•حتى كتابة هذه السطور ليس من الواضح ما إذا كنا في مواجهة بداية انتفاضة جديدة آخذة في التعاظم، أم أن ما يجري موجة ارهاب قصيرة سوف يخمد في انتظار موجة جديدة. لكن من دون أي علاقة بالخطوات العسكرية المتخذة الآن (وبعضها جاء متأخراً)، من المهم أن نفهم الصورة الأوسع التي في ظلها تحدث هذه الأمور.
•على عكس الأحداث الأخرى في الشرق الأوسط التي تأثيرنا فيها محدود، مثل الحرب السورية، فإن كل ما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني إسرائيل هي اللاعب الأكثر أهمية. ولا يقل تأثير سياستنا على الأحداث عن تأثير سلوك أبو مازن، وإرهاب "حماس"، ومصالح الأردن، أو السياسة الأميركية.
•تستند السياسة الإسرائيلية إزاء يهودا والسامرة [الضفة الغربية] إلى ادارة النزاع وليس محاولة حله. وثمة منطق كبير في هذا التوجه الذي ثبتت صحته منذ سنة 2002، لكن شرط أن نفهم أن لهذه السياسة تداعيات وأثماناً يجب دفعها. و إذ تفرض ادارة حكيمة للنزاع الامتناع عن كل عمل أو احتكاك لا لزوم لهما ولا فائدة منهما.
•على سبيل المثال، البناء في القدس. المطلوب التمييز الواضح بين بناء أحياء يهودية وبناء منازل يهودية في قلب أحياء عربية. فبناء أحياء يهودية جديدة في أراض مفتوحة هي مصلحة حيوية وضرورية سواء على الصعيد البلدي أم على الصعيد الوطني، وإدانة العالم لذلك يجب ألا تردعنا. لكن الحكومة إلى جانب ذلك شجعت شراء أو بناء منازل وسط السكان العرب. وهكذا نجد عائلات مفردة وسط الحيّ الإسلامي [في البلدة القديمة] في سلوان، وفي جبل المكبر وتقريباً في كل حي عربي آخر شرقي المدينة. ومثل هذا الاستيطان نتيجته احتكاكات وكراهية لا لزوم لها، ولا يخدم المصلحة الوطنية، وبالتأكيد لا يخدم مصلحة ادارة النزاع.
•إن معنى ادارة النزاع من بين أمور أخرى هو المحافظة على الوضع القائم، في مختلف الموضوعات الحساسة. لا يمكن ادارة النزاع وتغيير الوضع القائم بصورة جذرية وأحادية الجانب مثلاً في ما يتعلق بالوضع في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]. لقد أعلن رئيس الحكومة متأخر جداً وبصوت ضعيف للغاية أنه لا ينوي تغيير الوضع القائم، ولو كان توجه قبل سنة إلى الجمهور المسلم والعالم وقال كلاماً جازماً، لكان من المحتمل ألا تبدأ الموجة الحالية. ويجب أن نتعامل بالطريقة عينها مع البناء في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]. لا يمكن ادارة النزاع وبناء مستوطنات جديدة.
•يقودنا موضوع البناء في مستوطنات يهودا والسامرة إلى موضوع التخطيط للحل الدائم. إن الغضب الكبير على إسرائيل في العالم سببه عدم الثقة بنا. فمن جهة هناك الالتزام "بحل الدولتين"، ومن جهة أخرى هناك توسيع المستوطنات. وتجدر الإشارة إلى أن الأوروبيين والأميركيين لا يهمهم الزيادة السكانية في المستوطنات بحد ذاتها ولا البناء فيها. لكنهم يشتكون من قضم المزيد من الأراضي الذي يفسر من جانبهم بأنه سيجعل الحل السياسي غير قابل للتطبيق مستقبلاً.
•في العام 2004 اقترح الأميركيون الصيغة التالية: تعالوا نرسّم الحدود المتفق عليها لكل مستوطنة، وضمن هذه الحدود يمكن لكل مستوطنة أن تبني كما تشاء شرط ألا تتخطاها. إسرائيل رفضت، وهذا موقف يجعل من الصعب كثيراً ادارة النزاع.
•إن الرغبة في ادارة النزاع بدلاً من محاولة التوصل إلى حل له الآن، هي السياسة الصحيحة في الوقت الحالي. وبهذا المعنى، فإن الطريقة التي يتصرف فيها نتنياهو ويعلون صحيحة. وما تفتقر إليه هذه السياسة هو القول بوضوح إن ادارة النزاع والمحافظة على الوضع القائم ينطبقان على كل شيء وليس على جبل الهيكل فقط.