· إن الذي يبحث عن الدوافع الحقيقية وراء قيام روسيا مؤخراً بعقد صفقة صواريخ مع سورية، وكذلك الدوافع وراء قرارات أخرى لهذا البلد (مثل تشغيل المفاعل النووي الإيراني في بوشهر)، عليه أن يفهم أن روسيا تعمل من منطلق ثلاثة دوافع.
· الدافع الأول هو أنها ترى نفسها في ظل زعامة فلاديمير بوتين دولة عظمى، وبالتالي، فإن مكانتها لا بُد من أن تكون مثل مكانة الولايات المتحدة.
· الدافع الثاني هو أنه ثمة اتفاق غير مكتوب بين السلطة والشعب في روسيا، وبموجبه، فإن السلطة تهتم بالنمو الاقتصادي في مقابل دعم الشعب. ويتطلب النمو قيام السلطة باستغلال احتياطي النفط والغاز الطبيعي الموجود لدى روسيا، واستغلال قدرتها على بيع أسلحة متطورة.
· الدافع الثالث هو أن روسيا لا يمكنها التسليم بعمليات أحادية الجانب ضدها (مثل نصب صواريخ أميركية في كل من بولندا وتشيكيا أو تأييد جورجيا)، كما أنها لا تسلّم بتجاهلها. ولا شك في أن النشاط الأميركي الأخير في منطقة الشرق الأوسط، بداية في إطار المسار الإسرائيلي ـ الفلسطيني ومن ثم في إطار المسار السوري، والذي يجري من خلال إشراك لاعبين آخرين (فرنسا ومصر وغيرهما)، وبتجاهل روسيا، هو نشاط لا يمكن لهذه الأخيرة قبوله. ويمكن القول إن روسيا، بواسطة صفقة بيع صواريخ متقدمة إلى سورية رغماً عن أنف الولايات المتحدة وإسرائيل، تحرص على تذكيرنا بأن لها قدرة كبيرة على التأثير في الشرق الأوسط.
بطبيعة الحال، لا يمكن إزالة تناقضات المصالح كلها بين إسرائيل وروسيا، لكن الإقدام على تجاهل هذه الأخيرة بصورة مهينة هو خطأ فادح. ولعل الأمر الوحيد الذي يمكن أن يهدىء روعنا هو أن وقتاً طويلاً يمر عادة بين اتخاذ روسيا قراراً يقضي ببيع أسلحة متقدمة إلى دولة أخرى وبين تنفيذ هذا القرار، الأمر الذي يتيح للمسؤولين الروس أنفسهم أو للذين يرغبون في التأثير عليهم، إمكان "تقدير الموقف مرة أخرى". ونأمل بأن يحدث ذلك هذه المرة أيضاً.