العلاقات التركية – الإسرائيلية بعد استقالة جنرالات الجيش التركي
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- إن إعلان استقالة رئيس أركان الجيش التركي وقادة أسلحة البر والجو والبحر من مناصبهم يُعدّ بمثابة المرحلة الأخيرة في عملية القضاء على الدور المهم الذي يؤديه الجيش التركي في الحياة السياسية، وفي عملية الانقلاب الصامت الذي شهدته تركيا بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في نهاية سنة 2002. فقد نجح هذا الحزب في قضم المكانة التي يحتلها الجيش التركي بصفته المدافع عن العلمانية في تركيا، وهذا ما ستكون له أهمية كبيرة على صعيد ما يحدث داخل تركيا، وعلى صعيد سياسة تركيا الخارجية والأمنية، وتحديداً على صعيد علاقاتها مع إسرائيل.
- إن التغييرات الدراماتيكية في تركيبة قيادة الجيش التركي من شأنها أن تبدد الآمال بإمكان إحياء العلاقة الأمنية بين تركيا وإسرائيل. كذلك سيؤدي تغيير القادة الكبار في الجيش التركي وتوجيه الاتهامات إلى عشرات الضباط الآخرين، إلى كبح أي محاولة للاعتراض على سياسة الحكومة التركية إزاء إسرائيل. علاوة على ذلك من المنتظر أن يقوم رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان وحزبه، بعد نجاحهما، بتقليص نفوذ الجيش، ومنعه من ممارسة نفوذه في الحياة السياسية الداخلية التركية.
- في ظل هذه الأوضاع، هل ما زال مفيداً الاعتذار من تركيا على ما جرى لسفينة "مافي مرمرة"؟ لقد كررت تركيا أكثر من مرة أنها لن تتنازل عن الاعتذار ودفع التعويضات ورفع الحصار عن غزة في مقابل ترميم علاقتها مع إسرائيل، إلاّ إن أقصى ما يمكن أن تقدمه إسرائيل اليوم هو اعتذار محدود يركز على الإخفاقات العملانية.
- هناك عدة عوامل لتفسير استعداد إسرائيل لتقديم اعتذار محدود إلى تركيا، ومن شأن هذه العوامل أن تؤثر في العلاقات التركية – الإسرائيلية لاحقاً حتى لو لم ينجح الطرفان في التوصل إلى تسوية.
- العامل الأول، وهو الضغط من جانب الولايات المتحدة، فالعلاقات بين تركيا وإسرائيل ليست علاقات ثنائية، وإنما تشكل الولايات المتحدة ركناً أساسياً فيها. ومنذ "الربيع العربي" ازدادت في نظر الولايات المتحدة أهمية تركيا كدولة حليفة إقليمية، ولا سيما أن حلفاءها الآخرين في الشرق الأوسط أصبحوا أكثر ضعفاً، أو لم يعودوا مهمين في نظرها. لذا، اعتبرت الولايات المتحدة أن تدهور العلاقات بين تركيا وإسرائيل الذي حدث قبل "الربيع العربي" هو بمثابة تطور سلبي وأصبح الآن أكثر إشكالية، فنراها تمارس ضغوطاً كبيرة على تركيا وإسرائيل من أجل ترميم العلاقات بينهما.
- ثمة عامل آخر، وهو الحاجة إلى العلاقات الطبيعية بين تركيا وإسرائيل في ضوء التغييرات التي تحدث في الشرق الأوسط، وعدم الاستقرار الناتج عن "الربيع العربي"، ولا سيما في سورية. وما يجب أن يطرح للنقاش ليس مسألة استئناف العلاقات الأمنية التي كانت قائمة خلال التسعينيات، وإنما التعاون في المجالات الأساسية في حال ازدياد الخطر على الاستقرار في سورية. ووفقاً لما قاله وزير الدفاع إيهود باراك لا تستطيع إسرائيل أن تسمح لنفسها ألاّ يكون لها علاقة مع واحدة من الدول الأساسية في المنطقة، أي مصر، وإيران، والسعودية، وتركيا. فالتغييرات في مصر والغموض الذي يحيط بمستقبل هذه الدولة، والمواجهة العلنية مع إيران، وعدم وجود أي علاقة مع السعودية، كل ذلك يفرض على إسرائيل العمل على تحسين علاقتها مع تركيا.
- لكن هناك عامل آخر هو حماية الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في السيطرة على سفينة مرمرة من الملاحقة القضائية. فالتخوف من أن يؤدي نشر تقرير الأمم المتحدة إلى تقديم شكاوى ضد الجنود الإسرائيليين، والسعي للحصول على موافقة تركية بعدم تقديم مثل هذه الشكاوى، هو الذي يدفع إسرائيل إلى تقديم اعتذار محدود.
- ويمكننا أن نضيف عاملاً آخر هو العلاقات التجارية بين البلدين، فالعلاقات الاقتصادية المزدهرة من شأنها أن تنجح في تغليب الاعتدال على التوجهات السياسية، بينما سيؤثر تصاعد التوتر بين البلدين سلباً في التعاون التجاري والاقتصادي بينهما.
- يجب أن نأخذ في حسابنا أن أي تدهور في علاقة إسرائيل بالفلسطينيين وخصوصاً في قطاع غزة سيؤدي إلى القضاء على الآثار الإيجابية الناتجة عن الاعتذار، سواء أَزار أردوغان غزة أم لم يزرها.
- إن الاعتذار الإسرائيلي المحدود من تركيا لن يعيد العلاقات التركية – الإسرائيلية إلى ما كانت عليه في التسعينيات، لكن ثمة أسباب مهمة تدفع إسرائيل إلى القيام بذلك وتتعلق بصورة خاصة بالتغييرات الاستراتيجية وبقيام توازن استراتيجي جديد في المنطقة.