· ثمة مشكلة عويصة يعاني جرّاءها اليمين في إسرائيل على مدار العقدين الفائتين وتعود إلى حقيقة عدم امتلاكه أي برنامج لحل النزاع [مع الفلسطينيين] أو أي فكرة تتعلق بمستقبل المشروع الصهيوني. ولا يتحلى زعماء اليمين بقدر كاف من الشجاعة للقيام بضم المناطق [المحتلة] إلى دولة إسرائيل وإقامة نظام أبارتهايد في تلك المناطق، كما أنهم غير منفتحين على الاقتراح الداعي إلى إقامة دولة ثنائية القومية في أرض إسرائيل. وعلى الرغم من أنهم يرفضون طروحات اليسار [الصهيوني] في هذا الشأن إلا إنهم يواجهون صعوبة كبيرة في اقتراح أي بديل منها.
· إن هذا الضعف لدى اليمين مهم للغاية ولا يجوز الاستهانة به، ذلك بأنه يحوّل مواقفه من النزاع إلى مواقف عاجزة ومحدودة وليست ذات صلة بالواقع. ولا بُد من القول إن الناطقين بلسان اليمين واعون جيداً لهذا الضعف، وبالتالي فإن مخرجهم الوحيد منه يتمثل في اللجوء إلى تصوير النزاع العربي ـ اليهودي باعتباره نزاعاً غير قابل للحل، وهذا يعني ضمناً أنه لا ضرورة مطلقاً لأي اجتهادات تتعلق بحله.
· إن النتيجة المترتبة على ذلك هي بذل جهود كبيرة تهدف إلى تضخيم النزاع، فضلاً عن الغوص في جذوره الدينية والقومية ومحاولة إضفاء بُعد غيبي عليه كما لو أنه أسطورة. وبطبيعة الحال فإن هذا كله هو مجرد هراء، إذ لا يوجد نزاع قومي لا يمكن إيجاد حل له، ولعل أفضل برهان على ذلك كامن في أوضاع السلام والتعاون القائمة الآن بين دول القارة الأوروبية على الرغم من أنها في القرن الفائت وخلال فترة استمرت ثلاثين عاماً خاضت حربين عالميتين مدمرتين.
من ناحية أخرى فإن هذا اليمين يقوم في الآونة الأخيرة ببذل جهود تهدف إلى إفراغ مناسبة إحياء ذكرى اغتيال [رئيس الحكومة الأسبق] يتسحاق رابين من مضمونها الحقيقي، ولا شك في أن السبب الرئيسي الذي يقف وراء ذلك هو أن فحوى إرث رابين هو حل النزاع المرير [مع الفلسطينيين] بواسطة تقسيم البلد والتعاون فيما يتعلق بالمصالح المشتركة كلها باعتبارهما الطريق الأمثل لتحقيق هذا الحل.