· كانت عملية "الرصاص المسبوك" في غزة، والتي نقترب من ذكرى مرور نصف عام عليها [في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2008]، عملية عسكرية محدودة جرى التحضير لها قبل شنّها بعامين، ودارت في منطقة جغرافية صغيرة نسيطر عليها سيطرة تامة، جوياً واستخباراتياً، وتعرفها القوات المقاتلة بشكل جيد، وذلك في ضوء وجودها فيها لبضعة أعوام قبل الانفصال عن غزة [في خريف سنة 2005]. وكانت هذه العملية، أساساً، كانت عملية عسكرية من دون مواجهة عدو حقيقي.
· مع ذلك، فإن هذه العملية لا تنطوي على أي دلالة بالنسبة إلى أداء الجيش الإسرائيلي في حال وقوع مواجهة مع قوة أكثر تنظيماً في المستقبل، على غرار ما كان حزب الله عليه في إبان حرب لبنان الثانية [في صيف سنة 2006]. وبناء على هذا، فإن حديث القيادة العسكرية عن "ترميم الجيش الإسرائيلي" عقب عملية "الرصاص المسبوك" هو للاستهلاك الإعلامي أكثر من كونه توصيفاً حقيقياً للواقع.
· لكن يبدو أن الأهم من ذلك كله، في نظر قيادة الجيش الإسرائيلي، وفي مقدمها رئيس هيئة الأركان العامة، غابي أشكنازي، هو أن هذه العملية تطرح مفهوماً جديداً لسياسة إطلاق النار. وهذا المفهوم الجديد يعكس أمرين رئيسيين استمدتهما القيادة العسكرية من الجمهور الإسرائيلي العريض: الأول، هو منح شرعية تامة لأي قوة يتم استعمالها، بغض النظر عن الخسائر التي يتكبدها الطرف الآخر؛ الثاني، هو الامتناع من وقوع خسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي، لأن من شأن ذلك أن يسقط الشرعية من أي عملية عسكرية تنطوي على مخاطر.
وعلى الرغم عن أن هذا المفهوم كان ممكناً في مواجهة "حماس"، ولا يعني أنه سيكون ممكناً في أي عملية عسكرية أخرى، إلا إنه يبدو واضحاً من الآن أنه في حال وقوع مواجهة مع حزب الله أو سورية في المستقبل، فإن الخطط العسكرية الإسرائيلية، التي سيتم اللجوء إليها، ستعتمد على سلاح الجو بصورة رئيسية، وعلى إطلاق نيران كثيفة من دون تمييز بغية شلّ العدو بواسطة التدمير الهائل، وعلى الزجّ بقوات برية تكون قليلة نسبياً وحذرة للغاية.