كيف ستتعامل إسرائيل مع التغييرات في القيادة العسكرية المصرية؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       عاشت إسرائيل أجواء من الاضطراب والذعر لدى سماعها خبر إعفاء المشير حسين الطنطاوي من منصبه. فمع مَن سوف تتحاور إسرائيل الآن؟ ومن سيقاتل عنها في سيناء؟ وما هي الجهة التي ستتعاون معها؟

·       ما حدث مع مصر يشبه الذعر الذي شعرت به إسرائيل عندما قام رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان بإبعاد القيادة العسكرية للجيش التركي عن الحياة السياسية، وباعتقال عدد من الجنرالات كانوا من المتعاونين سراً مع إسرائيل.

·       وفي الواقع، فإن إسرائيل تلاقي صعوبة في استيعاب حقيقة أن تركيا ومصر قد انتقلتا من الحكم العسكري أو نصف العسكري إلى الحكم المدني. فهي كانت تعتقد أن العلاقات الخفية التي أقامتها مع القيادات العسكرية في البلدين ستدوم إلى الأبد، وأن حكم الجنرالات بحاجة إليها، سواء بسبب علاقاتها مع الولايات المتحدة أو بسبب المصالح الأمنية.

·       لقد كان وضع إسرائيل في تركيا أفضل بكثير مما كان عليه في مصر. ففي سنة 1996 عندما وصلت حكومة دينية إلى الحكم، وحتى بعد ذلك، أي عندما فاز حزب العدالة والتنمية بأغلبية كبيرة في سنة 2002، لم يؤد هذا الأمر إلى إثارة مخاوف إسرائيل، لأن الجيش التركي احتفظ بحق اتخاذ القرارات الحاسمة، وقد اعتقدت  إسرائيل يومها أن الجيش في تركيا سيكون قادراً على تعديل الكفة في مواجهة الإسلام السياسي.

·       في المقابل، لم تكن إسرائيل بحاجة في مصر إلى التحاور مع الجيش، فقد كان حسني مبارك عملياً القائد الأعلى للقوات المسلحة. صحيح أن السلام مع مصر كان سلاماً بارداً، وأن الانتقادات ضد إسرائيل كانت تأتي من كل الاتجاهات، لكن من وجهة نظر إسرائيل، فإن الجانب الأمني للسلام هو السبب والنتيجة للعلاقة مع مصر، فلم يكن يهمها ما يفكر فيه الجمهور المصري ولا عدد السياح المصريين الذي يزورون إسرائيل، وإنما المهم بالنسبة إليها كان أن مبارك وجيشه معها، وكان هذا يكفيها. وكان من الصعب على مجتمع عسكري مثل المجتمع الإسرائيلي التحاور مع مجتمعات مدنية، فهو يحتاج إلى شركاء عسكريين مثله لا تهمهم انتهاكات حقوق الإنسان، ولديهم التعريف نفسه لمصطلح الإرهاب، ويعتبرون الخدمة العسكرية مفتاحاً لتقدمهم في المجتمع المدني والسياسي.

·       لقد طبع التطابق في وجهات النظر شبكة العلاقات بين إسرائيل وتركيا ومصر طوال الوقت الذي كان فيه الجيش، سواء بصورة مباشرة أو عبر شخصيات سياسية مدنية، هو الذي يضع السياسة ويحدد العدو. ونشأ تحالف بين هذه الدول الثلاث يستند إلى وجهة نظر متشابهة  تعتبر الإسلام هو العدو. ففي التسعينيات اعتبر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في تركيا الإسلام عدواً للنظرة الكمالية إلى الدولة العلمانية ويجب محاربته، أمّا في مصر فقد مُنع الإخوان المسلمون من تأليف حزب "لأن كل حزب ديني يشكل خطراً على الدولة المدنية" وفقاً لكلام مبارك، الذي هو نفسه كان يزدري المجتمع المدني وعمل على تقويضه.

·       اليوم تحولت تركيا إلى دولة مدنية، وباتت قيادتها العسكرية مضبوطة بعد مرورها بـ "عملية تطهير سياسية"، أمّا في مصر فقد أُخرج الجيش المصري من قصر الرئاسة وأعيد إلى الثكنات، ووحدها إسرائيل لا يزال جيشها يحدد طابع الدولة ونمط حياة المواطنين. من هنا ليس غريباً أن تلاقي إسرائيل صعوبة في إيجاد مكانها وسط الأجواء الجديدة التي نشأت في تركيا ومصر، حيث، فجأة، لم يعد الإسلام، وليس المقصود هنا التنظيمات الإرهابية الإسلامية التي يشن عليها مرسي وأردوغان حرباً شعواء، العدو المشترك الذي يوحد بين هؤلاء الشركاء.

·       نتيجة هذا كله، تشعر إسرائيل بأنها خسرت شركاءها، وباتت تعيش داخل الخوف من الأنظمة "الإسلامية" بعد أن أقنعت نفسها بعدم وجود طرف يمكن أن نتحاور معه في المنطقة. لكن من الممكن أن تعود العلاقات مع تركيا، ومن الممكن أيضاً تطوير الحوار مع مصر في اتجاهات جديدة، شرط أن تدرك إسرائيل أن ما يعترض طريقها ليس التوجه الديني لدى أردوغان ومرسي، وإنما سياستها هي.