· لا شك في أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يغيّر جوهر استراتيجيته السياسية قط، ذلك بأنه ما زال يعتقد أنه يمكن التوصل إلى تسوية إسرائيلية ـ فلسطينية، ولا يزال هذا الموضوع يحتل مكاناً متقدماً جداً في سلم أولويات سياسته الخارجية. وسبق أن أدلى أوباما بمقابلتين إلى صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الأولى عشية انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، والثانية في إثر الخطاب الذي ألقاه في جامعة القاهرة، وحرص فيهما على تأكيد ثقته بإمكان تحقيق التسوية.
· إن التغيير الذي حدث يتعلق بالتكتيك فقط، إذ إن أوباما كان يعتقد في البداية أنه يجب ترويض [رئيس الحكومة الإسرائيلية] بنيامين نتنياهو بالإكراه، أما الآن فيعتقد أنه حان دور ترويضه بواسطة العناق الحار.
· وعلى ما يبدو، فإن أوباما يحذو حذو [الرئيس الأميركي الأسبق] جيمي كارتر، الذي أدرج هو أيضاً موضوع السلام بين إسرائيل ومصر في موقع متقدم من جدول أعماله، وقام في الوقت نفسه، بممارسة ضغوط كبيرة على الجانبين وأيضاً بمعانقتهما عناقاً حاراً، حتى نجح في نهاية الأمر في إقناعهما بضرورة التوصل إلى اتفاق السلام. غير أن السلوك المتعرّج الذي انتهجه أوباما فيما يتعلق بنتنياهو تسبّب بخفض صدقيته لدى الشارع العربي والإسلامي من دون أن يتسبّب، في المقابل، برفع صدقيته لدى الشارع الإسرائيلي. إن هذا الأمر يدعو إلى الأسف الشديد، ذلك لأن تضعضع صدقية رئيس الولايات المتحدة يضع عقبات كبيرة في طريق قيامه بدفع التسوية قدماً.
· إن ما يمكن قوله الآن هو أن الكرة انتقلت إلى ملعب [رئيس السلطة الفلسطينية] محمود عباس، وفي غضون الأسابيع القليلة المقبلة سيقوم كثيرون، بدءاً بـ [الرئيس المصري] حسني مبارك، مروراً بـ [المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط] جورج ميتشل، وانتهاء بعدد من الزعماء الأوروبيين، بالتوضيح لعباس أن عليه الانخراط في مفاوضات مباشرة [مع إسرائيل]، وأنه من خلال ذلك فقط يمكنه أن يجعل نتنياهو عرضة لضغوط أميركية وأوروبية مكثفة ولحملة نقد داخل إسرائيل، كما يمكنه أن يضمن قيام إسرائيل بتقديم تنازلات ميدانية فورية، وتوسيع سيادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وفي حال رفض عباس الانخراط في مفاوضات مباشرة، فإن الأميركيين سيكونون مضطرين إلى اعتباره رافضاً للسلام.
· في المقابل، فإن عباس سيستمع إلى أصوات أخرى تحذره، من جهة، من مغبة الوقوع في الفخ الذي ينصبه نتنياهو له، باعتبار أن هذا الأخير يرغب في مفاوضات لا في تسوية حقيقية، وتحاول، من جهة أخرى، أن تقنعه بأن يسعى لضمان إطار التسوية والحدود الدائمة مسبقاً، وذلك في الوقت الذي تتعرض إسرائيل حالياً لحصار سياسي غير مسبوق.
وتجدر الإشارة إلى أن عباس، في كل مرة كان يُضطر فيها إلى اتخاذ قرارات حاسمة، كان يختار الهروب إلى قطر، بيته الثاني، وفي حال هروبه هذه المرة فإنه سيدفع أوباما بقوة إلى أحضان نتنياهو.