من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
· على الرغم من أن احتمالات نشوب حرب مبادأة بين إسرائيل وبعض جيرانها تقلصت كثيراً في السنوات الأخيرة، ففي تقدير أجهزة الاستخبارات أنه ما يزال هناك خطر نشوب مواجهة غير متوقعة وغير مضبوطة نتيجة عدم الاستقرار العام في المنطقة. ومن بين السيناريوات المطروحة، فإن الأكثر توقعاً ومدعاة للقلق بالنسبة للجيش الإسرائيلي هو ذلك المتعلق بالمواجهة مع حزب الله.
· صحيح أنه منذ نهاية حرب لبنان الثانية قبل ثمانية أعوام تقريباً، نشأ توازن ردع متبادل بين الطرفين، لكن الأحداث التي جرت العام الماضي- هجوم جوي على قافلة سلاح في لبنان [غارة إسرائيلية في 24/2/2014 استهدفت قاعدة تابعة للحزب في البقاع]، واغتيال مسؤول في حزب الله [حسن اللقيس في 4/12/2013] الذي يتهم الحزب إسرائيل به، وتزايد تهديدات قادة الحزب، وتفجير عبوة ناسفة كبيرة في هار دوف [مزارع شبعا] وسلسلة هجمات في هضبة الجولان تعتقد إسرائيل أن حزب الله وراءها- هذه الأحداث كلها تدل على أن الهدوء على الحدود لن يستمر بالضرورة طويلاً.
· كيف ستبدو حرب لبنان الثالثة في حال نشوبها؟ بحسب الاعتقاد السائد داخل الجيش الإسرائيلي، فإن حزب الله سيحاول إعادة تطبيق الاستراتيجية التي حققت له نوعاً من التعادل مع إسرائيل في الجولة الأخيرة سنة 2006، أي النصر من خلال عدم الخسارة. فمجرد حقيقة أن الحزب واصل قصفه الصاروخي للمدن الإسرائيلية طوال 34 يوماً ولم يستسلم أمام تقدم القوات الإسرائيلية في الجنوب، فإنه يعتبر نفسه انتصر في المعركة. لذا، فمن المحتمل أن يحاول في المرة المقبلة إعادة تحقيق هذا الإنجاز، أي خوض حرب استنزاف ضد الجبهة الداخلية الإسرائيلية من خلال إطلاق عشرات آلاف الصواريخ خلال مدة زمنية طويلة نسبياً، وفي الوقت عينه التصدي لعمليات الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية من أجل منع إسرائيل من تحقيق انتصار ساحق.
· في مقال مثير للاهتمام نشرته المجلة العسكرية "معراخوت"، عرض ضابط في شعبة الاستخبارات هو المقدم "ن" (لم تنشر المجلة اسمه الكامل) سيناريو آخر. ففي رأيه على إسرائيل أن تأخذ في اعتبارها احتمال أن يغير حزب الله استراتيجيته، وأن يحاول أن يخوض ضدها حرباً من نوع مختلف. وهو يتحدث عن وجود مؤشرات تدل على أن حزب الله يدرس تقصير مدة المعركة في المرة المقبلة من خلال القيام بعمليات برية داخل أراضي إسرائيل. و"ن" يربط ذلك بالتصريحات الأخيرة لقادة الحزب بشأن "احتلال الجليل". وعلى الرغم من كون هذه التصريحات متبجحة وغير واقعية، فإنه يتعين على إسرائيل التعامل معها بجدية لأنها تدل على نيات الحزب.
· يحلل المقدم "ن" بصورة جيدة ما حدث سنة 2006، أي استراتيجية "النصر من خلال عدم الخسارة". ففي رأيه برز خلال هذه الحرب فهم حزب الله العميق للتفوق الإسرائيلي التكنولوجي، والاستخباراتي، والجوي، والقدرة على القيام بهجمات دقيقة ومدمرة. لكن الحزب فهم أيضاً نقاط الضعف الإسرائيلية: الحساسية الكبيرة لسقوط ضحايا من الجهتين، وعدم الرغبة في خوض معركة طويلة، والحاجة إلى تحقيق انتصار واضح وقاطع. لذا، سعى الحزب إلى إطالة زمن الحرب وأظهر قدرته على الصمود حتى نهايتها.
· وجرت ترجمة هذه الأفكار إلى ثلاثة مبادئ عملية: تحسين القدرة على امتصاص الضربات وعلى الصمود (من خلال بناء غرف محصّنة تحت الأرض في القرى وفي "المحميات الطبيعية" في الأراضي المفتوحة)، مهاجمة الجبهة الداخلية الإسرائيلية (بواسطة شراء كميات كبيرة من الصواريخ المختلفة الأنواع)، وبناء القدرة على عرقلة تقدم الجيش الإسرائيلي (بواسطة العبوات الناسفة، والصواريخ المضادة للدبابات، والقذائف المدفعية). ومنذ انتهاء الحرب [2006]، واصل حزب الله شراء السلاح وتعزيز قدرته العسكرية. لكن على ما يبدو، فإن هذه الأمور جرت ضمن الأطر التي ميزت هذه الحرب بالاستناد إلى فكرة الاستنزاف.
· وفي المقابل يقوم الجيش الإسرائيلي بالاستعداد للمواجهة الجديدة من خلال بناء قوته بالاستناد إلى فهمه هو لتوجهات حزب الله. وبناء على ذلك، فهو سيسعى إلى تقصير أمد المعركة، وتوجيه ضربة سريعة ودقيقة قدر المستطاع نحو أهداف كثيرة تابعة للحزب، وكذلك الحد من قدرته على مهاجمة الجبهة الاسرائيلية في الداخل.
· لكن في سنة 2011 بدأت تظهر لدى حزب الله فكرة تختلف عن استراتيجية الاستنزاف، فقد ظهر في الموقع الرسمي للحزب مقال يحمل عنواناً عريضاً "الجليل – مكان المواجهة المقبلة مع العدو". ويعتبر المقدم "ن" هذا المقال بمثابة خطة عسكرية لاحتلال الجليل، تشمل الوصف الطوبوغرافي للجليل، والمدن الأساسية فيه والأهداف المرشحة للقصف (محطة التنصت، وقواعد سلاح الجو، والمصافي في حيفا وغيرها). وبعد سنة، هّدد حسن نصر الله في عدة خطابات له، بإصدار أوامر لقواته بـ"احتلال الجليل".
· إن السؤال المطروح في رأي المقدم "ن" ليس ما إذا كان حزب الله قادراً على تنفيذ هذه الأفكار، بل ما هي دلالة اهتمامه بها؟ وهو يعتقد أن هذا بمثابة تحذير يدل على "وجود تغيير في نموذج القتال لدى حزب الله" متصل بالتغييرات الأساسية التي حدثت في المحيط الاستراتيجي الذي يعمل الحزب داخله والتي أجبرته على "تغيير فكرة محاولة إطالة مدة القتال واستبدالها بمحاولة تقصيرها قدر الإمكان".
· يرى المقدم "ن" أن الحزب كان بودّه الالتزام بالاستراتيجية القديمة التي في رأيه أدت إلى انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان سنة 2000، وإلى تحقيق النصر في حرب 2006. لكن تعيّن عليه الأخذ في الاعتبار التغييرات التي جرت في السنوات الأخيرة. وباختصار، فالحزب أصبح أكثر مأسسة وهو يقوم اليوم بدور أكثر فاعلية في الساحة السياسية الداخلية في لبنان، ما يفرض عليه مسؤوليات تجاه ما سيحدث في لبنان في حال هجوم إسرائيلي.
· أيضاً ثمة نقطة إيجابية تصب في مصلحة حزب الله، فقد حصل على تجربة كبيرة من خلال مشاركته في المعارك في سورية وأصبح قادراً اليوم على استخدام مجموعات مقاتلة أكبر بكثير ووسائل قتالية أكثر تنوعاً. ويعتقد العقيد "ن" أن المشاركة في الحرب في سورية تقرب الحزب من وجهات النظر الهجومية في القتال ضد إسرائيل. والمغزى من هذا كله أن الحزب سيسعى إلى مواجهة من نوع آخر، وبدلاً من الرد على مبادرة هجومية إسرائيلية و"الصمود كسد منيع"، فإنه سيبادر إلى الهجوم، وسيقوم بتوغل بري وهجوم على أهداف مختلفة داخل أراضي إسرائيل.
· إذا كان حزب الله فعلاً بصدد تغيير استراتيجيته القديمة، فسيكون لذلك انعكاسات مهمة من وجهة نظر إسرائيل، إذ سيضطر الجيش الإسرائيلي إلى أن يأخذ في الحسبان احتمالات محاولة حزب الله تقصير أمد المعركة عبر وقائع على الأرض مثل احتلال مستوطنة في الجليل؛ ويتوجب عليه إعداد الجبهة الداخلية لمواجهة هجوم يستهدف الحدود؛ والاستعداد لمواجهة احتمال محاولة حزب الله البدء بالمواجهة بصورة مفاجئة.