ميري ريغف تريد استبدال الثقافة الديمقراطية الليبرالية بثقافة أصولية قومية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•في حفل توزيع جائزة الأدب العربي سنة 2003 قال الكاتب [المصري] المعروف صنع الله إبراهيم: "لا شك لديّ في أن كل مصري يدرك جيداً حجم المأساة والخطر اللذين تواجههما أمتنا. وليس المقصود هنا التهديد العسكري الإسرائيلي والإملاءات الأميركية، أو إفلاس السياسة الخارجية المصرية، بل الإفلاس الذي بدأ ينتشر في كل مكان، فلم يبق في مصر مسرح أو سينما أو بحث علمي. وما تبقى هو مهرجانات ومؤتمرات وصناديق كاذبة". 

•بعدها رفض إبراهيم قبول الجائزة التي قدمت له وهي 100 ألف جنيه، من يد وزير الثقافة فاروق حسني. بعد مرور بضعة ثوانٍ من الصمت والصدمة، ضجت قاعة الأوبرا المصرية بالتصفيق. أما وزير الثقافة الذي كان يتلوى في مقعده فقال بعد أن هدأ التصفيق: "كلام إبراهيم شهادة تقدير للحكم، فلو لم نكن ديمقراطيين لما كان استطاع التعبير عن انتقاداته اللاذعة".

•لوزيرة الثقافة [الإسرائيلية] تفسير مختلف لجوهر الديمقراطية تشبه تفسيرات الرئيس حسني مبارك وعبدالفتاح السيسي اللذين رعيا ويرعيان نخباص يطلق عليها في مصر اسم "مثقفو النظام". وقد تكون الخطوة التالية الطبيعية هي تبني قوانين تبنتها مصر وتركيا وإيران تحرم أي إساءة لسمعة الدولة ودينها وجيشها. وفي إمكان ميري ريغف حتى التنازل عن التشريع واستخدام صلاحياتها من أجل تأسيس "ثقافة دولة" من إنتاج فناني "الدولة" ومثقفيها فقط.

•لكن ريغف ليست المشكلة بل هي أحد أعراضها. إنها أشبه بالعارضة الخشبية التي تطفو على سطح النهر المنحدر الذي تتدهور فيه مكانة إسرائيل من دولة ديمقراطية ليبرالية إلى ما يسميه المعلق الأميركي فريد زكريا "الديمقراطية غير الليبرالية"، أي ديمقراطية حيث الإجراءات والانتخابات ومشاركة الجمهور أهم من قيم ليبرالية مثل حرية التعبير وحقوق الأقليات. وتعتبر ريغف الـ30 مقعداً التي حصل عليها حزب الليكود دليلاً على رغبة أغلبية الجمهور، ويمكن بالتالي استخدام ذلك متكأ ديمقراطياً شرعياً لبلورة الثقافة وفق رغبتها.

•ويشكل هذا خطأ شائعاً. فالديمقراطي الشهير ألكسندر لوكاشينكو، طاغية بيلاروسيا، طمأن الناس لدى انتخابه بأغلبية كبيرة سنة 1994 ووعدهم: "لن تكون هناك ديكتاتورية. فقد جئت من الشعب وسأعمل من أجل الشعب". إذهبوا وقولوا ذلك الآن للشعب في بيلاروسيا [لوكاشينكو ما يزال متمسكاً بمنصبه حتى اليوم، محررة]. وهذا ما حدث مع نظيره عسكر آكاييف، حاكم قرغيزستان الذي حظي بـ60% من الأصوات في الانتخابات، وخلال سنتين أجرى استفتاء عاماً جعله ديكتاتوراً قانونياً [حكم من 1990 حتى 2005 حيث جرى خلعه بثورة أُطلق عليها ثورة الزنبق دعمها الغرب، المحررة].

•يميز فريد زكريا بين الديمقراطية التي تعزز قوة السلطة، والليبرالية التي تسعى إلى الحد من قوتها. وريغف هي من الذين يؤمنون بشدة بالديمقراطية التي منحها "لها" الـ30 مقعداً، وترى في الليبرالية تهديداً يتعارض مع مفهومها للديمقراطية. وهي ليست على خطأ عندما تقول كما قال لوكاشينكو "أنا جئت من الشعب ومن أجل الشعب". 

•لكن ريغف في الوقت عينه تسيء للدولة، لأن إسرائيل ستخسر الرصيد الاستراتيجي لها بوصفها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". والديمقراطيات بحسب النموذج الذي بدأ يبرز في إسرائيل الآن، موجودة بكثرة في الشرق الأوسط وخارجه. ديمقراطيات تصفي حساباتها بشراسة مع الثقافات التي كانت موجودة قبلها، مثل جمال عبدالناصر الذي حاول طمس الثقافة التي كانت موجودة أيام الحكم الملكي، أو الثورة الإسلامية في إيران التي تطارد رموز الثقافات "الغربية" (وفي الدولتين تجري انتخابات مثل تلك التي تجري في الأنظمة الديمقراطية). 

 

•تصفي ميري ريغف اليوم حسابها مع ثقافة "اليسار" ومع الثقافة التي كانت موجودة قبلها. وهي تسعى إلى إحداث إصلاح تاريخي وثورة تسعى الى القضاء على الذاكرة الثقافية القديمة وتحلّ محلها ثقافة قومية أصولية، وقد تنجح في ذلك فهي من الشعب وجاءت "كي تعمل من أجله".