الصهيونية ليست أيديولوجيا
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       جرى في الآونة الأخيرة استخدام مصطلح الصهيونية داخل إسرائيل وخارجها بطريقة مبالغ فيها وخطأ ومؤذية، وذلك من جانب المعسكر القومي، والمعسكر الحريدي [المتدينون المتشددون]، ومعسكر حزب العمل، وكذلك في الأوساط الليبرالية والقومية المتشددة، ووسط يهود الشتات، وبصورة خاصة وسط العرب.

·       إن الصهيونة ليست أيديولوجيا. فالأيديولوجيا بحسب تعريف دائرة المعارف (الإنسكلوبيديا) العبرية هي مجموعة متجانسة من الأفكار والمفاهيم والمبادىء والتعاليم التي تعكس وجهة نظر طائفة أو حزب أو طبقة سياسية. واستناداً إلى هذا التعريف، لا يمكن أن تكون الصهيوينة أيديولوجيا، ولا ينبغي أن تكون كذلك. فالصهيونية هي إطار لأيديولوجيات سياسية واجتماعية مختلفة ومتعارضة، ولا يمكن اعتبارها بحد ذاتها أيديولوجيا.

·       لقد طمحت الصهيونية إلى أمر واحد هو إنشاء دولة اليهود. واستطاعت أن تفي بوعدها بفضل العداء للسامية. وكان طموح الصهيونية هو إنشاء إطار سياسي فقط، أما ماذا سيحدث في هذه الدولة، وما طبيعة الحكم فيها، وكيف ستتعين حدودها، وما هي قيمها الاجتماعية وعلاقتها بالأقليات القومية الأخرى، فأمور كلها كانت منذ البدء خاضعة لعشرات التأويلات والمواقف السياسية والاجتماعية لليهود الذين قدموا إلى أرض إسرائيل.

·       وبعد أن أصبحت لليهود دولة هي دولة إسرائيل، وباتت أمراً حقيقياً، ظل التعبير الوحيد عن الصهوينة هو الدفاع عن مبدأ قانون العودة [لليهود] الذي يفسح المجال أمام أي يهودي في العالم لأن يصبح إسرائيلياً.

·       ثمة دول أخرى في العالم تطبق قانون حق العودة، مثل هنغاريا وألمانيا وغيرهما، ونحن نأمل بأن يطبق هذا القانون أيضاً في وقت قريب في الدولة الفلسطينية التي ستنشأ إلى جانبنا. وبما أن هذا القانون لن يكون في الدولة الفلسطينية قانوناً عنصرياً، فإنـه أيضاً ليس قانونـاً عنصرياً في إسـرائيل. فعندمـا قـررت دول العالـم في سنة 1947 إنشاء دولـة يهوديـة، فإنها لم تأخذ جـزءاً مـن فلسـطين وأعطتـه للـ 600,000 يهودي الذين كانوا يقيمون فيه آنذاك، وإنما فعلت ذلك لأن هذه الدولة ستصبح ملاذاً لأي يهودي يرغب في الهجرة إليها.

·       إن كل إسرائيلي، أو يهودي، أو فلسطيني، أو غير ذلك، يعتبر نفسه غير صهيوني، من حقه كمواطن أن يعارض حق العودة. وهذه معارضة مشروعة مثل أي موقف سياسي آخر. وفي المقابل فإن المعادي للصهيونية هو الذي يريد إلغاء دولة إسرائيل. وباستثناء بعض المجموعات المتطرفة من الحريديم، أو داخل الأوساط الراديكالية ليهود الشتات، لا يوجد يهود كثر يدعمون هذا الموقف.

·       إن السجالات المهمة والأساسية، التي تشهدها إسرائيل حالياً، من السجال بشأن ضم المناطق أو عدم ضمها، والعلاقة بين الأغلبية اليهودية والأقلية الفلسطينية في الدولة، والعلاقة بين الدين والدولة، هي من السجالات والخلافات التي نجدها في العديد من الدول.

·       يجب عدم الزج بمفهوم الصهيونية داخل هذه السجالات، وعدم تحويلها إلى سلاح في المعركة الدائرة بين الأطرف المتنازعة، لأن هذا الأمر يجعل من الصعب توضيح الخلافات والوقوف على أهميتها.

·       إن الصهيونية ليست مصطلحاً يمكن أن يحل محل مفهوم الوطنية والريادة. فالضابط الذي أنهى خدمته العسكرية، والمستوطن في النقب، ليس أكثر صهيونية من  سمّان في تل أبيب، وذلك بحسب المعنى الذي نعطيه لهذه المفاهيم.

إن الصهيونية مفهوم غال على قلوبنا، ويجب أن نستخدمه في المكان الصحيح للتمييز بيننا وبين يهود الشتات. ومن هنا، فإن الاستخدام الخطأ والسطحي لهذا المفهوم يسيء إلى النقاش الدائر بين اليهود الذين قرروا تحمّل مسؤولية العيش داخل حدود محددة خاضعة لحكم مستقل، وبين اليهود الذين يعيشون داخل نسيج حياة شعوب أخرى، ويمارسون هويتهم اليهودية بصورة جزئية عبر تعلم النصوص الدينية والنشاط الاجتماعي المحدود.