· بالأمس وبعد مرور 48 ساعة على خطف الشبان الثلاثة الذين يدرسون في يشيفات غوش عتسيون، ارتسمت الصورة التالية: عملية الخطف لم تقع مصادفة بل تم التخطيط لها جيداً على يد تنظيم إرهابي؛ المخطوفون ما يزالون في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] واحتمال أن يكونوا في منطقة الخليل كبير؛ لا وجود لمعلومات قاطعة تتعلق بسلامة المخطوفين الثلاثة وثمة خوف كبير على مصيرهم.
· تستند هذه الافتراضات إلى المعلومات الاستخباراتية التي جمعت نهاية الأسبوع بقيادة الشاباك في عملية شملت اعتقال عشرات الفلسطينيين المعروف بأنهم نشطاء في تنظيمات إرهابية وعشائر كانت لها علاقة بعمليات إرهابية والتحقيق معهم، وكذلك من خلال استخدام الاستخبارات البشرية والتكنولوجية بصورة خاصة، وجمع الأدلة بما فيها السيارة المحروقة التي عثر عليها في المنطقة حيث يعتقد أن عملية الخطف وقعت. وضمن هذا الجهد، قام الجيش الإسرائيلي بنقل قوات كبيرة إلى الخليل بهدف المساعدة في تنفيذ الاعتقالات، والضغط على الفلسطينيين للكشف عن الخاطفين وتحديد مكان المخطوفين.
· ولا يعود الخوف على مصير الثلاثة فقط إلى عدم طرح طرف أو تنظيم شروطاً لإطلاقهم، بل بسبب تاريخ المنطقة. ففي ظل سيطرة إسرائيل العسكرية والاستخباراتية على يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، أدركت التنظيمات الإرهابية أنها لا تستطيع الاحتفاظ بمخطوفين إسرائيليين على قيد الحياة وإجراء مفاوضات لإطلاقهم، وفي معظم الحالات اختارت هذه التنظيمات قتل المخطوفين بعد وقت قصير من الخطف. ولذلك ثمة تخوف من أن يكون المخطوفون الثلاثة نُقلوا إلى غزة أو الأردن. لكن في تقدير جهات أمنية، فإن حظوظ حدوث ذلك "ضئيلة للغاية" لأن هذا يتطلب تنسيقاً وثيقاً بين القطاع والضفة في الزمن الفعلي [لعملية الاختطاف] مما كان سيؤدي في حال حصوله إلى نشاط واسع وعلني ستعرف به الاستخبارات، مما سيزيد احتمالات كشف الخاطفين والمخطوفين.
· إن عدم اكتشاف وجود خطة للخطف قبل وقوعه وإحباطها مسبقاً يدلان على فشل واضح للأجهزة الاستخباراتية يتطلب درساً، كما يجب أن تدرس الفترة الزمنية الطويلة التي مرت منذ عملية الخطف حتى البدء بالعمل الجدي لتحديد مكان الخاطفين، وهذا يدل على تقصير خطير من جانب الشرطة التي لم تنقل المعلومات إلى الشاباك فوراً. ويدل الخلل الاستخباراتي على تنسيق عالي المستوى بين الخاطفين وعلى قلة عددهم لأن أي تحرك كبير الحجم كان سيعرض العملية للخطر. كما يبدو أنه جرى التخطيط للعملية بدقة لأنها تطلبت الجمع المسبق لمعلومات استخباراتية ومعرفة جيدة بالأرض، وتوفير التمويه الملائم لإبعاد الشبهات وإقناع المخطوفين بأن السيارة إسرائيلية ومضمونة وأن الخاطفين يهود غير خطرين. ومن المحتمل أن يكون شارك في الخطف أكثر من شخص واحد بسبب صعوبة سيطرة شخص واحد على ثلاثة شبان من خلال الخداع، ثم الفرار والاختفاء.
· وعلى الرغم من قول رئيس الحكومة الواضح بأن "تنظيماً إرهابياً" وراء الخطف، فقد امتنعت إسرائيل عن اتهام تنظيم معين.
· وعلى ما يبدو، فإن إعلان تنظيم سلفي متشدد مسؤوليته عن الخطف كان كاذباً، مما يُبقي متهمين مباشرين: "حماس" والجهاد الإسلامي، إذ يملك التنظيمان بنية تحتية في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، وتتمركز حركة "حماس" في الخليل ولديها تاريخ في عمليات الخطف، ولا سيما في منطقة الخليل (فالجندي شارون أدري خطف وصُفّي على يد خلية خرجت من قرية صوريف في منطقة عتسيون). ولدى التنظيمان حوافز كثيرة للقيام بعملية خطف من أجل إطلاق مخربين. وهناك بالطبع الإضراب عن الطعام الذي ينفذه نحو 170 معتقلاً فلسطينياً في السجون الإسرائيلية، وأيضاً الرغبة في إحراج إسرائيل بعد اقتراح القانون الذي أقرته في الفترة الأخيرة اللجنة الوزارية والقاضي بمنع إطلاق أسرى أمنيين في صفقات تبادل أسرى. لكن هذه المطالب لم يسبق أن طرحها الخاطفون، ففي المرات السابقة (لدى خطف الجندي شارون أدري، وفي حادثة خطف الجنديين إيلان سعدون وآفي سبورتس) قتل المخطوفون ودُفنوا من دون أن يطرح الخاطفون أي مطلب، ولم يجر العثور على جثثهم إلا بعد سنوات.
· بالأمس وجّهت إسرائيل أصابع الاتهام إلى السلطة الفلسطينية بأنها هي المسؤولة عن الإرهاب الصادر عن أراضيها. مما لا شك فيه أن أبو مازن لم يكن على علم بعملية الخطف، وليس مسروراً بحدوثها برغم مظاهر الفرحة الواضحة التي سادت يوم الجمعة الشارع الفلسطيني. ويتخوف أبو مازن من احتمال أن تكون "حماس"، شريكته في الحكومة، متورطة في الخطف، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الضغط الإسرائيلي على السلطة، ويبدد جزءاً من التأييد الدولي الذي حظي به في الأسابيع الأخيرة. وبالأمس أعربت إسرائيل عن خيبة أملها لأن العالم - المشغول بالمونديال وبالتطورات في العراق- لم يهتم بالمسألة. وعلى الرغم من ذلك، فسوف يُطلب من السفارات الإسرائيلية في الخارج توجيه الاهتمام نحو الإرهاب الصادر عن مناطق السلطة والموجه ضد المدنيين والشبان العُزل. لكن ثمة شك في أن يساعد ذلك إسرائيل، فالعالم لم يعبأ بخطف 300 فتاة في نيجيريا، وسيكون من الصعب أن يتعاطف مع خطف ثلاثة تلامذة يشيفا في إسرائيل.
· في هذه الأثناء، يتواصل التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية بصورة خاصة من أجل منع أعمال شغب كبيرة. وعلى الرغم من الرغبة الفلسطينية المعلنة بالمساعدة في أعمال التحقيق، فإن إسرائيل تعمل بصورة مستقلة من أجل إنهاء القضية. وتتركز المساعي في المجال الاستخباراتي- العسكري من أجل تحديد مكان الخاطفين والمخطوفين والتأكد من كون الشبان الثلاثة على قيد الحياة وإنقاذهم. ومنذ صباح يوم الجمعة وضعت فرق الإنقاذ في حالة تأهب قصوى، وإلى جانبها عدد كبير من المنسقين والمحققين من الشاباك الذين يبذلون جهدهم لحل القضية في أقرب وقت ممكن. وأعربت بعض المصادر أمس عن احتمالات جيدة لحدوث ذلك، لكنها عبرت عن قلقها حيال الظاهرة المعروفة بأن يقوم مقلدون فلسطينيون باستغلال الظرف من أجل القيام بعمليات خطف جديدة.