· لا شك في أن الوثيقة التي سُمح بنشرها أمس (الاثنين) أول مرة، والتي تتعلق بالمداولات التي شهدتها اجتماعات "المجلس الوزاري الحربي الإسرائيلي" التي عُقدت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أي في ثاني أيام "حرب يوم الغفران" [حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973]، في ديوان رئيسة الحكومة في حينه غولدا مئير، لا تُعتبر مفاجئة للمقاتلين والمدنيين الذين عايشوا وقائع تلك الحرب قبل 37 عاماً. وعلى الرغم من أن هذه الوثيقة لا تنطوي، بالنسبة إلى شخص مثلي، على أي كشف جوهري جديد، إلا إنها تُعتبر أكثر وثيقة مثيرة للحنق يُكشف عنها حتى الآن بشأن تلك الحرب، ذلك بأنها تدل أولاً وقبل أي شيء على الأجواء اليائسة والكئيبة التي كانت سائدة في اجتماعات "المجلس الوزاري الحربي" الذي كان يضم جميع مَن يمكن تسميتهم قباطنة الدولة [وهم رئيسة الحكومة غولدا مئير ووزير الدفاع موشيه ديان ونائب رئيسة الحكومة يغئال ألون وكبار مساعدي رئيسة الحكومة، بالإضافة إلى رئيس هيئة الأركان العامة دافيد إلعازار وكبار ضباط هيئة الأركان العامة وعدد من الوزراء].
· وقبل 24 ساعة من هذه الاجتماعات كان هؤلاء القباطنة كلهم في نظر الجمهور الإسرائيلي العريض في مصاف الآلهة، ولا سيما موشيه ديان، الذي اعتُبر حتى ذلك الوقت بمثابة أسطورة على المستوى العالمي.
· ولا بُد من القول إن هذه الوثيقة تشكل لائحة اتهام قاسية ضد ديان (الذي كشفت الوثيقة أنه اقترح عدم إخلاء المصابين من صفوف الجيش الإسرائيلي في مناطق القتال التي لا يمكن الوصول إليها، كما أنه اعترف بأنه "لم يقدّر قوة العدو وقدراته القتالية على نحو صحيح، وبالغ في تقدير قوة الجيش الإسرائيلي وقدرته على الصمود"، وبأن "العرب يحاربون أفضل كثيراً مما حاربوا في السابق"). وهي تؤكد ما كان نُشر في هذا الشأن مباشرة بعد أن وضعت تلك الحرب أوزارها، وفحواه أن دايان كان غارقاً في موجة من اليأس والإحباط الشديدين.
· إن ما يجب قوله إزاء ذلك هو أنه كان من حُسن حظنا جميعاً في ذلك الوقت أن القوات الإسرائيلية المقاتلة لم تعرف شيئاً عن الحالة النفسية لقادتها، ولذا فإنها ظلت تقاتل في جبهة الحرب حتى آخر لحظة.
ووفقاً للوثيقة فإن ديان ارتكب أخطاء كثيرة في تقديراته، وكان كل منها حرجاً للغاية. بناء على ذلك، فإن الدرس الأهم الذي يمكن استخلاصه من هذه الوثيقة هو أن الذين كانوا جالسين على مقاعد الحكومة في إبان حرب يوم الغفران، شأنهم شأن الجالسين على مقاعد الحكومة في الوقت الحالي، ليسوا آلهة بل بشراً من لحم ودم، ويمكن أن يرتكبوا أخطاء فادحة، لكن تبقى المشكلة كامنة في أن أخطاءهم هذه تترتب عليها حياتنا (وموتنا).