التوجهات الجديدة للتجارة الإسرائيلية مع الأردن
المصدر
مركز موشيه دايان للأبحاث شرق الأوسطية والأفريقية

تأسس في سنة 1959 بالتعاون مع جامعة تل أبيب. وهو مركز متعدد المجالات، ينشر دراسات تتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، كما يُعنى بالموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية والدول الأفريقية. ولدى المركز أهم مكتبة للمصادر العربية من كتب ومجلات وصحف. وتصدر عن المركز سلسلة كتب مهمة في مختلف المجالات، ولديه برامج تدريب ومنح أكاديمية.

– "الاقتصادي"، المجلد 1، عدد أيار/مايو 2011
المؤلف

·       ارتفعت الصادرات الإسرائيلية إلى الأردن بدءاً من أواسط تسعينيات القرن الماضي وحتى سنة 2008، في حين لم تحقق الصادرات الأردنية إلى إسرائيل في تلك الفترة أي صعود. لكن بدءاً من تلك السنة انعكس االوضع، فتراجعت الصادرات الإسرائيلية إلى الأردن، بينما ارتفعت الصادرات الأردنية إلى إسرائيل، الأمر الذي شكل الأساس لنمو تجاري مستقبلي في الاتجاهين وفق ما تسمح به التطورات السياسية.

·       بدأ التبادل التجاري بين إسرائيل والأردن في أواسط تسعينيات القرن الماضي في أعقاب توقيع اتفاقية السلام بين البلدين في سنة 1994. وبلغ حجم تبادل البضائع خلال النصف الثاني من التسعينيات نحو 40 مليون دولار سنوياً، ثم ما لبث أن ارتفع عشرة أضعاف فبلغ 400 مليون دولار سنة 2008. وحدث ذلك نتيجة ارتفاع التصدير الإسرائيلي إلى الأردن من 25 مليون دولار سنوياً في النصف الثاني من التسعينيات إلى نحو 300 مليون دولار سنوياً في سنة 2008. في المقابل ارتفع التصدير الأردني إلى إسرائيل بصورة بطيئة جداً، فمن 15 مليون دولار سنوياً في النصف الثاني من التسعينيات، إلى نحو 40 إلى 50 مليون دولار سنوياً في مطلع سنة 2000. وشهدت الأعوام التالية نمواً بطيئاً، وبقي حجم الصادرات الأردنية في سنة 2007 على ما كان عليه في الأعوام السبعة الماضية.

·       في سنة 2009 طرأ تغير أدى إلى انخفاض حجم التبادل بين البلدين إلى 300 مليون دولار، وظل على ما هو عليه في سنة 2010 نتيجة انخفاض سنوي في الصادرات الإسرائيلية إلى الأردن يقدر بنحو 20٪.  وتشير الأرقام للربع الأول من سنة 2011 إلى انخفاض آخر بنحو 20٪ في التصدير الإسرائيلي إلى الأردن في فترة ما بعد الربع الأول من سنة 2010. في المقابل ارتفع الاستيراد الإسرائيلي من الأردن في الفترة نفسها، فتضاعف في سنة 2008 ليبلغ 100 مليون دولار، وبعد انخفاض طفيف في سنة 2009 عاد إلى الصعود ليبلغ في سنة 2010 المستوى الذي كان عليه في سنة 2008. وفي النصف الأول من سنة 2010 بلغ ضعف ما كان عليه قبل عام، واستمر ذلك طوال تلك السنة، ولأول مرة تخطت الصادرات الأردنية إلى إسرائيل استيراد الأردن منها.

·       هناك عدد من التغييرات يمكنه أن يفسر نمو الصادرات الأردنية إلى إسرائيل، فحتى سنة 2005 كانت اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ) هي الإطار الأساسي الذي تجري ضمنه هذه التجارة. ووفقاً لهذه الاتفاقية الثلاثية بين الولايات المتحدة والأردن وإسرائيل، يُعفى المصدرون الأردنيون من الرسوم الجمركية ومن الكوتا في مقابل تعهدهم باستخدام نسبة معينة من المدخلات الإسرائيلية في منتوجاتهم، الأمر الذي أدى إلى نمو سريع في تصدير الألبسة من الأردن إلى الولايات المتحدة، والذي بلغ مليار دولار سنة 2004، وارتفع إلى 1,3 مليار دولار سنة 2006. وهذا ما أدى أيضاً إلى نمو سريع في الصادرات الإسرائيلية إلى الأردن، ففي سنتي 2003 ـ 2004، كان نحو نسبة 90٪ من التجارة بين إسرائيل والأردن تستند إلى التعاون بين المصانع الإسرائيلية والمصانع الأردنية في مجال إنتاج الألبسة بحسب اتفاقية (QIZ)، وإلى شحنات من البضائع المستوردة الأخرى لمنتوجات غير مصنعة أو مصنعة بشكل كامل.

·       في سنة 2005 حدث تطور كبير تمثل في توقيع اتفاقية التجارة الحرة (FTA) بين الأردن والولايات المتحدة، والتي طُبقت على مراحل في قطاعي الأقمشة والألبسة. وإذا أضفنا إلى ذلك التطورات العالمية التي طرأت على سوق الأقمشة، فإن ذلك كله سمح للأردن ببيع الأقمشة والألبسة المعفاة من الرسوم الجمركية بواسطة اتفاقية التجارة الحرة بدلاً من اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ)، الأمر الذي أدى إلى خسارة المصدرين الإسرائيليين الامتيازات التي حصلوا عليها عبر هذه الاتفاقية. لكن على الرغم من ذلك، فقد ارتفع التصدير الإسرائيلي إلى الأردن خلال الفترة 2007 - 2008 بعد انخفاض طفيف في سنتي 2005 - 2006 نتيجة العوامل التالية:

-         قدرة المزودين الإسرائيليين على منافسة المزودين الآخرين لقطاع صناعة الأقمشة والألبسة في الأردن. يضاف إلى ذلك، الاتفاق بين الأردن وإسرائيل على تخفيف الإجراءات البيروقراطية التي كانت تحد من التجارة في ظل اتفاقية (QIZ)، الأمر الذي جعل من التعامل وفق هذه الاتفاقية أمراً مربحاً لبعض الشركات الأردنية. لكن بدءاً من سنة 2008 انخفضت الصادرات الإسرائيلية بصورة واضحة.

-         أصبحت التجارة بين البلدين تستند أكثر إلى التجارة القطاعية. ففي سنة 2004 جرى تطوير اتفاقية التجارة الإسرائيلية ـ الأردنية، وخفّض البلدان الرسوم الجمركية على عدد من البضائع إلى أن جرى إلغاء هذه الرسوم بصورة كاملة سنة 2010. وشهدت سنة 2005 توقيع اتفاقية بين إسرائيل والأردن والاتحاد الأوروبي تشجع الإنتاج المشترك لعدد واسع من المنتوجات بما فيها الأقمشة والألبسة.

·       وبدءاً من سنة 2009 بدأ ينخفض تصدير المُدْخلات الإسرائيلية إلى صناعة الألبسة الأردنية، وبات اليوم يساوي نحو 10٪ من مجموع المبيعات للأردن، في حين ارتفعت في الوقت نفسه حصة الصادرات الأخرى بما في ذلك المواد الخام من أجل صناعة المجوهرات والفضة وورق التغليف ومواد السماد والدهان والمواد الكيماوية البلاستيكية والآلات والعربات. لكن على الرغم من ذلك فإن حجم كل قطاعات التصدير الإسرائيلي إلى الأردن انخفض.

·       كذلك انخفض التصدير الأردني للألبسة إلى إسرائيل، بينما ارتفع تصدير البضائع الأخرى مثل الخضار والزيتون ومواد البناء والكيماويات والمصنوعات البلاستيكية والحديد والألمنيوم وحتى المعدات الميكانيكية والكهربائية.

·       ويدل توسع التجارة إلى عدد أكبر من القطاعات على إمكان تطور التجارة المستقبلي الذي لم يتحقق لأسباب سياسية وأمنية ونتيجة العقبات التي يفرضها الطرفان، والتي تحولت إلى مشكلات على صعيد الأعمال والتجارة، وأدت إلى تقليص التبادل بين البلدين.

·       ومن الأدلة على ذلك، يمكن الإشارة إلى استحالة تصدير منتوجات مصنعة بصورة نهائية من إسرائيل إلى المستهلك في الأردن بسبب الموقف المعادي للزبائن عامة، وخوف الشركات في الأردن من الرأي العام الذي يعارض العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل. لهذا السبب يركز المستوردون من الأردن على البضائع والمنتوجات نصف المصنعة المستخدمة في الإنتاج الصناعي، وبهذه الطريقة يستطيعون الالتفاف على القيود المفروضة في هذا الإطار.

·       إن حصة الأردن من مجمل التصدير الإسرائيلي صغيرة للغاية، 0,5 ٪ ، وهذا ليس نتيجة صغر السوق الأردنية، وإنما بسبب القدرة المحدودة لهذه السوق على استيعاب البضائع الإسرائيلية. في الواقع، نما الاستيراد الأردني بسرعة خلال العقد الأخير، وارتفع من 5 مليار في سنة 2000 إلى 15 مليار في سنة 2010. وعلى الرغم من قرب إسرائيل الجغرافي من الأردن ومن الاتفاقات المعقودة بين البلدين، فقد كانت حصة دول أخرى  من السوق الأردنية أكبر من حصة إسرائيل، وعلى سبيل المثال فإن حجم الصادرات التركية إلى الأردن أكبر بثلاث مرات من حجم الصادرات الإسرائيلية.

·       من جهة أخرى، فإن حصة إسرائيل من الصادرات الأردنية صغيرة أيضاً، ولا تتعدى 1,5٪ ، ولا يتجاوز الاستيراد الإسرائيلي من الأردن ما مقداره 0,25٪ من مجموع الاستيراد الإسرائيلي. وهذا يتعارض مع تصدير الأردن إلى الدول المجاورة الأخرى التي لا تفرض عليها قيود سياسية. ففي سنة 2010 كانت صادرات الأردن إلى العراق أكبر عشر مرات من الصادرات إلى إسرائيل، كما كانت صادراته إلى السعودية أكبر ثماني مرات، حتى تصديره إلى سورية (ذات الاقتصاد الصغير) كان أكثر ثلاث مرات مما باعه الأردن إلى إسرائيل.              

·       إن تحليل الصناعة في قطاعي الكيماويات والمنتجات البلاستيكية يمكنه أن يظهر الإمكانات غير المتحققة للتجارة الإسرائيلية ـ الأردنية نظراً إلى كون هاتين الصناعتين من القطاعات الصناعية المتقدمة في البلدين، إذ يبلغ مجموع حجم التجارة الخارجية في هذين المجالين نحو 5 مليار في السنة. ويشمل التصدير الأردني في هذا المجال عشرات الدول، ويبلغ حجم التبادل مع كبار المصدرين والمستوردين مئات الملايين من الدولارات الأميركية سنوياً. ويشمل هذا التبادل الاستيراد والتصدير لمجموعة واسعة من المنتوجات المصنعة بصورة نهائية أو جزئية ولمُدْخلات الإنتاج.                                                                                                      

·       وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة للتبادل التجاري بين إسرائيل والأردن في هذه المجالات، مقارنة بشركاء الأردن الآخرين، فإن حجم التبادل مع إسرائيل في هذه المجالات لا يُذكر، فهو لم يتجاوز 50 مليون دولار في سنة 2010، أي ما يعادل 1٪ من مجموع التجارة الأردنية في هذا المجال.

·       إلى جانب هذه الطاقة الكامنة غير المتحققة في التجارة الثنائية بين الأردن وإسرائيل، هناك مجال آخر يشتمل على قدرات كبيرة كامنة هو: تجارة الترانزيت الإقليمية (أي تصدير البضائع من بلد إلى آخر عبر بلد ثالث). ويعتبر الأردن بلداً كلاسيكياً لتجارة الترانزيت، فهو الجسر إلى العراق (تُستخدم العقبة كميناء أساسي إلى العراق)، ويُستخدم لتجارة الترانزيت بين الخليج ولبنان وسورية، وبين الخليج وتركيا وجنوب أوروبا.

·       إن الطريق من الأردن عبر الحدود الإسرائيلية – الأردنية التي تمر من خلال معبر بيت شان في اتجاه مرفأ حيفا هي الطريق الأقصر للتجارة الأردنية مع أوروبا والولايات المتحدة، وتسمح الاتفاقات التي جرى توقيعها سنة 1993 باستخدام هذه الطريق، لكن العوامل السياسية والبيروقراطية أدت إلى عدم تحقق هذه الإمكانية. فالاستيراد الأردني من هذه الدول عبر ميناء حيفا لا يتجاوز ثلث حجم صادراته، أمّا الصادرات الأردنية إلى دول الغرب، والتي كانت تستخدم ميناء حيفا في مطلع سنة 2000، فهي الآن تستخدم بصورة أساسية ميناء العقبة.

·       يعتبر الأردن الطريق الأفضل بالنسبة إلى الصادرات الإسرائيلية إلى الخليج والعراق، إذ يبلغ مجموع الاستيراد لهذه الدول (بما في ذلك منطقة التجارة الحرة مع الخليج) أكثر من 400 مليار دولار سنوياً، وتقدر طاقة التصدير الإسرائيلية الكامنة إلى هذه الدول بنحو خمسة مليارات دولار. وعلى الرغم من عدم قدرة إسرائيل على التبادل التجاري علناً مع هذه الدول، فإن حجم صادراتها إليهم يبلغ 500 مليون دولار سنوياً. وتُظهر الفجوة بين هذه الأرقام العوائق السياسية المفروضة على التصدير الإسرائيلي إلى هذه الأسواق، والتي هي أكبر من القيود المفروضة على هذا التصدير إلى الأسواق الأردنية.

·       في الخلاصة، وعلى الرغم من كل المعوقات السياسية، فإن التطورات الحاصلة منذ سنة 2000 تدل على أن التجارة بين الأردن وإسرائيل لديها القدرة على النمو وعلى التنوع. وستحمل المعطيات بشأن التجارة خلال الأشـهر القادمة في طياتها الاتجاهات المستقبلية للتجارة الإسرائيلية ـ الأردنية، كذلك ستنعكس النتائج المتأتية من الربيع العربي على التجارة وعلى العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والأردن.