· منذ أشهر طويلة يعكف الإيرانيون وحزب الله على تحليل الوضع في سورية والانعكاسات المباشرة لسقوط نظام بشار الأسد. فمما لا شك فيه أن هذا الأمر سيشكل ضربة مؤلمة وخطرة لمحور التطرف المؤلف من إيران وسورية وحزب الله، ولا سيما في ضوء صعوبة تقدير ما ستصبح عليه سورية بعد سقوط الأسد. هل ستبقى في صورتها الحالية كدولة؟ أم ستنقسم إلى دويلات؟ أم ستغرق في حرب أهلية وطائفية؟
· بالنسبة إلى طهران وحزب الله، فإن خسارة "الشريك الدمشقي" معناها إلحاق الضرر بعملية تدفق الأموال والسلاح وبالتنسيق في المواقف السياسية. كما سيكون لسقوط الأسد نتائج أخرى أكثر صعوبة بالنسبة إلى حزب الله، إذ ستضرر حينها شرعية الحزب داخل لبنان.
· وللتذكير، نشير إلى أن سورية هي التي سمحت لحزب الله بالاستمرار في الاحتفاظ بسلاحه بعد اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان سنة 1989، وذلك بذريعة مواصلة النضال ضد "المحتل الصهيوني". وحتى عندما خرجت إسرائيل من لبنان في أيار/مايو 2000، وجد نصر الله ذريعة جديدة للاحتفاظ بسلاح حزبه هي "مزارع شبعا".
· ولقد حظي نصر الله بدعم دمشق التي أعلنت أن مزارع شبعا هي أراض لبنانية، على الرغم من كونها سورية وفقاً للخريطة الموضوعة في عهد الانتداب الفرنسي، الأمر الذي أعطاه شرعية للاحتفاظ بسلاحه ومحاربة إسرائيل، على الأقل حتى تحرير هضبة الجولان.
· وفي الواقع، في أعقاب أيار/مايو 2000، شنّ الحزب أغلب عملياته العسكرية ضد إسرائيل في منطقة "مزارع شبعا" المختلف عليها، وكان هدفه واضحاً، ألا وهو استخدامها كذريعة أساسية لمواصلة القتال ضد إسرائيل، الأمر الذي يمنحه شرعية داخل لبنان بصفته تنظيماً عسكرياً إلى جانب الجيش اللبناني.
· واليوم يجد حزب الله نفسه في أزمة هي الأكبر منذ حرب لبنان الثانية سنة 2006. فالتقارير التي تحدثت عن مشاركة عناصر إيرانية ومتطوعين من حزب الله في قمع الانتفاضة السورية أساءت إلى صورة الحزب داخل لبنان. فبالنسبة إلى السنة في لبنان، وحتى المسيحيين، فإن التحالف الشيعي المؤلف من إيران وحزب الله والأسد، يقاتل بوحشية أبناء طائفتهم المطالبين بالحرية في سورية.
· ولقد عادت من جديد الدعوات المطالبة بنزع سلاح حزب الله، وذلك على خلفية الخوف من انتقال المواجهة من سورية إلى شمال لبنان، حيث يشتبك السنة مع العلويين من أنصار النظام السوري. ولهذا الغرض أطلق حزب الله مؤخراً الشريط المصور لعملية أسر الجنديين الإسرائيليين غولدفاسر وريغيف [التي كانت السبب في حرب لبنان الثانية سنة 2006]، ويحاول مواصلة الضغط على إسرائيل من خلال عملائه داخل المناطق، ويبحث عن وسائل لإدخال السلاح إلى إسرائيل.
· وهنا تجدر الإشارة إلى أن الجزء الأكبر من قرية الغجر [التي أعلنت إسرائيل اعتقال 21 شخصاً من سكانها بتهمة تهريب سلاح من حزب الله إلى الناصرة] يقع داخل مزارع شبعا، ويعيش فيها بعض العلويين البالغ عددهم نحو 2000 شخص. وهنا يبرز الجمع بين حاجة حزب الله إلى المحافظة على شرعيته من جهة، وحاجته من جهة أخرى إلى العمل ضد "الصهاينة" الذين يحاولون إسقاط النظام في سورية ويساعدون "المجموعات الإرهابية" التي تعتدي على الشعب السوري.