تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.
ملخص تنفيذي: اضطر الجيش الإسرائيلي بسبب الاقتطاعات في ميزانية الأمن، إلى تقليص قدرات القوات البرية وهذا خطأ، لأن على الجيش الإسرائيلي الاعتماد على قوة برية تتمتع بالمقدرة والصدقية لمواجهة التهديدات الاستراتيجية، ولا سيما القدرات الصاروخية لحركة حماس وحزب الله.
- وفق تقارير وسائل الإعلام والتصريحات الرسمية، كان على الجيش الإسرائيلي عقب تقليص ميزانيته أن يعتمد خياراً من اثنين: إما تقوية نقاط ضعفه النسبية - أي قدرات المناورة للقوات البرية - أو، على العكس، تعزيز مكامن قوته النسبية – قوة النيران الموجَّهة عن بعد، والقدرات السبرانية والاستخباراتية، والقوات الخاصة. واختار الجيش الإسرائيلي على ما يبدو، مسار العمل الثاني. وعواقب هذا الخيار بالنسبة لقواته البرية النظامية وقوات الاحتياط خطيرة جداً: وقف إنتاج ناقلات الجنود المدرعة من طراز "نمر"، وتأجيل مشاريع تطوير الدبابة "ميركافا - 5"، إغلاق وحدات في سلاح المدرعات، وسلاح المدفعية، وسلاح الطيران، وخفض جوهري في ساعات التدريب. وقد تجد القوات البرية نفسها في ضائقة شديدة مثلما حدث قبيل حرب لبنان الثانية [2006].
- ومسوّغ هذا القرار هو أن القدرات التي تتفرّد بها القوات البرية أقل ملاءمةً لمواجهة التهديدات المستقبلية، وبالتالي لم يعد من الضروري الإبقاء على قوات برية بأعداد كبيرة. وبدلاً من ذلك، تتكفل دقة النيران بعيدة المدى وهجمات القوات الخاصة الموجَّهة بالمعلومات الاستخبارية الدقيقة، بتدمير قدرات الخصم بسرعة.
- بيد أن هذا يفترض القدرة على التكهّن بطبيعة هذه التهديدات، وعلى وجه الخصوص التكهّن بأن الجيش الإسرائيلي لن يواجه جيشاً نظامياً ذا حجم مماثل. إن جيوش الخصوم موجودة حقاً، لكن واضعي الخطط في الجيش الإسرائيلي يفترضون أنها لن تُستخدم. ولا شك في أنه من الصعب توقع المستقبل على أي حال، ولكنه من الصعب على نحو مضاعف التكهن بالتغيرات المنتظمة والتقلبات في منطقة الشرق الأوسط. ومثلما لم يكن لأحد أن يتكهّن بالاضطرابات التي اجتاحت العالم العربي، فلا يستطيع أحد أن يتوقع متى ستنتهي. لقد قلصت هذه الأحداث احتمال اندلاع حرب عالية الوتيرة بين إسرائيل والدول المجاورة في المستقبل القريب، لكن لا أحد يستطيع التكهن بواقع الحال بعد خمسة أعوام أو عشرة.
القوات البرية وقطاع غزة
- إن الردع هو الركيزة المركزية في مفهوم الأمن القومي في إسرائيل. وعليه، واجتناباً لحرب برية على نطاق واسع، على الجيش أن يعرض جهوزيته لخوض هكذا حرب بنجاح. لقد شنّت إسرائيل في العقدين الأخيرين عدداً من العمليات العسكرية المستندة فقط إلى قوة النيران. وكان آخرها عملية "عمود سحاب" في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 التي حقّقت أهدافها السياسية. بيد أن جزءاً من هذا النجاح يُعزى إلى التحضيرات المرئية لاجتياح بري. بل أكثر من ذلك، لم تكن الضربات الجوية في إطار هذه العملية موفّقة دائماً، فمع أنها دمّرت معظم منصات إطلاق الصواريخ بعيدة المدى، إلا أن حركة حماس تمكنت من إطلاق 1500 صاروخ ضد إسرائيل. ووحده هجوم بري أو استسلام سياسي كان بوسعه وقف إطلاق الصواريخ. إن وجود قوات برية قوية وعالية الكفاءة من شأنه ردع العدو ومنعه من أن يشكّل تهديداً قد يطلق شرارة استخدام هذه القوات، وفي المقابل، فإن غياب هكذا قوات برية يقلّص الردع.
- إن الجيوش غير الحكومية التي تعمل كوحدات مستقلة بذاتها لا يمكن القضاء عليها من خلال الضربات الجوية التي تستهدف عدداً صغيراً من المراكز القيادية؛ وينبغي بالتالي ضرب كل واحدة على حدة. ففي مواجهة خصم صغير ومحصور في قطاع غزة، كان تضافر "القبة الحديدية" والضربات الجوية كافياً لإحداث نتيجة إيجابية. لكن هل يكون ذلك كافياً في مواجهة حزب الله وهو خصم منتشر في رقعة أوسع ومزوّد بترسانةٍ من القوة النارية الاستراتيجية - موجّهةٍ حالياً ضد السكان المدنيين في إسرائيل- تفوق ترسانات دول عديدة؟ ففي إمكان حزب الله، إذا أبقى على وتيرة إطلاق للصواريخ مماثلة لتلك التي مارستها حركة حماس في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، أن يواصل إطلاق النار طوال تسعة أشهر متواصلة.
تهديدات مصدرها حزب الله وسورية
- نجحت إسرائيل في معظم الأحيان في مفاجأة أعدائها وتقليص قوتهم العسكرية منذ الضربة الأولى، وتُجَسّد عملية "عمود سحاب" هذا التكتيك. لكن، حتى لو نجح سلاح الطيران الإسرائيلي في مفاجأة حزب الله مجدداً مثلما فاجأه في العام 2006، ومثلما فاجأ حركة حماس في العام 2008 وفي العام 2012، فإن التقليص الأولي الأقصى لترسانة حزب الله الصاروخية سيبقي لديه القدرة على إطلاق عشرات آلاف الصواريخ ضد السكان المدنيين في إسرائيل. والصواريخ القصيرة المدى التي لدى الحزب تغطي ربع مساحة إسرائيل ومن ضمنها مراكز سكنية كبيرة وبُنى تحتية وطنية حيوية. وبغض النظر عن عدد منظومات "القبة الحديدية" والمنظومات الاعتراضية الأخرى في إسرائيل، فمن الواضح أن عددها أقل بكثير من عدد صواريخ حزب الله. وحده احتلال المناطق التي تطلق منها الصواريخ وتمشيطها من قبل القوات البرية سيوقف إطلاق النار عاجلاً. فإما أن تترك الحكومة الإسرائيلية سكانها المدنيين تحت القصف المطوّل أملاً في أن ينكسر صمود حزب الله قبل انكسار صمود هؤلاء، أو تأمر باجتياح بري لتدمير قاذفات الصواريخ قصيرة المدى أو إبعادها بحيث لا تشكل تهديداً. وتتطلب هذه المهمة قوةً بريةً كبيرةً قادرةً على تغطية قطاع واسع من الأراضي- ومزوّدة بآليات مدرّعة مقاومة للصواريخ المضادة للدبابات والعبوات الناسفة- فضلاً عن الدعم بالمدفعية الثقيلة وقذائف الهاون.
- ليس حزب الله أقوى خصوم إسرائيل، فحتى بعد تراجع حالة الجيش السوري النظامي نتيجة الحرب الأهلية، فإنه لا يزال في استطاعته القيام بما يقوم به حزب الله، بل أكثر. وعلى الرغم من أنه من المستبعد أن يجتاح أراضي إسرائيلية - وربما لمجرد تسجيل انتصارات دعائية فقط - إلاّ أن بوسعه أن يقصف إسرائيل. وقياساً بما يقوم به السوريون ضد بعضهم بعضاً، فإن أي قصف انتقامي إسرائيلي لن يحدث تأثيراً يذكر. فلقد قُصفت البنى التحتية السورية في العام 1973 من دون أثر استراتيجي مباشر. وحده اجتياح بري يؤدي إلى الاستيلاء على مناطق إطلاق النار وإلى تهديد لاستقرار النظام، من شأنه أن يقصّر زمن الحرب. الضربات الجوية ضد أهداف عسكرية وقيادية واقتصادية تسبب الكثير من الأذى المادي، لكن القليل من الخسائر البشرية نسبياً. وحده الاجتياح البري يُلحق بقوات الخصم خسائر بشرية كبيرة، لأنه يجبرها على القتال. ويتطلب تحقيق ذلك من دون وقوع خسائر لا تطاق في صفوف الجيش الإسرائيلي، قوات برية مجهّزة ومدرّبة جيداً.
- لقد سيقت حجج صحيحة فحواها أن مدى قدرة إسرائيل على التوغّل البري في عمق أرض الخصم محدود، وهو أقل بكثير من مرمى العديد من القاذفات الصاروخية والصواريخ التي لدى أعدائها. غير أن هذه الأسلحة البعيدة المدى لا تشكّل القسم الأكبر من ترسانة الخصم، فضلاً عن أنها أكثر عرضة للضربات الجوية.
خاتمة
- إن تقليص عديد وتسليح القوات البرية المعدة لخوض الحرب أمر سهل، لكن إعادة بناء هذه القوات مهمة صعبة وتستغرق وقتاً. فإن تدريب الوحدات القتالية يتطلب أشهراً، كما أن تجهيز القوات البرية وتدريب ضباط الرتب المتوسطة يتطلب أعواماً.
الحجة التي تُساق هي أن الحرب تغيرت وأن على الجيش أن يتغير ويتأقلم معها. والشعار المطروح حالياً هو "على الجيش الإسرائيلي أن يكون ملائماً" (relevant).
- لكن هذا الشعار باطلٌ. فطبيعة الحرب لم تتغير وهي لا تزال تُعرَّف كوسيلة عنف من أجل تحقيق غاية سياسية. الأمر الذي تغير هو استراتيجيا خصوم إسرائيل، والتكنولوجيا المستخدمة، والواقع السياسي. فسمات الحروب الماضية لم يجرِ التكهّن بها بدقة، ومن المستحيل التأكد من سمات الحرب القادمة، فعلى الجيش الإسرائيلي أن يبقى ملائماً ليس فقط من ناحية قدرات محدودة ومحدَّدَة بناء على سيناريو معين، بل ينبغي إعداده من أجل التغلب على التهديدات المتنوعة بما في ذلك التهديدات "متدنية الاحتمال" التي قد تصبح واقعية يوماً ما.
- إن واقع الميزانية يضطر الجيش الإسرائيلي إلى تحديد خياراته وتعيين أين ينبغي تركيز جهوده. لكن الخيارات التي جرى الكشف عنها للجمهور تهدّد على ما يبدو ملاءمة (relevance) الجيش الإسرائيلي لعدد من سيناريوات التهديد التي لا تزال محتملة وإن لم تكن محدقة، فالمرونة سمة جوهرية في أي منظمة عسكرية وهي تتطلب عنصر قوات برية قويّاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* د. إيتان شامير هو باحث كبير في مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بار - إيلان، والرئيس السابق لـ"دائرة العقيدة الأمنية القومية" في وزارة الشؤون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاستراتيجية الإسرائيلية؛ د. عيدو هيخت محلل عسكري مستقل، وأستاذ النظرية العسكرية والتاريخ العسكري في جامعة بار- إيلان وفي جامعة حيفا، وفي معهد الأركان العامة والقيادة التابع للجيش الإسرائيلي. وهو متخصص في العقيدة العسكرية وتفسيرها، وعضو في هيئة التحرير الاستشارية في المجلة الدورية الفصلية The Journal of Military Operations.