ثمن السلام
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • كلا، هذه ليست انتفاضة. فالموجة الحالية من العنف لا تزال منخفضة. بيد أن المعطيات التي نشرها جهاز "الشاباك" (الشين بيت) لا تترك مجالاً للشك: لقد طرأ تغيّر ما، فالهدوء التام الذي ميّز يهودا والسامرة [الضفة الغربية] في السنوات الأخيرة، والحدود مع قطاع غزة في السنة الأخيرة، بدأ يحلّ محله نوع من عدم الهدوء. ففي حين سجلت 82 عملية اعتداء في تموز/يوليو 2013 حدثت 50 منها في الضفة الغربية، سجلت 167 عملية في تشرين الثاني/نوفمبر حدثت 107 منها في الضفة الغربية.
  • فبعد انقضاء فترة طويلة لم يسفر فيها النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني عن خسائر بشرية إسرائيلية، سجّل في الأشهر الثلاثة الأخيرة مقتل جندي إسرائيلي بالقرب من قلقيلية، ومقتل جندي آخر بالقرب من الحرم الإبراهيمي، ومقتل مستوطن في غور الأردن، ومقتل جندي في باص في العفولة، ومقتل عامل متعاقد مع وزارة الدفاع في "ناحل عوز" [بالقرب من قطاع غزة]. وفي الأسبوع الماضي زرعت عبوة ناسفة في باص في "بات يام"، وطعن شرطي على حاجز "مفترق طرق آدم"، ورميت حجارة في نابلس، وتزايدت الحوادث على طول السياج الأمني مع قطاع غزة. وبالرغم من أن هذه ليست عاصفة، تبدل شيء بين منتصف فصل الصيف ومطلع فصل الشتاء. لقد تبدل مناخ النزاع.
  • ما الذي حدث؟ إنه كيري. في 30 تموز/يوليو 2013، نجح وزير الخارجية الأميركي في إعادة إطلاق المفاوضات بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، فزياراته العشر للبلاد منذ تسلمه مهامه، ومحدلة الضغوط التي مارسها إزاء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فعلت فعلها: عاد السلام مجدداً، وعادت اللعبة الدبلوماسية لعبةً حقيقيةً من الممكن أن تثمر في غضون الشهر المقبل. وسواء رضوا أو لم يرضوا، على الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني أن يتقاربا إرضاءً للسيد الأميركي.
  • خلافاً لكل التوقعات، هناك شيء يحدث. فمع تصميم جون كيري وطموحه حتى الطماطم القاسية تلين وتصبح صلصة كاتشاب. هل سنحظى بالسلام بحلول نهاية العام 2014؟ ثمة شك كبير في ذلك، لكن المسار الذي تفرضه واشنطن على كل من القدس ورام الله على الرغم من أنه لا يزال حلماً في الأفق، بدأ يتحول إلى مسار جدي يؤثر فعلياً في الواقع الميداني. بدأ السلام الأميركي يبدل وعي الإسرائيليين والفلسطينيين وسلوكهم.
  • لكن مع الأسف، التبدل الأول هو معاودة العنف. وهذا نمط معهود: عندما تلوح فرصة توصل المعتدلين لدى الجانبين إلى تسوية تبدل الواقع، يضرب المتطرفون لدى الجانبين. فإذا نجحت عملية التفاوض- سيؤدي ذلك إلى انسحاب إسرائيلي يقود إلى العنف، وإذا فشلت العملية- سيؤدي ذلك إلى فشل الآمال المعقودة عليها إلى العنف كذلك. هكذا وفي كافة الأحوال، الطريق المؤدي إلى السلام معبد بالدم. فحتى اتفاق أوسلو الأول والاتفاق الثاني وكذلك مؤتمر كامب ديفيد، جلبوا معهم عواصف من العنف. فعلى الرغم أن السلام هو أمنية الجميع، لكنه يقوّض الاستقرار ويؤدي إلى سفك الدماء في المديين القصير والمتوسط. وما حدث في الأشهر الأخيرة هو المقدمة فقط. وبقدر ما يواظب كيري ويحرز تقدماً ويقترب من تحقيق الهدف، يزداد العنف. وسيحاول المتطرفون من بين العرب المسلمين واليهود الإسرائيليين على السواء، إغراق آمال السلام المتجددة في أنهار الدم نفسها التي أغرقت سابقاتها.
  • فهل يعني هذا أن علينا الاستسلام؟ كلا، فمثلما لا ينبغي الإذعان للإرهاب الذي يهدد الدولة، لا ينبغي الإذعان للإرهاب الذي يتهدد السلام. وكما أنه واجب علينا أن نكون مستعدين لدفع ثمن الحرب الغالي، علينا الاستعداد لدفع ثمن السلام الأغلى. ففي بلد النزاع هذا، لا فرصة بأن يُقدم السلام على طبق من فضة. لكن الحقيقة هي أن السعي للسلام يكلف خسائر بشرية وهذا ينبغي أن يزيد من تصميم الساعين لتحقيق السلام، فالسلام الذي يدفع ثمنه بالدم الغالي ينبغي أن يكون سلاماً حقيقياً. والسلام الذي يضطرنا تحقيقه إلى عبور ممر من العنف، ينبغي أن يكون سلاماً راسخاً. وبالتالي، على كيري وجماعته أن يحرصوا على أن تقربنا العملية السياسية الجديدة التي هم على وشك إطلاقها، من السلام الحقيقي.