التطورات في العراق تنطوي على خطر متعدّد الاتجاهات يطال إسرائيل أيضاً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·      حتى الفترة الأخيرة قلائل اهتموا بما يجري في العراق. فمنذ غزو الولايات المتحدة لهذا البلد سنة 2003، دارت حرب بين جميع الأطراف ترافقت بموجات من الهجمات والمذابح، بصورة خاصة بين الميليشيات الشيعية والسّنية. ومنذ سنوات لم يعد يُحصى عدد القتلى في العراق، لكن ثمة تقدير بأنه منذ العام 2003 حتى اليوم قتل ما لا يقل عن 150 ألف شخص. لكن هذا ظل شأناً يتعلق بالعراقيين والأميركيين حتى خروج القوات الأميركية من هناك في نهاية 2011.

·      بيد أن هذا كله تغير دفعة واحدة في مطلع حزيران/يونيو، بعدما سيطرت الميليشيات الجهادية السنية المتشددة- "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) التي تعتبر أكثر تطرفاً من القاعدة- على الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، من دون مقاومة حقيقية، وعلى مدن أخرى وتقدمت بحيث أصبحت على بعد 100 كيلومتر من بغداد. وهكذا ظهر واقع جديد في العراق من شأنه أن ينعكس ليس عليه فحسب، بل على الشرق الأوسط كله وعلى العالم.

·      إن أولى الانعكاسات هي المتعلقة بالعراق نفسه، فمنذ عقد من الزمن كان واضحاً أن العراق لم يعد دولة موحدة بقيادة حكم مركزي قوي يملك قدرة عسكرية بارزة ومكاناً أساسياً في العالم العربي. فقد خسر العراق قدرته العسكرية ودوره المركزي، وهو اليوم يعتبر دولة مقسّمة، فالجيب الكردي في الشمال يشكل حكماً ذاتياً مستقلاً ولديه ميليشيا عسكرية قوية وأجهزة حكم مستقلة.

·      كان من الصعب التمييز بين السكان الشيعة والسّنة الذين كان جزء منهم مختلطين ببعضهم بعضاً، لكن اليوم استطاع التنظيم الجهادي أن ينشئ منطقة مهمة مستقلة شمال ووسط العراق، مما عمّق الانقسام الحاصل وشكل خطراً كبيراً على الشيعة.

·      تنضم المنطقة الجهادية في العراق إلى تلك التي أقيمت في سورية، وهما تتغذيان من بعضهما البعض وتشكلان تهديداً خطيراً للدول المعتدلة المحيطة. ويمكننا افتراض أن داعش مثل القاعدة تسعى إلى إسقاط الأنظمة الإسلامية واستبدالها بنظام خلافة إسلامية متشدد. وهذا الهدف يهدد بالتدخل والتآمر واستخدام الإرهاب ضد الأنظمة في دول الخليج وفي مصر، والأكثر تعرضاً للخطر هو الأردن المجاور لسورية والعراق.

·      حملت الصدمة في العراق بشرى ملتبسة بالنسبة لإيران. فمن جهة تنظر إيران إلى التنظيمات الجهادية بوصفها عدوة لها، سواء في العراق أو في سورية، لأنها تهدد النظامين الواقعين تحت نفوذها. كما يقلق انعدام الاستقرار ما وراء الحدود إيران التي هي أيضاً دولة أقليات تخشى انزلاق الاضطرابات إلى داخل تخومها. لكن من جهة أخرى، تحولت إيران إلى العنصر الخارجي الأكثر تأثيراً في العراق، وبصورة خاصة داخل المعسكر الشيعي، ومن شأن الخطر الذي يتعرض له هذا المعسكر زيادة حاجته إلى مساعدتها وتبعيته لها، وهي أعلنت استعدادها لتقديم المساعدة لحكومة العراق إذا طلب منها ذلك، وتتحدث تقارير عن أن هذه العملية بدأت.

·      تشكل التطورات العراقية خطراً على الولايات المتحدة أيضاً، فالإدارة الأميركية ملزمة أخلاقياً وعملياً بمساعدة الحكومة العراقية لأن تدخلها العسكري هناك هو الذي أدى إلى التدهور. إلى جانب ذلك، فإن هذا التدهور يمكن أن يصيب حلفاءها في المنطقة، فيؤدي إلى عمليات إرهابية ضدهم وضد أهداف أميركية. حتى الآن، الولايات المتحدة غير مستعدة لتدخل بري جديد، وهي تدرس القيام بضربات جوية ومساعدة عسكرية بالتعاون مع دول المنطقة مثل تركيا. لكن هذه الحاجة إلى الدعم الإقليمي قد تؤدي إلى تعاون أميركي- إيراني يستتبع تنازلات أميركية في المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني.

 ينطوي التدهور في العراق على مخاطر واضحة على إسرائيل في المستقبل وفي المدى الزمني المباشر، فالمناطق الجهادية في العراق وسورية ستنتج إرهاباً ضد إسرائيل، كما ستتسبب بزعزعة النظام في الأردن وتقوية الأطراف المتشددة وسط الفلسطينيين وفي سيناء. كما أن تعاظم النفوذ الإيراني في العراق وتعاوناً أميركياً- إيرانياً هناك سيكون لهما انعكاسات سلبية على إسرائيل. فإذا ما أظهرت الولايات المتحدة مرة أخرى ضعفاً في معالجة المنطقة الجهادية، فإن هذا سيلحق الضرر بإسرائيل أيضاً.

 

المزيد ضمن العدد 1915