•الوجه الآخر لقول كلاوزفيتز "الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى"، هو أن التفاوض استمرار للحرب بوسائل أخرى، وقد وضعت عملية "الجرف الصامد" ونتائجها إسرائيل أمام جملة من التحديات السياسية. حركة "حماس" تلقت ضربة قوية- على الصعيدين العسكري والسياسي. وتعكس حقيقةُ عدم طرح مطالبها حول الميناء والمطار على جدول الأعمال، تراجع الأوراق السياسية الباقية في يديها. وستتجلى هذه الحقيقة مستقبلاً في السياق المتصل بمطالبة إسرائيل جعل قطاع غزة منطقة منزوعة السلاح، في مقابل مشاريع التنمية الاقتصادية والمدنية للقطاع.
•كشفت عملية "الجرف الصامد" العزلة السياسية لحركة "حماس" في معظم أنحاء العالم العربي. وسيكون لهذا الواقع انعكاسات إيجابية محتملة على التطورات الدبلوماسية والجيوسياسية في منطقتنا ومن ضمنها المسألة الفلسطينية.
•هناك من يحاول الربط بين أسباب الحرب الأخيرة وانهيار المفاوضات بين إسرائيل وأبو مازن، على الرغم من عدم وجود أي صلة بين الأمرين. فبالإضافة إلى أن حركة "حماس" لم تكن شريكة في المفاوضات المذكورة، تعتبر الحركة أن إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، التي ترغب بتدميرها، ليس هدفها على الإطلاق. ومع ذلك، فإن ارتفاع شعبية أبو مازن في مقابل تراجع شعبية حركة "حماس"، والأجواء المضطربة على الصعيدين السياسي والديني في المنطقة، يفتحان نافذة صغيرة لتحالفات جديدة في منطقة الشرق الأوسط.
•إن من مصلحة إسرائيل دعم تسوية سياسية، لكن السؤال المطروح هو: هل إن السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن سترجع لعادتها القديمة، أم أنها ستبدي استعداداً هذه المرة للذهاب إلى المفاوضات بأيد نظيفة؟ وفي هذه الأثناء، ومع أن أبو مازن يبدو وكأنه سئم من المصالحة مع حركة "حماس"، إلا إنه لم ينفصل عنها حتى الآن، في حين أن "خطة السلام" القديمة- الجديدة التي يقترحها، تشير بالضبط إلى استمرار التكتيك الرافض والمشاكس، الرامي إلى إفشال أي تفاوض حقيقي يتطلب تنازلات متبادلة والامتناع عن الشروط المسبقة. وعلى ما يبدو، فإن مطالبته بجعل ترسيم الحدود المستقبلية بين إسرائيل وفلسطين البند الأول على جدول الأعمال تتجاهل عن قصد أن هذا الموضوع، حتى بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، يجب أن يكون نتيجة الترتيبات الأمنية التي سيجري وضعها، وليس العكس. وتشكل هذه المطالبة إشارة واضحة إلى أن أبو مازن يسعى لإفشال المسارات الدبلوماسية المباشرة مع إسرائيل بهدف التوجّه مجدداً إلى مؤسسات الأمم المتحدة على اختلافها، وإلى محكمة العدل الدولية، وهي معروفة بانحيازها المسبق ضدنا.
•ومن شأن هذا التوجه إلى المؤسسات الدولية أن يمكّن أبو مازن من الالتفاف على نقاش جدي حول القضايا "الجوهرية"، مثل "حق العودة" والقدس وما إلى ذلك، والتي تستدعي معالجتها تسويات وتنازلات فلسطينية. وموقف الولايات المتحدة التقليدي في هذا الشأن واضح: مفاوضات مباشرة بين الجانبين من دون شروط مسبقة، ومعارضة إجراءات دبلوماسية أحادية الجانب. وبما أن النيات الفلسطينية لا تتماشى مع الموقف الأميركي، فثمة أمل في أنه عندما ستطرح الخدعة المكشوفة لأبو مازن للنقاش في مجلس الأمن الدولي، سيكون ردّ واشنطن أميناً لمواقفها الثابتة في هذا الشأن.