوتس غان شموئيل، وسجلت لاحقاً بضع  محاولات قام بها عشرات المقنعين لرمي الحجارة وإشعال الاطارات على طريق 70. كما يوجد قاسم مشترك بين المشاركين في الاحتجاجات العنيفة وسط العرب في إسرائيل هو أعمارهم. ومثل ما يجري في الضفة الغربية فكذلك الأمر ضمن حدود الخط الأخضر: إن الذين يخرجون إلى الشوارع هم الشبان وأغلبيتهم أولاد صغار. بعضهم ينتمي بالطبع إلى حركات سياسية، لكنهم يفتقرون إلى جهة توجههم وقيادة تقول لهم ماذا يجب أن يفعلوا ومتى وكيف. وما يحركهم هو دافع داخلي وغضب ورغبة في المواجهة. وبالنسبة إليهم المواجهة مع الشرطة وحتى اعتقالهم أداة شرعية للتعبير عن الاحتجاج.

•ليست هذه المرة الأولى التي ظهر فيها احتجاج من هذا النمط. فقد جرى احتجاج واسع النطاق ضد مخطط برافر لتسوية إسكان البدو في النقب. يومها برزت حركة الشباب التي تحمل اسم "الحراك الشبابي" التي بادرت إلى تنظيم احتجاج ضد ظرف طارئ من دون أحزاب ومن دون "زعامات"، مستخدمة فقط قنوات التواصل الاجتماعي كي تنقل رسائلها. 

•لقد تحولت قنوات التواصل الاجتماعي اليوم، وسيلة يجري بواسطتها نقل الرسائل من رام الله إلى الناصرة، ومن نابلس إلى أم الفحم. هذه الرسائل لا يمكن ايقافها على الحواجز، ولا بواسطة جدار الفصل، أو الأجهزة الأمنية.

•غدأ سيكون الكل موضع اختبار، الراشدون إلى جانب الشبان، عندما سيعلن المجتمع العربي الإضراب العام، ومن المفترض أن تنطلق تظاهرة مركزية من سخنين. فهل ستنجح الزعامة القديمة في تعبئة الجمهور الراشد؟ وهل سيسير الشباب وراءهم؟ وكيف سينتهي هذا كله؟ وماذا ستكون تداعياته على مواصلة النضال الحالي؟

 

 

المزيد ضمن العدد 2230