حلمٌ مُعلَّق! هكذا يمكن أن نصف حلم استقلال إسرائيل في مجال الطاقة. ليس لأنه لا توجد موارد طبيعية، فالغاز والنفط بأشكال مختلفة موجودان هنا، وبكميات غير قليلة. تراجع إنتاج النفط إلى بضع مئات البراميل في اليوم، في حين أنه تكاد لا تجري أعمال تنقيب عن حقول نفط جديدة. أما استخراج النفط من الزيت الصخري الذي هو مصدر آخر للنفط، فهو يتم بشكل تجريبي لعينات صغيرة في صحراء النقب، ولم يبدأ في أي مكان آخر على الرغم من وجود مؤشرات واضحة على إمكانات كبيرة في هذا المجال، وعلى الرغم من محاولة واحدة جرى وقفها، بينما الغاز، الأمل العظيم بتغيير وجه الطاقة والاقتصاد في إسرائيل، يرتسم اليوم كتراجيديا قيد التشكل مع لاعب دولي غاضب، شركة "نوبل إنرجي"، ومرفق وحيد شغَّال ( منشأة حقل "تمار")، وخط إمدادات وحيد مع محطة استقبال واحدة، ووقف كامل لأي نشاط آخر.
إن مراجعة تطور صناعة الاستكشاف في البلاد عشية يوم الاستقلال الـ67، تُظهر العديد من الحكايات حول توقعات كبيرة، بعضها لم يتحقق وبعضها الآخر لا يزال واعداً. لكن هناك القليل جداً من النشاط، والقليل من البدايات الجديدة كذلك. كما أن الحماسةَ والاندفاعَ تجاه الصناعة الآخذة بالتطور وتجاه فرص العمل في تلك الصناعة خفّا كثيراً. وفي معهد "التخنيون"، على سبيل المثال لا الحصر، وقبل ثلاثة أعوام، جرى تطوير برنامج دراسات متقدمة مخصصة لمهندسي البترول والغاز الطبيعي. وفي العام الأول، في 2013 - العام البهيج الذي بدأ فيه تدفق الغاز من حقل "تمار" - سُجّل قبول ثلاثين طالباً في البرنامج المذكور. أما هذا العام، فقد انخفض هذا العدد إلى النصف تقريباً: 17 فقط. وهذا لا يفاجئ، خصوصاً عندما تُعلن شركتي "نوبل إنرجي" و"ديلك" عن تسريح مهندسين من جراء توقف أعمال التطوير، في حين لا تقوم أي جهة أخرى في المحيط بتطوير أي شيء.
كان من المفترض أن يُستكمَل تطوير حقل "ليفْيَتان" بحلول العام 2017، لكن بما أن أعمال التطوير تتطلب استعدادات مبكرة مطوَّلة، لم يعد هذا التاريخ وارداً في الحسبان، ولا يوجد موعد جديد. ماذا يعني هذا الأمر بالأرقام؟ قبل أكثر قليلاً من أسبوعين، قدّر اتحاد الصناعيين كلفة تأخير تطوير حقل "ليفْيَتان" على الاقتصاد بنحو 15,5 مليار شيكل في العامين 2018 - 2019. وبحسب تقديرات شركة "ديلك"، تبلغ الكلفة السنوية المباشرة لكل سنة تأخير في تطوير هذا الحقل، ما يقارب 700 مليون دولار. إنها أرقام كبيرة، وحتى لو كان المقصود تقديرات مبالغ فيها، فإن التأخير يقلق كثيرين. ومن غير المعروف ما إذا كانت الجدوى – التي قد تكون للاقتصاد بفعل اتفاقات جديدة مع منتجي غاز آخرين بشروط أفضل على صعيد المنافسة، والأسعار، وما شابه - ستغطّي الخسارة المقدَّرة.
يتطرق عميت مور، الرئيس التنفيذي لشركة (Eco Energy Financial & Strategic Consulting) إلى تعدد الجهات المنظّمة [لقطاع النفط والغاز في إسرائيل]، فيقول: "أحصيت 23 جهة. كل واحدة منها تقوم بما يمليه عليها القانون، دون مساومة. وإلى أن يأتي رئيس وزراء يحدّد سياسة عامة جديدة، فلن يتغير شيء".
ويقول ألكسندر فَرْشَفْسكي، مفوّض البترول ومدير الهيئة العامة للغاز الطبيعي في وزارة الطاقة: "بوصفنا مسؤولين عن الاقتصاد وعن تطويره، فإن لتطوير حقل "ليفْيَتان" أهمية كبرى بالنسبة للاقتصاد، والصناعة، وخفض الأسعار، وكلفة المعيشة. ووفقاً لتوقعاتنا سيكون هناك نقص في إمدادات الغاز الطبيعي. ومنذ اليوم، في ساعات الذروة، في الوقت الذي تعمل أنظمة إنتاج الغاز في حقل "تمار" بأقصى طاقتها، لا يزال هناك نقص في الغاز لتلبية حاجات الاقتصاد - وهناك حاجة إلى سفينة تمدّ إسرائيل بغاز طبيعي مُسال وتقوم بمعالجته. وهذا النقص مرشح للزيادة، وسيكون مؤثراً أكثر بكثير بعد أربعة أو خمسة أعوام، ولا سيما أن الغاز الطبيعي سيتوسّع استخدامه للصناعة، ولإنتاج الكهرباء أيضاً".
ويتابع فَرْشَفْسكي قائلاً: "هناك مشكلة إضافية متمثلة في عدم وجود وفرة. وإلى حين وصول إمدادات حقل "ليفْيَتان"، فإن الاقتصاد برمته يعتمد على محطة استقبال واحدة. وإذا تعطّلت منظومة الإنتاج في حقل "تمار"، سوف تنشأ مشكلة صعبة في قطاع الطاقة في البلاد".
ويقول جدعون تدمور، رئيس شركة "ديلك للحفريات" ومدير شركة "أفنير للتنقيب عن النفط"، بلهجة مهادنة: "أود أن أكون منصفاً تجاه هيئات حكومية. طرأ تطور كبير، والمؤسسة الحكومية تحتاج إلى وقت لدرس مجال جديد كلياً، لكن السؤال المطروح هو التالي: لماذا يفعلون كل شيء في إسرائيل بشكل متطرف دون أخذ الانعكاسات في الاعتبار. فلا ريب في أن هناك ضرورة لقوانين ناظمة في مجال جديد كهذا. إنما المطلوب هنا هو القيام بذلك بذكاء وحرفية، وعدم إعادة اختراع العجلة، والتنسيق مع جميع الجهات المنظمة".
"يجب أن ندرك أننا لم نمسك الثور من قرنيه، وخصوصاً بالنسبة لكميات الغاز التي تتخطى حاجات إسرائيل المحلية، فلن ننجح في جني كل الفوائد الاقتصادية والجيوسياسية الهائلة لدولة إسرائيل من مكتشفات الغاز. إنها فرصة تاريخية ممنوع علينا تفويتها، إذ تحتاج إسرائيل إلى حقلين استراتيجيين على الأقل – "تمار" و"ليفْيَتان" - مع خطَّي نقل منفصلين إلى الشاطئ. إنها مسألة أمن قومي. فعندما نتكلم عن استقلال في مجال الطاقة، علينا تأمين وفرة في المنظومة وليس الاتكال على حقل واحد، وخط أنابيب واحد، ومحطة استقبال واحدة. لقد بات من الملحّ تطوير حقل "ليفْيَتان".
مفوّض مكافحة الاحتكار قلب الطاولة
كان المسؤول عن هذه البلبلة وهو الذي دفع شركة "نوبل إنرجي" إلى وقف تطوير حقل "ليفْيَتان"، مفوَّض مكافحة الاحتكار، البروفسور ديفيد غيلو الذي تراجع فجأة عن اتفاق التسوية مع أصحاب الحقوق الرئيسيين في حقل "تمار" [شركتي "ديلك" و"نوبل إنرجي"]، والذي بموجبه، لا يقوم [غيلو] بالإعلان عن وجود حالة كارتيل، في مقابل أن تبيع الشركتان كاملَ حقوق امتياز التنقيب في حقلي "قَريش" و"تَنين" الصغيرين نسبياً بالمقارنة مع حقلي "تمار" و"ليفْيَتان" الكبيرين.
دفع تراجع المفوّض هذا وما أثاره من بلبلة، رئيسَ الحكومة نتنياهو إلى تكليف يودجين كِندَال، رئيس المجلس الاقتصادي الوطني، بتشكيل هيئة عامة لنقاش هذه المسألة، بمشاركة كافة الهيئات المنظمة والشركات المعنية. وجرى التطرق إلى جميع المسائل: كيف ينبغي معالجة الاحتكار الناشئ في مجال إمدادات الغاز؛ ربط أسعار الغاز بالمؤشر وليس بأسعار النفط (بموجب الاتفاق الذي جرى التوصل إليه آنذاك مع شركة كهرباء إسرائيل، عندما كانت أسعار النفط مرتفعة)؛ هل ينبغي فرض رقابة رسمية على الأسعار؛ مشكلة المنافسة؛ حقوق امتياز التنقيب. وحتى معدّل التصدير [نسبة كميات الغاز التي يؤذن بتصديرها إلى الكميات المخصَّصة للاستهلاك المحلي] الذي حُدّد سابقاً في "لجنة تسيمَح" أُعيد طرحه على النقاش، واقترحت وزارة المال زيادة هذا المعدّل إذا وافق الشركاء ولا سيما شركة "نوبل إنرجي"، على فصل التسويق [عن الإنتاج]، وعهده إلى شركة منفصلة [موزّع آخر].
في هذه الأثناء، تهدد شركة "نوبل إنرجي" باللجوء إلى التحكيم الدولي بسبب خرق اتفاقيات معقودة بينها وبين الدولة. وعند التحدث معهم حول معدلات الأرباح المرتفعة، يقول كل من ينطق بلسانهم إنه مع كل الاحترام الواجب لموارد الطبيعة، وللعدالة الاجتماعية والتوزيع [المتساوي للموارد] وما إلى ذلك، فإن المعنيين في شركة "نوبل إنرجي" يقارنون بين هذا العائد وعوائد الشركة الأكبر بكثير التي يجنونها من مشاريع أخرى، وهذا هو معيار المقارنة بالنسبة لهم. وفي هذه الأثناء، قرّر المفوَّض غيلو أن النقاشات طالت أكثر من اللازم. وفي الأسبوع الماضي لم يحضر ممثلوه جلسات النقاش، وقد أفيد أنه ينوي التوجّه إلى محكمة مكافحة الاحتكارات لإعلان أن الشراكة التي تجمع "نوبل إنرجي" و"ديلك" هي بمثابة كارتيل. ومن شأن هذا الإجراء أن "يعلّق" تطوير حقل "ليفْيَتان" لفترة طويلة، نظراً لطول الإجراءات القضائية. وكل ذلك يجري في ظل حكومة تصريف أعمال لا يتمتع فيها الوزراء بصلاحية اتخاذ قرارات مؤثرة.
ويتحدث جدعون تدمور حول هذا الموضوع فيقول: "يعتزم مفوض مكافحة الاحتكارات إحداث تغيير بنيوي في قطاع الغاز الطبيعي. ونحن مستعدون. أجريت معه مفاوضات على امتداد نحو عامين. وقّعنا على اتفاق (لبيع حقلي "قريش" و"تنين") الذي كان يدافع عنه في كل لجنة ممكنة. وتماماً قبيل تقديم الموافقة على الاتفاق إلى محكمة مكافحة الاحتكار أعاد التفكير بالموضوع وغيّر رأيه".
س: هل علمت السبب؟
ج: "حتى اليوم لم أتلقّ تفسيراً كاملاً حول ما جرى هناك. فخلال جلسة نقاش في مكتب يوجين كندال، وأثناء قيامي بعرض شرائح، فوجئنا بمكالمة هاتفية تبشّر بتغيير رأي المفوض: كانت شركة "ديلك" على وشك جمع مليارَي دولار من مصرفين بغية تمويل حصتها في تطوير "ليفْيَتان". كنا على وشك التوقيع على اتفاقيتين مع الأردن ومصر لتصدير الغاز، بعد أن قررنا كشريكين استثمار مبلغ إضافي بقيمة 200 مليون دولار لشراء معدات الحفر التي ينبغي طلبها في وقت مبكر سلفاً، وبالضبط بعد أسبوع كان مفترضاً فينا دفع عربون لتأكيد بناء سفينة [منشأة عائمة] لمعالجة الغاز المستخرج من"ليفْيَتان"، تراوح كلفتها بين 2 و3 مليارات دولار، على أن تكون السفينة الأكبر من نوعها في العالم".
س: كيف ردّت شركة "نوبل إنرجي"؟
ج: "كان لهذا الحدث تأثيرٌ قاس عليهم. كانوا مذهولين. وأوقفنا جميع أعمال التطوير في "ليفْيَتان". أتت الأزمة في أسوأ توقيت، لأنه على غرار سائر شركات النفط والغاز، تأثروا من جراء تراجع أسعار النفط العالمية، وهم يقومون حالياً بصرف بعض العاملين لديهم في الولايات المتحدة".
س: ومع ذلك أنتم تملكون حقوق امتياز التنقيب في أكبر حقلين، "تمار" و"ليفْيَتان".
ج: "انضممنا إلى "ليفْيَتان" عندما بيعت [رخصة] شركة "راتسيو" (التي كانت تملك رخصة التنقيب) بأقل من مليون شيكل، الأمر الذي لا يمكن فعل أي شيء معه، وأنقذنا رخصة "ليفْيَتان". وكل ذلك حدث قبل أن نكتشف الغاز في ما يعرف بحوض إقليم المشرق [Levant Basin Province شرقي البحر الأبيض المتوسط] الذي يشمل حقل "تمار". لكن الميل إلى اعتقاد أن كل من يحفر يجد، هراء مطلق. لا شك في أن المطلوب إجراءات منظمة، لكن ينبغي القيام بذلك بذكاء وتنسيق مع جميع المعنيين. المنافسة مهمة لكنها ليست هدفاً مقدساً - الأهم قبل كل شيء أن يتوافر الغاز، وبسعر معقول.
لا نحن ولا الأميركيون بمقدورنا الخوض في هذا المشروع دون ضمان يقينٍ لسنوات، على أن يطال هذا اليقين مسألة الملكية، والأسعار، والرقابة وجميع الجوانب التنظيمية. لكنني متفائلٌ بلا هوادة. تجري الآن لقاءات كل أسبوعين ومحادثات مع الجميع – مندوبي وزارة الطاقة، ووزارة المال، ويوجين كندال، ومفوض مكافحة الاحتكار، وسلطة الكهرباء. ولديّ شعور قوي بأن جميعهم يدرك أنه بات من الضروري تطوير"ليفْيَتان" والعثور على حل".
س: وإذا تضمن الحلّ مطالبتكم ببيع حقوقكم في "تمار" أو جزء منها؟
ج: "في إطار المباحثات طُرحت خيارات كثيرة وتسويات متعددة، ونحن على استعداد لتقديم تنازلات، لكن شرط أن يكون الحل الوسط معقولاً ويسمح لهذه الصناعة بالمضي قدماً. وإذا لم يتضمن الاتفاق آليات معينة لضمان اليقين والاستقرار على المدى الطويل لهذا القطاع، فكأننا لم نفعل شيئاً".
وبالنسبة لتدمور، اللحظة التي أتت فيها المكالمة الهاتفية بخصوص تغيير رأي المفوض، ذكّرته بلحظة فظيعة أخرى حين ضاعت فرصة بناء علاقة قوية مع شركة عالمية. ففي منتصف العام المنصرم، كانت الشراكة التي تقف وراء أعمال التنقيب في"ليفْيَتان" على وشك توقيع اتفاق مع شركة "وودسايد" الأسترالية لبيعها نسبة 25% من حقوق امتياز "ليفْيَتان" مقابل 7 إلى 8 مليارات دولار. كانت الآمال كبيرة لأنه بالإضافة إلى رأس المال الذي كان سيتدفق إلى الشراكة، فإن شركة "وودسايد" لاعبٌ مؤثر في مجال إنتاج الغاز المسال – الأمر الذي يفتح نافذة للتصدير أيضاً إلى بلدان أبعد من الدولتين المجاورتين، الأردن ومصر.
كان من المفترض أن يُقام احتفال رسمي في فندق الملك داوود في القدس. وفي ذاك الصباح أصدروا لهم سند ملكية في رخصة "ليفْيَتان". لكن اتضح للأستراليين في اللحظة الأخيرة أن ما اعتقدوه أمراً متفقاً عليه مع وزارة المال وسلطة الضرائب – سقف الضريبة على صادرات الغاز - ليس أمراً منتهياً. وقف الأستراليون غاضبين وغادروا من دون التوقيع ومن دون المشاركة في الاحتفال.
ويعلق تدمور قائلاً: "كان هذا أتعس احتفال حضرته يوماً ما. كانوا أفضل مستثمر ممكن، بالذات لأنهم أستراليون ولم يعترض أحد عليهم (خلافاً لما حدث بالنسبة إلى جهات أخرى أبدت اهتمامها بحقل "ليفْيَتان"، مثل شركة "غازبروم" الروسية)، وأيضاً لأنه كان بإمكانهم أن يفتحوا لنا مجالاً لإنتاج الغاز المسال ونقلنا إلى الأمام. وحدث كل ذلك بسبب بضع عشرات ملايين الدولارات".
وتشير جهات مطلعة في قطاع الطاقة إلى لاعب دولي ثانٍ على الأقل كان على وشك الدخول، لكن مسائل إجرائية متعددة دفعته إلى الهرب: إنها شركة "إديسون" الإيطالية التي مع شلومو نيحيما ودودي فايسمان، كانت أحد المهتمين بشراء حقلي "قريش" و"تنين". وحول هذا الموضوع يقول يروم أرياف، مدير عام سابق لوزارة المال وممثل شركة "إديسون" في إسرائيل: "حالهم حال الجميع، إنهم ينتظرون. إنهم موجودون في البلد منذ عامين، وأحد أهدافهم الرئيسية كان حقلي "قريش" و"تنين". ومنذ اللحظة التي أُلغي فيها الاتفاق أصبحوا في وضع انتظار. لا يزالون مهتمين بشراء حقول لتطويرها، ولا يزالون يحتفظون بـ20% من رخصة تطوير حقلي "نيتَع" و"روعي" (إلى جانب "راتسيو" [70%])، وأُجريت في هذين الحقلين دراسات سيزمية، ولم تبدأ بعد أعمال التنقيب (حفريات الاستكشاف). لم يفقدوا اهتمامهم في "قريش" و"تنين"، لكن حتى يستمروا هنا، فهم يحتاجون إلى يقين تنظيمي وجدوى اقتصادية في غضون فترة زمنية معقولة. لا يزالون هنا، لكن ليس للأبد".
وفي غضون ذلك، تقول جهات في قطاع الطاقة من قبل الدولة، إنه من جراء "نجاح ثورة التحول إلى الغاز"، يكمن التخوف الكبير في أن نعود جميعنا إلى الظلام أو نجد أنفسنا في ضائقات اقتصادية. ويشرح عميت مور: "تحولنا بسرعة زائدة عن اللزوم إلى الغاز. إن ما يقارب 50% من توليد الكهرباء في البلاد يعتمد على الغاز. هناك مصانع تعمل على الغاز وتحقق وفراً مالياً ملحوظاً، والطلب على الغاز آخذ في الازدياد. ومن جهة ثانية، لا تلوح في الأفق مصادر غاز إضافية، وكل شيء يعتمد على مصدر وحيد".
إن لحقلي "تمار" و"لفيتان" اتفاقين مبرمين، الأول مع الأردن لمدّه بالغاز الطبيعي للاستخدام في الصناعة ("شركة البوتاس [العربية]"، التي هي نظيرة شركة "كيميكاليم ليسرائيل" في الجانب الأردني)، والثاني مع مصر من خلال شركة "دولفينوس". وهناك اتفاقان مهمان قيد البحث مع شركة "يونيون فينوسا" الأسبانية، وشركة "بريتيش غاز BG" البريطانية، لمدّ مصنعي إسالة الغاز التابعين لهما في مصر، وهما شبه متوقفين عن العمل حالياً. لكن، فضلاً عن التخوف من أن تدفع المماطلة هاتين الشركتين إلى شراء الغاز من مصدر آخر، يُطرح أيضاً السؤال كيف أن مصر "التي لديها ضعفان ونصف الضعف مما تملك إسرائيل من الغاز"، بحسب قول د. عميت مور والتي كانت تصدّر الغاز إلى إسرائيل، تحتاج اليوم إلى شراء الغاز من آخرين.
ويتابع مور موضحاً: "المصريون دفعوا شركة "بريتيش غاز" وآخرين إلى الفرار من جراء الرقابة الشديدة على الأسعار (الاتفاق مع إسرائيل على سبيل المثال يلحظ سعر 3 دولارات فقط لكل مليون وحدة حرارية بريطانية). ثم وصلت الثورة ومعها عمليات تخريب خط أنابيب الغاز، فحكمت بالموت في هذه الأثناء على إنتاج الغاز. ويسعى الرئيس الحالي [عبد الفتاح] السيسي، المدرك لأضرار تفويت الفرصة، بأي طريقة ممكنة إلى إعادة هذه الشركات للعمل في مصر.
وهذا هو سبب حاجة الأردن الذي لم تكتشف فيه حتى الآن موارد غازية، إلى الغاز الإسرائيلي بعد اعتماده على الغاز المصري سابقاً. "فقد أدى تفجير خط أنابيب الغاز إلى غرق عمان في العتمة طيلة شهرين. وفي السنوات الأخيرة حوّلوا محطات الطاقة إلى المازوت والسولار بكلفة تراوح بين 6 و7 مليارات دولار، الأمر الذي ولّد مشكلة اقتصادية خطيرة لديهم".
وهذا مثال على أنه حتى لو كان لديك مصدر ضخم لإنتاج الطاقةن فأنت بالتأكيد يمكن أن تجد نفسك وحيداً في الظلمة، جراء تصرفات غير صحيحة.
"استثمار في إسرائيل؟ صفر"
[رجل الأعمال الإسرائيلي] شلومي فوغِل غاضب لأنهم لم يسمحوا له بأن يكون المشغِّل العبري الأول للحفريات.
إن حقيقة أنه يوجد في صناعة النفط، وبشكل أساسي الغاز، مردودٌ مالي هائل للدولة، واضحة للجميع. فبعد جولتين للجنة شيشنسكي التي كُلّفت بتحديد حصة الدولة من عائدات النفط والغاز، حُدّدت النسبة الجيدة: 62%. وعلى أن يبدأ تطبيق الضريبة على عائدات حقل "لفيتان" [والحقول التي يجري تطويرها مستقبلاً]، بعد بلوغ مستوى معين من الأرباح يعوّض الاستثمار الكبير المرتبط. لكن إلى أي مدى سوف تسهم هذه الصناعة في توفير فرص عمل، وما هي الفرص الاقتصادية التي ستتاح لشركات إسرائيلية، فإن هذا من الصعب معرفته. وفي غضون ذلك، تستحوذ طلبات المعدات والأشغال من الخارج، ومن شركات أجنبية، على غالبية الاستثمارات البالغة 3,5 مليارات دولار في حقل "تمار"، والتي من المتوقع أن تصل إلى ضعفي هذا المبلغ لدى تطوير حقل "لفيتان".
أراد شلومي فوغل أن يكون المشغِّل العبري الأول لحفريات الغاز البحرية، ومن أجل تحقيق هذا الحلم، اشترى مع سامي كتساف، والراحل شلومو شملتسر وكين ستانلي، مدير الحفريات في شركة "نوبل إنرجي" فرع إسرائيل، شركةَ (GeoGlobal Resources GGR) إسرائيل، المتفرعة عن شركة كندية، والتي نفّذت حفريات الغاز في حقلي "سارة" و"ميرا".
ومع ذلك لم توافق وزارة الطاقة على جعله مشغّلاً، فيقول بغضب: "هناك أحكام سخيفة تنص على أنه فقط شركة قامت بأعمال حفر في المياه العميقة على عمق يزيد على ألف متر تستطيع مواصلة الحفر. ونظراً إلى انه لا توجد شركة إسرائيلية واحدة فعلت ذلك سابقاً، يتم استبعاد الشركات الإسرائيلية، وبالتالي، لا فرصة لديها. في الولايات المتحدة تستطيع شركة ما أن تكون شركة ناشئة في هذا المجال، شرط أن تجمع ذوي خبرة في هذا النوع من الحفريات وأن يكون لديها بوليصة تأمين. لقد قمت بجمع مبلغ 600 مليون دولار (كتعهّد من قبل مستثمرين) واستقدمتُ الشركةَ التي نفّذت حفريات "نوبل إنرجي"، لكني لم أحظ بموافقة".
لن نخوض في مسألة هل وزارة الطاقة محقة في ذلك، إذ كانت لديها مخاوف من مشغّل جديد استحوذ على شركة لا خبرة سابقة لها في التنقيب (لكن ربما نالت رخصة للحفر لكونها جزءاً من شركة دولية في هذا المضمار)، ثم استقدم فريق عمل من شركة "نوبل إنرجي". إن المسؤولية في هذه القرارات جسيمة للغاية. لكن هذا يقودنا إلى سؤال أهم: أين هو المكوّن الإسرائيلي في هذه الصناعة العملاقة؟
أجرى فوغل دراسة حول هذا الموضوع وهو يعتقد أنه بالإضافة إلى إشراك إسرائيليين في أعمال التنقيب، فمن الضروري أن تُطالَب شركات أميركية قادمة للحفر في إسرائيل بتوظيف قوى عاملة محلية: "وعلى غرار ما يجري في النروج، أو في انكلترا، ينبغي أن يُلزِموا شركات قادمة للعمل هنا، بإنشاء شركات مشتركة مع إسرائيليين من خلال متعهّدين محليّين، وهكذا يؤمنون فرص عمل، فيعزّزون تدريجياً حجم قوة العمل المحلية الماهرة. سوف يُوظَّف مبلغ 6 مليارات دولار في [مشروع تطوير] لفيتان. كم منه سيكون في إسرائيل؟ صفر! كل شيء سوف يُستورد من الولايات المتحدة، وسيُنفّذ في عرض البحر."
حكاية برميل
من "غفعوت عولام"، مروراً باستخراج النفط الصخري، وصولاً إلى حفريات الاستكشاف في هضبة الجولان، تتخبط صناعة النفط في البلاد.
بالإضافة إلى مكتشفات الغاز، ينطوي نشاط قطاع النفط أساساً على آمال وأحلام لم تتحقق. في "حيليتس"، نعم، حقل النفط الشهير الذي أحدث عاصفةً في البلاد في خمسينيات القرن العشرين، لكنه ما لبث أن أصبح محط سخرية الجميع، تنتج منه شركة "لبيدوت" لصاحبها يعقوف لوكسمبرغ عدداً قليلاً من براميل النفط في اليوم. وما عدا ذلك، لا يوجد نشاط - فقط بضع شركات تملك تراخيص تنقيب، لكن قلة منها تركز على حفريات الاستكشاف (exploration). ومن بين الشركات التي أجرت محاولات جدية شركة "شيمين" [Shemen Oil and Gas Resources] التي دفنت الكثير من الأموال والآمال دون العثور على نفط. وهناك اليوم على اليابسة، عملياً، ترخيص واحد فقط لإنتاج تجاري للنفط أو الغاز: إنه امتياز حقل "ميغيد" [Meged] النفطي البري الذي مُنح كما هو متبع لثلاثين عاماً مع إمكانية تمديد المدة عشرين عاماً إضافية، لشركة "غفعوت عولام" التي تنتج منه نحو 500 برميل نفط في اليوم.
لكن هناك دلائل على وجود النفط بوفرة بحسب التقديرات، في البحر تحديداً. وبحسب قول ألكسندر فرشفسكي [مفوض البترول] في وزارة الطاقة، فإن "هناك احتمالاً غير ضعيف لوجود نفط تحت مكمن الغاز في حقل "لفيتان"، وإذا وجدوا هناك نفطاً فهذا يعني أن هناك فرصة كبيرة لاكتشاف نفط في حقل "تمار" وفي الحقول البحرية الأخرى. وبموجب الخطط الأصلية، كان يفترض في شركة "نوبل إنرجي" أن تنفذ حفريات استكشافية للتحقق من هذا الأمر، لكن كل شيء توقف. ومن المؤسف جداً أن تكون هناك إمكانات لا بأس بها ولا يتحققون منها".
ومن بين الشركات الناشطة في مجال الاستكشاف على اليابسة، تبرز شركة "أفيك" (Afek Oil & Gas) المتفرعة عن شركة الزيت الصخري Israel Energy Initiatives (IEI)، التي حاولت الحفر في "عيميك هائيلاه" [وادي السنط]. لكن بعد معارضات قوية من السكان والمنظمات البيئية الذين تخوفوا من أن يلحق الضرر بالبيئة ومنابع المياه وجودة الهواء، لم يمنحها المجلس المحلي للتنظيم المديني فرع القدس الموافقة على العمل.
بيد أن شركة "أفيك" المولودة نتيجة "خطأ مخبري"، بحسب تعبير العالم الجيولوجي د. يوفال بارطوف، الذي دعم إنشاء شركة IEI، تنشط تحديداً في مجالها.
إن الزيت الصخري، لتوضيح الأمور بشكل مبسط، عبارة عن صخرة تحتوي على نفط بحالته الصلبة. وبحسب التقديرات، يوجد في البلاد طاقة كامنة بمقدار أربعين مليار برميل زيت صخري. وفي التجارب التي أجراها خبراء IEI لمعرفة درجة الحرارة التي ينبغي تعريض النفط الصخري لها لتحويله إلى سائل، تبيّن في المختبر، ربما من جراء خطأ في القياس، أن الحرارة المناسبة هي 200 درجة وليست 300 درجة، كما تلحظها المراجع العلمية. فأدرك بارطوف في قرارة نفسه أنه إذا كان الأمر كذلك، فقد تكون هناك مواقع في البلاد حيث الحرارة الجوفية مرتفعة بما يكفي، تحوّل فيها النفط الصخري إلى سائل قد تم بالفعل. وهذا ما قاده إلى هضبة الجولان حيث يوجد نشاط بركاني.
الخطوة التالية كانت تفحّص معطيات حفريات آبار المياه في تلك المنطقة، وعندئذ تبيّن أن عالماً جيولوجياً حفر هناك بئر مياه في ثمانينيات القرن الماضي، وأشار إلى أنه على عمق 630 متراً "هناك علامة على وجود مركّبات هيدروكربونية" أي نفط. وفي جملة اعتراضية، إن هذا العالم الجيولوجي حاول آنذاك، بحسب قول بارطوف، لفت انتباه جهات معنية إلى هذا الموضوع، بيد أنهم اعتقدوا أن الأمر يتعلق بنفط متسرّب من منطقة بحيرة طبريا، فحفروا جنوبي بحيرة طبريا البئر "تسيمح1"، لكن تبيّن أن البئر جافة.
طلب بارطوف من المعهد الجيولوجي نماذج عن الصخور المحفوظة لديه من كل الحفريات، فاكتشف أنها تحتوي على نفط، وفي أعقاب عدة فحوص طوّر أطروحة مفادها أنه في جنوب هضبة الجولان، من اليرموك وحتى [مستوطنة] كاتسرين، هناك مكمن نفط هائل، موجود على عمق قريب جداً مقارنةً بالحفريات الجارية حالياً والتي تصل إلى عمق خمسة أو عشرة كيلومترات في باطن الأرض. لكن يبقى الأمر فرضية ينبغي التحقق من صحتها، وكل قطعة من الصخر يتم استخراجها من بئر "نيس 5" ويجري فحصها في المختبر، تقلب المزاج إلى الأعلى أو الأسفل، تبعاً للنتيجة، لأن بارطوف يعلم قاعدة الاستكشاف الأولى: "طالما لم تحفر فأنت لا تعلم".
في الشهر المقبل سوف ينفذون في "أفيك" حفريات مهمة، بعد أن واجهتهم صعوبات غير متوقعة، إذ اضطروا إلى زيادة عمق الحفر كيلومتراً إضافياً عن العمق المحدد في الخطة، عندما تبيّن أن الطبقة الصخرية التي تسبق الطبقة المستهدفة "أسمك بكثير من أي مكان آخر في البلاد" نسبة إلى هذا النوع من الصخور الجيرية ("كيرتون").
_______________
يروي الصحافيان شارلز ليفينسون وغاي شازان قصة شراء جزء من ترخيص "راتسيو" في مقال منشور في جريدة "وول ستريت جورنال" حيث كتبا التالي: "أقنعوا شركتي نوبل وديلك بشراء جزء من رخصتهم. باعوا نسبة 45% إلى ديلك ونسبة 40% إلى نوبل". أنظر: Charles Levinson and Guy Chazan, “Big Gas Find Sparks a Frenzy in Israel”, Wall Street Journal, December 30, 2010. ؛ على الموقع الإلكتروني التالي: http://www.wsj.com/articles/SB10001424052970204204004576049842786766586 (المحرر).
في حزيران/يونيو 2014، وقّع الشركاء في حقل "لفيتان" وشركة "بريتيش غاز" رسالة نيات تنص على تزويد 105 مليارات متر مكعب (BCM) من الغاز الطبيعي إلى منشأة "بريتيش غاز" لإنتاج الغاز المسال في إدكو في مصر على مدى 15 عاماً مقابل 30 مليار دولار. كانت الآمال معقودة على إتمام هذه الصفقة الكبيرة التي تتعلق بتصدير ما يقارب سُدْس احتياطي حقل "لفيتان"، من أجل تأمين التمويل الضروري لتطويره. انظر: مقالة هدي كوهين: "صفقة رويال داتش شيل وبريتيش غاز قد تنسف فرص تطوير لفيتان"، غلوبس، نشرة قطاع الأعمال في إسرائيل، 16/4/2015 (المحرر).
شركة Givot Olam Oil Exploration للتنقيب عن النفط (المحرر).
شركة IEI لصاحبها هوارد جوناس (Howard Jonas)، وهو رجل أعمال أميركي، يملك شركة IDT Corporation مقرّها نيو جيرسي. إن جوناس هو متبرع كبير لحملة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الانتخابية، ولقد أسس شركة IEI عام 2008 من أجل تطوير إنتاج النفط من الزيت الصخري في إسرائيل. وبرغم الدعم الذي تلقاه من مكتب رئيس الوزراء، ومن يودجين كندال، لم يتمكن من تنفيذ مشروعات الزيت الصخري في إسرائيل بسبب معارضة منظمات بيئية. أنظر الرواية الكاملة بقلم أفنير هوفستاين، "هدف في مرمى راعي نتنياهو الأميركي تحققه المنظمات البيئية الإسرائيلية": Avner Hofstein, “Netanyahu American Donor 0; Israeli Environment 1”, Haaretz Sept 12, 2014 (المحرر).