المطلوب رئيس أميركي قوي في البيت الأبيض
تاريخ المقال
المصدر
- في نيسان/أبريل 2009، ألقى الرئيس باراك أوباما خطاباً تاريخياً أمام البرلمان التركي في أنقرة، وبعدها بشهرين ألقى خطاباً مماثلاً في جامعة القاهرة. وشكل الخطابان بداية استراتيجية أميركية جديدة، تعهد خلالها أوباما باستبدال القوة العسكرية بالقوة المرنة وبالدبلوماسية، وبالعمل على تحقيق المصالحة مع العالمين العربي والإسلامي. لكن للأسف الشديد تدل التطورات الأخيرة في أنقرة والقاهرة على الفشل الذريع لخطة أوباما، وسقوط الدعامتين الأساسيتين لهذه الاستراتيجيا.
- لقد رأت الولايات المتحدة في تركيا نموذجاً للديمقراطية الإسلامية المعتدلة الموالية للغرب، والتي يمكن أن تحتذي بها الدول العربية. كذلك اتخذ أوباما من تركيا مثالاً لتوضيح استراتيجيته التي تقوم على التمييز بين الإسلام المتشدد المتمثل بالقاعدة التي يخوض حرباً ضدها، وبين الإسلام المعتدل المتمثل بتركيا والتي يمكن التعاون معها. أمّا مصر فقد بدت في ذلك الحين نموذجاً للاستقرار في الحكم، وقوة إقليمية معتدلة موالية لأميركا ومؤيدة للسلام.
- لقد سقط نظام مبارك، ومن بين أسباب سقوطه وقوف أوباما ضده، وحلت محله سلطة عسكرية انتقالية ضعيفة خاضعة لضغوط الشارع المتطرف. فالفوضى السائدة في مصر هي التي سمحت بوقوع الهجوم الإرهابي على الحدود مع إسرائيل، والهجوم على السفارة الإسرائيلية في القاهرة.
- يتعرض اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر، الذي تحقق بمساعدة أساسية من الدبلوماسية الأميركية، للخطر، وتجد الولايات المتحدة التي تمنح سنوياً المصريين مساعدة تقدر بمليار ونصف المليار دولار نفسها عاجزة، ولا سيما بعد تبدد الأمل في قيام نظام ديمقراطي مستقر. وكل ما تحاول الولايات المتحدة حالياً أن تفعله هو الحد من حجم الأضرار ، وذلك من خلال التعاون مع الإخوان المسلمين، وهو تعاون محكوم عليه مسبقاً بالفشل.
- خلال العام المنصرم أصبحت تركيا أكثر إسلامية، وأقل ديمقراطية، وأكثر عدائية، وأقل تعاوناً مع الولايات المتحدة، وبدا النموذج الديمقراطي التركي مثيراً للشك، ولا سيما في ضوء انتهاكات أردوغان لحقوق الإنسان، مثل منعه الصحافيين الذين لا يروقون له، وتعيينه قضاة يدينون بالولاء لحزبه، وإقالته ضباطاً مشكوكاً بولائهم. وعلى عكس ما كان يأمله أوباما، فإن النظام التركي يمثل اليوم خطراً حقيقياً لأنه يقدم نموذجاً سيئاً للأنظمة الإسلامية، لكن على الرغم من ذلك ما زالت واشنطن تنظر إلى أردوغان بصفته طرفاً إسلامياً معتدلاً يمكن التعاون معه.
- لقد اعتبر العالمان العربي والإسلامي استراتيجيا المصالحة التي انتهجها أوباما علامة ضعف يجب استغلالها. وساهمت الحروب الفاشلة في أفغانستان والعراق، والأزمة الاقتصادية العالمية، في تعميق الشعور داخل المنطقة بضعف الولايات المتحدة وبتراجع مكانتها ونفوذها. يضاف إلى ذلك الإحساس بعدم الثقة الذي خلفته المواقف المتذبذبة للولايات المتحدة من الثورات العربية.
- وما بين أنقرة والقاهرة، فقدت الدبلوماسية الأميركية نفوذها، وفشل أوباما في كبح السباق الإيراني للحصول على السلاح النووي، ولم ينجح في إعادة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات، ولا في منعهم من التوجه إلى الأمم المتحدة، كذلك فشل في التوسط بين تركيا وإسرائيل. فلو كان في البيت الأبيض رئيس قوي وصارم، لما كان أردوغان قادراً على التسبب بتدهور العلاقات مع إسرائيل وتوجيه التهديدات إليها.
- وليس مستغرباً، في مقابل ضعف الدبلوماسية الأميركية، أن تسعى كل من إيران وتركيا لملء الفراغ، والتحول إلى قوة ذات تأثير كبير. إن كل الدلائل تشير إلى أن الشرق الأوسط مقبل على"شتاء قومي إسلامي" لا يبشر بالخير لا للولايات المتحدة ولا لإسرائيل.
- من الممكن أن يعيد انتخاب رئيس أميركي جديد، بعد عام، الولايات المتحدة إلى موقعها السابق القوي. وفي جميع الأحوال، فإن إسرائيل مضطرة في هذه الأثناء إلى أن تواجه وحدها التحديات الصعبة، وأن تتحمل عدائية الرأي العام العربي والدولي.