• "حماس" في وضع بائس. فبعد 1800 قتيل ودمار لا يوصف وتحول ربع سكان القطاع الذين هم تحت سيطرتها إلى مشردين، هي مطالبة اليوم من جانب الوسطاء المصريين وإسرائيل بالموافقة عملياً على صيغة شبيهة بتفاهمات عملية "عمود سحاب"، أي هدوء ووقف ثابت لإطلاق النار، من دون تحقيق أي إنجاز باستثناء بضعة تسهيلات كانت إسرائيل مستعدة لتقديمها مثل توسيع منطقة الصيد البحري وزيادة كميات الغذاء والأدوية التي تدخل إلى القطاع.
• لم تحصل "حماس" من المصريين أو من إسرائيل على أي شيء من المفاوضات تبرر 28 يوماً من القتال وخلفت الخراب والدمار في غزة. فبعد 28 يوماً من القتال الذي بادرت إليه "حماس" وبعد رفضها خمس مرات وقفاً إنسانياً لوقف النار، ماذا سيقول زعماؤها للناس الآن ؟
• تقاتل "حماس" دفاعاً عن بقائها، وهي لن تستطع الصمود إذا لم تحقق إنجازات. لذا فهي تتصرف وسائر التنظيمات في غزة مثل الوحش الجريح الجريح. فهم يجمعون ما بقي لهم من قوتهم الصاروخية لتحسين وضعهم التفاوضي والحصول على تنازلات. وتكلف "حماس" الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية اللذين أعلنا مسؤوليتهما عن القصف، بالمهمة. والهدف منع انسحاب مصر وإسرائيل من المفاوضات. وقد يكون هذا هو السبب الذي من أجله طلب المصريون من إسرائيل عدم الرد بعنف، فهم يأملون التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
• وليس المصريون وإسرائيل وحدهم من يقيم في وجه "حماس" سوراً حديدياً ضد قبول مطالبها، إذ كذلك يفعل أبو مازن وجماعته. فرئيس الوفد المشترك إلى القاهرة الذي ينتمي إلى السلطة عزام الأحمد يضغط من أجل التوصل إلى تسوية. من جهة أخرى، يقول خالد مشعل وزعماء الجناح السياسي في قطر للغزاويين الذين شاركوا في المفاوضات حتى الآن: "لقد قلنا لكم بأن عليكم رفض الموافقة على وقف النار".
• لم يعد أمام هنية وضيف خيار آخر. فمن دون الحصول على فتح معبر رفح وتعهد بشأن مرفأ بحري ومطار، فإنهما سيستأنفان إطلاق النار، ويحاولان التذاكي بمساعدة حركة الجهاد الإسلامي.
• تخوض "حماس" حرباً نفسية، وهي تستغل خوف سكان غلاف غزة من الأنفاق من خلال عرضها عبر محطة الجزيرة ما بقي لديها من أنفاق. لكن الصور المعروضة ليست لأنفاق هجومية، وإنما هي لأنفاق قتالية تستخدمها "حماس" للتنقل داخل غزة، أو هي تقضي إلى منصات إطلاق صواريخ مخبأة تحت الأرض. ومن المحتمل أنه حتى لو بقيت لدى "حماس" أنفاق هجومية، فهي لن تستخدمها حالياً لأن ذلك يعني دخول إسرائيلي بري جديد لا تريده "حماس" ولا حركة الجهاد الإسلامي، فهما يريدان وقفاً للنار مع إنجاز، لا أكثر ولا أقل.
• يتعين على إسرائيل أن تدرس جيداً طريقة الرد. فتوجيه ضربة جوية هو الخيار المباشر والوحيد. لكن الوضع الدولي لن يسمح لإسرائيل حتى باستخدام 10% من قوة النار التي يستطيع سلاح الجو استخدامها. فالشرعية الدولية انتهت، وقد نجد أنفسنا عرضة لأن تفرض علينا الأمم المتحدة ودول أوروبية وأميركية جنوبية عقوبات اقتصادية. كما تبذل دول عربية جهوداً كبيرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي مجلس الأمن.
• لذا، إذا كانت مصر مستعدة لمواصلة المفاوضات، يجب على إسرائيل عدم الانسحاب منها. ويجب إدارة هذا الوضع المعقد المؤلف من مفاوضات ونار حذرة بصورة توضح لـ"حماس" أن قرارها استئناف إطلاق النار سيكبدها ثمناً فادحاً، وفي الوقت عينه على إسرائيل ألا تزيد من الغضب ضدها على الساحة الدولية.
• في هذه الأثناء ازداد وضع "حماس" سوءاً بعد عودة إطلاق النار. فالغزاويون يغادرون منازلهم، ولم يأت الرد الإسرائيلي مباشرة خوفاً من المس بالسكان الذي يهربون من الأماكن القريبة من مراكز إطلاق الصورايخ.
• الجيش مستعد لمواجهة هذا الوضع. فالاحتياطيون الذين سُرحوا يمكن استدعاؤهم مجدداً. والجزء الأكبر من قوات المناورة، من طواقم قتالية وألوية نظامية لا تزال في مناطق الدخول القريبة من القطاع. ومهمة هذه القوات مزدوجة: الدفاع عن المستوطنات من هجوم محتمل عبر الأنفاق، والقيام بهجوم بري داخل قطاع غزة إذا شدت "حماس" الحبل أكثر من اللازم وتسببت بمقتل إسرائيلي على سبيل المثال.
• هكذا تصرف الجيش الإسرائيلي بعد حروب ماضية وهكذا يتصرف اليوم. فوقف النار هو استمرار للحرب بوسائل سياسية بالنسبة للطرفين، وهناك ارتباط بين النار والمفاوضات أحياناً.
• ومما لا شك فيه أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر طويلاً، إذ تدرك "حماس" الاعتبارات الدولية التي تفرض نفسها على إسرائيل، والتي ستدفع الطرفين في النهاية إلى التوصل لحلّ. لكن القاهرة والقدس اليوم قيد الاختبار، ومن المهم جداً بالنسبة "لحماس" أن تخرج من الجولة الحالية التي بادرت إليها مع إنجاز ما.