•ما إن تقرر تقديم موعد الانتخابات الإسرائيلية العامة المقبلة حتى باتت الموضوعات السياسية مسيطرة على جدول الأعمال العام. ومع ذلك، فثمة جانب آخر معادٍ أيضاً لا يراعي بالضرورة جدول أعمالنا ومن شأنه أن يثير مفاجآت أمنية، وهو "حماس" في غزة وحزب الله في لبنان.
•ويبدو لي أنه بالإضافة إلى الحاجة البديهية للمتابعة الاستخباراتية، فثمة أمور أخرى من الصحيح المبادرة إليها الآن في هاتين الساحتين تحديداً.
•قبل عدة أشهر وافقت "حماس" على وقف إطلاق النار لسببين: أولاً، الثمن الذي دفعته؛ ثانياً، إدراكها أنه بعد الحفاظ على الهدوء لشهر ستبدأ المباحثات حول إعمار القطاع. لكن على الرغم من مرور أربعة أشهر على وقف إطلاق النار لا تظهر في الأفق بداية لهذه المباحثات. ويعود ذلك إلى سبب بسيط هو أن الدولة التي خُوّلت بقيادة هذه المباحثات هي مصر، والمصريون لا يضغطون من أجل ذلك لكونهم منشغلين بمواجهة الإرهاب في سيناء ولغضبهم من "حماس" التي تساعد أولئك الإرهابيين وفقاً لزعم القاهرة.
•غير أن إسرائيل لديها مصلحة في استئناف المباحثات نظراً إلى أن الردع الذي تحقق خلال عملية "الجرف الصامد" العسكرية لن يكفي. وإلى جانب العصا فمن الصحيح أن نعرض أيضاً الجزرة في هيئة إعمار اقتصادي للقطاع وحل المشاكل الإنسانية العاجلة هناك. وإذا لم تبدأ مسيرة في هذا الاتجاه قريباً، فلا ينبغي أن نُفاجأ إذا ما عدنا إلى دائرة الصواريخ وإطلاق النار حتى قبل الانتخابات.
•كما أن الهدوء على طول الحدود في لبنان والذي نجحنا في الحفاظ عليه على مدار ثمانية أعوام ونصف العام، ليس مضموناً قطّ. وتم الحفاظ عليه من خلال الاحتفاظ بقوة الردع الإسرائيلية سواء نتيجة الهجمات المحسوبة في سورية المنسوبة إلى إسرائيل حسب وسائل الإعلام الأجنبية، أو لكون حزب الله متورطاً الآن في محاولة مساعدة نظام الرئيس السوري بشار الأسد وكبح تنظيم "الدولة الإسلامية" ["داعش"]. وهناك سبب ثالث أيضاً: الرغبة الإيرانية في التوصل إلى اتفاق جيد مع الدول العظمى في ما يتعلق ببرنامج طهران النووي. بيد أن هذا الواقع من شأنه أن يتغير بسهولة، ويكفي أن تنشب أزمة بين إيران والدول العظمى حتى ينفلت حزب الله من عقاله.
•كيف يمكن أن نضمن إذاً الهدوء على طول الحدود اللبنانية حتى في حال اختفاء بعض هذه العوامل الكابحة؟ هناك شيء واحد تفعله إسرائيل لكن بصوت خافت جداً، وهو أن تشرح للعالم قبل الأوان أنه إذا ما فتحت النار نحوها من جانب لبنان فمن شأن ذلك أن يؤدي لا إلى مواجهة بين إسرائيل وحزب الله فحسب، بل أيضاً إلى حرب بين إسرائيل ولبنان. ونتائج مثل هذه الحرب ستكون دماراً جسيماً في لبنان. ولأنه لا أحد يريد ذلك- في سورية وإيران والدول العربية وفرنسا والولايات المتحدة- فإن إدراك جميع هؤلاء وحده إلى أين ستتدهور الأمور، يمكن أن يتسبب بكبح متواصل لحزب الله.
•أذكر أنه في نيسان/ أبريل 2006 سافر رئيس الحكومة ذلك الحين إيهود أولمرت إلى واشنطن لعقد اجتماع مع الرئيس الأميركي، وكان على جدول الأعمال موضوعان كلاسيكيان: إيران والفلسطينيون. وكان هناك من حاول إقناع أولمرت بأن يعرض الخطر المحدق بإسرائيل من لبنان بالذات كأولوية عليا، لكنه اعتقد أن هذا غير ملح و"يمكن مناقشته في المرة التالية". وبعد نحو ثلاثة أشهر من هذا الاجتماع اندلعت حرب لبنان الثانية، وعندما فتحت النار علينا أتى شرح موقفنا متأخراً.
•ذات مرة قال رئيس هيئة الأركان العامة السابق أمنون ليبكين شاحك: "نحن الإسرائيليين نشبه شخصاً يسير في الظلام وهو يحمل فانوساً من دون أن يشعله، لكن بمجرد أن يصطدم بعائق ويسقط على وجهه ويندس أنفه في الوحل يتذكر أن يسأل نفسه: "كيف يمكن بحق الجحيم الخروج من هذا؟". وأعتقد أنه في كل ما يتعلق بموضوعي غزة ولبنان، من الصحيح أن نبادر قبل أن نغوص في الوحل.