•تثبت ظاهرة أحزاب الوسط التي تميز الحياة السياسية الإسرائيلية منذ إنشاء حزب داش [الحركة الديمقراطية للتغيير] سنة 1977 ونجاحه المفاجئ في الانتخابات التي جرت في تلك السنة (فقد حصل على نحو 15 مقعداً) أنها ظهرت لتبقى. وتعكس هذه الظاهرة عدم استعداد الناخب للتعلم من التجربة الطويلة لدخول هذه الأحزاب إلى المشهد السياسي عندنا (مثل داش، والطريق الثالث، وشينوي، وحزب المتقاعدين، وكاديما وغيرها).
•وعندما أسمع ردود أعضاء حزب "يوجد مستقبل" على الأسئلة المتعلقة بمستقبلهم في ضوء استطلاعات الرأي غير المشجعة، يصعب عليّ ألا أفكر بأنهم مجموعة من الحمقى. فهم يرددون مثل جوقة أنه في انتخابات الكنيست الـ19 توقعت الاستطلاعات أنهم سيحصلون على عدد قليل من المقاعد، لكنهم استطاعوا أن يحققوا إنجازاً كبيراً. أقترح عليهم أن يستوعبوا التالي وهو أن ما لم يحققوه في فترة ولايتهم السابقة، فإنهم لن يستطيعوا تحقيقه في المستقبل. إن حظوظ لبيد الابن في أن ينهي حياته السياسية المثيرة للشفقة مثلما أنهاها والده [طومي لبيد الذي فاز حزبه في انتخابات 2003 بـ15 مقعداً لكنه في انتخابات 2006 لم يستطع تخطي نسبة الحسم]، هي أكبر بكثير من حظوظ إعادة تحقيق ما حققه في الانتخابات الماضية. والسبب لا يعود فقط إلى أن أحزاب الوسط (التي تختلف عن أحزاب "وسط" تقليدية في العالم وفي إسرائيل- مثل الصهيونيون العموميون، التي تمثل موقفاً وسطاً محافظاً لكن براغماتياً)، تُغرق الكنيست بأشخاص من دون تجربة سياسية (في حزب "يوجد مستقبل" هناك قرار واضح بعدم إدخال أي عضو كنيست سابق إلى الكنيست!)، ونتيجة لذلك يقع هؤلاء في أخطاء المبتدئين. ويعود السبب الأساسي إلى حذر أعضاء أحزاب الوسط من الالتزامات الإيديولوجية المهمة ولا سيما في المجال السياسي.
•ومن الطبيعي أن يتحول تفوق ظاهرة هذه الأحزاب في الانتخابات الماضية إلى خسارة في الانتخابات السابقة، حتى لو جرت هذه الانتخابات بعد وقت قصير من الأولى. فما الذي يجري فعلاً هنا؟ إن قسماً كبيراً من المرشحين للكنيست في لوائح الوسط هم شخصيات نوعية بارزة في مجالها، بيد أن حماسة هؤلاء للدخول إلى المطبخ السياسي محدودة جداً، ويغريهم الدخول إلى الكنيست طالما أنهم ليسوا مجبرين على خوض المنافسة فعلاً والقيام بحملة سياسية لهذه الغاية. وهم ينضمون إلى النجم الدوري (مثلما حدث مع البروفسور يغآل يادين أو طومي ويائير لبيد)، ويرفعون الراية المستهلكة لحزب غير حزبي.
•هذا ما يريده الجمهور منذ 1977 حتى اليوم، حزب من دون مصالح ومن دون مسؤولين أو فروع ومن دون برامج مرّ عليها الزمن، ومن دون التزامات قديمة ومن دون ممثلين في الوكالات وفي الصندوق القومي اليهودي، وفي المجالس البلدية والدينية، ومن دون أعضاء يريدون وظائف لأنفسهم ولأبناء عائلاتهم. هم يريدون حركة تمثل المصلحة الإسرائيلية الصافية، وكل حزب وسط مر بهذه الجولة تعهد بذلك.
•ونظراً إلى أن الجهد الأساسي للأعضاء في اللائحة الجديدة هو أن يكونوا لطفاء ويعانقوا "الجميع" ولا يختلفوا مع أي طرف ويتهربوا من الإجابة على أي سؤال قد يدفعون ثمنه، لذا يستطيع الناخبون أن يفسروا مواقفهم كما يشاؤون، فالصقور قد يفسرون ما يقوله النجم الدوري بطريقة متشددة، في حين يفسرها الحمائم لأنفسهم بطريقة معاكسة تماماً.
•لكن هذه الصورة التي تجمع الجميع لا تلبث أن تتصدع مع أول قرار يتعين على أعضاء الكتلة اتخاذه في الحكومة والكنيست. وفي أحيان كثيرة يتعرف أحدهم على مواقف الآخر بعد التصويت في الكنيست، وحينها تبدأ الخلافات التي تفرق بينهم. وعندما يتخذون قراراً جماعياً يتضح إما أنهم يعارضون أي نوع من الاتفاق مع جيراننا، أو أنهم مستعدون لدفع ثمن باهظ من أجل التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، وبذلك يخيبون أمل جزء كبير من ناخبيهم.
•وفي نهاية الأمر تفقد هذه الأحزاب بريقها لأنه يتضح أنها غير قادرة على تحقيق الآمال التي علقها عليها ناخبوها. كما أن هذه الأحزاب ليست مهيئة للتركيز على موضوع معين تدعمه في حملتها الانتخابية لأنها لا تشكل مجموعات ضغط بل أحزاب يتعين عليها اتخاذ قرارات في أي موضوع مطروح على جدول الأعمال الوطني. فحزب المتقاعدين لم يهتم فقط بظروف حياة المتقاعدين، بل كان ممثلاً في الحكومة وفي لجان الكنيست وأرسل الشباب إلى حربين لا ضرورة لهما خلال فترة ولايته القصيرة. ولبيد الذي دخل إلى الحياة السياسية من أجل البحث عن الأموال [المهدرة] والذي لم يعثر عليه حتى في وزارة المال، كان عليه معالجة هل تجب مهاجمة إيران. وحتى كحلون لا يستطيع الجلوس في الكنيست والتصويت فقط على موضوعات تنظيم أسعار السلع حتى انتخابات الكنيست الـ21.
•نقول وداعاً لبيد، أهلاً وسهلاً كحلون. ومن دون برنامج ومن دون أي إشارة لما يريده هؤلاء الأشخاص فعلاً باستثناء الوصول إلى مؤسسات السلطة وتغيير الوضع، فإنهم في الولاية القادمة للكنيست ستكون لديهم القدرة على تقرير حياتنا.